في ذكرى

الفنان عبدالحسين عبدالرضا

سؤال: لماذا انجازات عبدالحسين عبدالرضا مهمّة كأي شخص آخر قدّم منجز في أي مجال آخر؟!


حين نقيس منجزات فنّان ومبدع مثل "كافكا" .. فنحن في الواقع نتحدث عن شخص لم يكتفِ فقط بصنع قوالب خيالية أو متخيلة في أدب الرواية بل بث الحياة في هذه القوالب بحيث جعلها تمشي على الأرض في الأماكن المتعددة المذكورة في سرده المتخيّل، وحينما نتكلم عن هذا الإنجاز الذي شكّله "كافكا" فنحن لا نرفع الأدب الواقعي عن بقية الأشكال الأدبية بقدر ما نقدّم ونبيّن كيفية جديدة لعلاج أزمات أي مجتمع من المجتمعات.

بإمكان هؤلاء الأشخاص أن يجلسوا في الغرف المغلقة وينظّرون ويتقوقعون في مسئولياتهم الحقوقية والفكرية كأي شخص آخر، ولكنهم سيظلون أشخاصًا عاديين بمهمة عادية ودور عادي بإمكان أي شخص آخر القيام بها، وستكون النتيجة عادية لا جديد فيها. ولكن عندما يقوم كافكا بوصف تفاصيل جريمة ما بكافة بشاعتها ووصف تفاصيل الأزمة النفسية التي يعيشها المجرم، والصراعات والنزاعات والعقد المتوارثة منذ الطفولة، من خلال رواية عريضة يرسم من خلالها كافة تفاصيل بيئة الشخص ( الفكرية - التربوية - النفسية - الجنسية ... إلخ ) فهو يلقي بالقارئ في حضن النص راسماً أمامه مسرح الجريمة وباثاً فيه الحياة، بكل صراحتها الفجّه، ليكتشف دوافعه.


عبدالحسين -لمن لا يعرف-؛ ابن النوخذة عبدالرضا محمد عوض أحد رواد حسينية معرفي الشرقية وأخو أمير عبدالرضا وابن عم غرّيد الشاطئ هو أيقونة الفن الكويتي، فهو من عجم الكويت المشبّعة ذاكرتهم بفرجان شرق، فمن أراد أن يعرف شكل المواطن الكويتي القديم، ذلك الذي كان يمارس حياته بتفاصيلها البسيطة داخل السور، ذاك الذي جمع الأعجمي والعربي والشيعي والسني والحضري والبدوي، فعليه أن يرى عبدالحسين عبدالرضا. تحدث في (#درب_الزلق) عن طموحات المواطن العادي -مواطن كويتي، والفئة الكبرى من المواطنين الكويتيين هي فئة العاديين- الذين كانوا قبل النفط يعيشون حياة عادية يتأملون من خلال عملية التثمين تغير حالهم إلى أفضل. ليكتشفوا فيما بعد أن السقف الطيني الذي كان يظللهم في بيوت الطين تحول في ليلة وضحاها إلى "كومة قروض تكسر ظهورهم". عبدالحسين عبدالرضا حوّل المأساة إلى كوميديا سوداء، وحوّل الدمعة إلى ضحكة لا لكي ينوّم المجتمع ولا لكي يجعله يتقبل ما لم يمكن تقبّله، بل ليتمكن من قول ما لا يمكن قوله. عبدالحسين عبدالرضا حوّل مسرح الاقتصاد الكويتي بكافة مكوناته وطبقاته، وتحدّث بالكوميديا عن السياسة ومتاهاتها وما يجري في كواليسها بلسان بليغ يفتقر له أبلغ لسان معارض وبصراحة يفتقر لها أعظم كاتب ناقد. عبدالحسين عبدالرضا دخل إلى كواليس البيت الكويتي بمختلف طبقاته الاجتماعية في (#على_هامان_يا_فرعون)، في زمنٍ لم يكن فيه تويتر، ولا فيسبوك ولا مواقع التواصل الاجتماعي حيث المقنّعين الذين يكشفون سرائرهم النتنة وعنصريتهم البغيضة. في ذاك الزمن، زمن هامان وفرعون، بيّن عبدالحسين عبدالرضا كل ما يمكن أن يواجهه شاب عادي يرغب بالزواج من بنت أبو الحصاني، وبيّن القاعدة الاجتماعية الحاكمة، في هذه الطبقة، بلسان عبدالعزيز النمش: "هذولا نحبهم، ونعزهم، ونقعد معاهم، بس ما انزوجهم". أما جهاز الاستخبارات البعثية، فلم يستهدف محلّلاً سياسيًا أو محللي السي إن إيه وربع الديوانية وأمثالهم في وقتنا الحاضر أصحاب بسطات التحليل السياسي والاجتماعي على قنوات السوالف الفاضية -تعرفونهم- ولم يستهدفوا ضابط مخابرات، ولا ضباط الجيش والشرطة، ولكنهم استهدفوا وبكل قوتهم، عبدالحسين عبدالرضا لحظة خروجه من عرض خالد لمسرحية (#سيف_العرب).


واترك السؤال  (لماذا؟)


لكل من يسأل عن كيفية قياس إنجاز عبدالحسين عبدالرضا.


عبدالحسين عبدالرضا الأيقونة الكويتية التي عرفها العرب جميعاً في حين جهلوا أو لم يلتفتوا إلى قراءة تاريخ تأسيس الكويت. عبدالحسين عبدالرضا الذي أحبه الخليجيون والشوام والعراقيون والمصريون والمغاربة واليمنيون فيما جهلوا كافة وجوه الساسة والإعلاميين والرياضيين. تقول هذه الأيقونة ببساطة: هكذا نخدم الكويت. بالحديث عن الأوجاع الحقيقية بعيداً عن خطابات التكسّب والانتهازية والشحن الاجتماعي أو التطبيل لهذا أو لذاك. قدّر الله للكويت والكويتيين أن يكون عبدالحسين عبدالرضا هويتهم وأيقونتهم أمام جميع الشعوب.


١٢ أغسطس ٢٠١٧
Join