الخواجه عبدالقادر

للمصريين قدرة هائلة وبارعة في عجن الأفكار وقولبتها إلى لقيمات صغيرة سهلة التناول والهضم، برعوا في مجال التعليم والتدريس وخير شاهد على كلامنا هو انتشارهم على موقع اليوتيوب في كل صغيرة وكبيرة من الأشياء وشاردة وواردة من الأفكار، يشرحونها ويفسرونها ويناقشونها.

وتجسدت أيضًا في ذوقهم إبان فترة المد ّالقومي والاشتراكي في تعبيرهم عن مشكلاتهم وأفكارهم عبر قوالب غنائية شعرية بارعة مثل ما قدّمه الشيخ إمام بأشعار أحمد فؤاد نجم.

وهم كذلك في المجال الأدبي، فـ خليل ابراهيم وأحمد شوقي بك ونجيب محفوظ وغيرهم ممن استطاع أن يجعل الأدب في محل يتناوله الجميع بالإعجاب “الغلابة” والأدباء على حد سواء.


(التصوّف) ليس خارجًا عن هذه القاعدة، وعمل مثل (الخواجه عبدالقادر) دليل كبيرة على فن المصريين والذي يبدو لي أنه جذوره تعود للحضارة الفرعونية، من نقشهم الهيرغليفي المصوّر على الجدران والمسلات.


تعود القصة إلى فترة ما بعد الحرب العاليمة الثانية، والاستعمار البريطاني للأراضي المصرية والسودانية، وفيها تنتقل القصة في مدار العشرين سنة، ذهابًا وإيابًا، في شخصية (كمال ابن مناظر) السارد لقصة (الخواجه عبدالقادر).

تصوّر هذه النقلة، في المروية أثر الأفكار والموروثات والتاريخ بصراعاته النفسية والاجتماعية، في طبيعة العلاقات، سواء العلاقات الاجتماعية أو العلاقات الدينية. بل حتى في بلورة الاعتقادات والممارسات.


والرواية الشفاهية ليست آمنة من تدخّل الخيال خاصة وأن الراوي (كمال) يروي الحدث مع الخواجة حين كان صبيًّا، وهي الفترة الخصبة للخيال، والذي جعله الكاتب والمخرج بشكل واضح في عبارة عبدالقادر بن كمال وهو يتهم أباه بالخيالات، فكان رد الأب عليه بأن هذه حقيقة، فوجود عبدالقادر هو وجود أبوه وأبوه موجود لأن عبدالقادر موجود.

”حكاية الحواجه ديّة هيّه أبوك، لو مفيش الخواجه يبقى مفيش أبوك“

كمال ابن مناظر


هذا التعبير يوصل رسالة واضحة بأن التاريخ (سواء في حدوث وقائعه أو اعتباره وقعت) ملتصق إلتصاق كلّي بوجوده الإنسان ومفسّر لكل ما حوله ودافع للتصرّف بالقول والفعل للحوادث الحاضرة.

في المسلسل براعة في طريقة السرد، وإحكام العُقد وفكّها، والأحداث المولّدة للأحداث، والصّراع النفسي والاجتماعي، وتكوين الشخصيات بواقعية، وبيان حالة التقلّبات القلبية، والحوادث التاريخية، وطبيعة الحياة، وعكس الكثير من الأفكار الصوفية المعقّدة بالكتب، ببساطة وجمال وتشويق وقصة حب تعيد لنا ذاكرة مجانين العرب كـ مجنون ليلى، وقيس لبنى.


هذه الحكاية من الحكايات التي سيعيش أبطالها معك إلى الأبد (عبدالقادر وزينب وكمال ومناظر وعبدالظاهر ويوسف وأحمد وسلطنة وزايد وشهوية .. ) كلهم كُتب لهم الخلود بخلود مقام عبدالقادر.

إنِّــــــي احبــــكِ زينب

         حب المحب لروحــه

وبدون حبكِ زينب

        فقد المحب لروحه

الخواجه عبدالقادر
Join