العنصر الفرويدي في السينما

بين العالم كما يراه فرويد والعالم كما في الواقع

Malena 2000 & حلاوة روح 2015


حين جعل سيغموند فرويد المحرك الجنسي أساسًا في دراساته التحليلية ونظرياته النفسية، أولد فيها عناصر وقوالب استغلّتها الأعمال المرئية بشكل عام والسينمائية بشكل خاص، بشكل متعمّد وبالغت في عرضها بشتى الطرق والسبل، بل أصبحت أيقونة الأعمال السينمائية، لدرجة أن الأعمال التي تخلو من عنصر فرويدي بات نادرًأ، ويعود أسباب ذلك لعدة أمور ليست محل الحديث عنها الآن.

حلاوة روح 2015

Malena 2000

في العملين المتشابهين للوهلة الأولى Malena 2000 الفلم الإيطالي، والفلم المصري (حلاوة روح)، نجد أن العنصر النفسي فيهما يتمثل في ما يطلق عليه بـ(سكوبوفيليا Scopophilia) أو (المتعة عن طريق النَّظر - شَبق النظر)، وقد وصف سيغموند فرويد مصطلح سكوبوفيليا وصفًا وتحليلاً وشرحاً واعتبره غريزةً طفولية تشكّل شخصية الفرد، يلاحظ في ذلك بأن استخدامه للغريزة الطفولية هذه كان بداعي أن الطفل حين يستكشف الفرق التناسلي تبدأ معه الرغبة في المتعة عبر النظر، وهذا ما يجعله يدخل في عالم التخييل والوهم، ومن هذا الأساس فإن تفاعله بين عالمه التخيلي والواقعي يدخله في حالة القلق ومشاعر الذنب.
وهو ما عرضه الفلمين في مشاهد الصبي وتتبعه لحياة الفتاة واختلاس النظر الشابق ومراقبتها على طوال اليوم.
التشابه بين الفلمين في الحقيقة لا يعطي معنى التطابق بتاتًا بينهما، ففي فلم (
حلاوة روح) رغم عبثية هدفه، كان العنصر الفرويدي مجسّدًا بشكل واضح في كل التافصيل حتى في داخل الصراع الواضح بين الولد (سيد) وأبوه (عرفه) والذي كان بشكله المسبتد في إفراض السيطرة على (روح) واغتصابها..
فالفلم يجسد العنصر ويعرضه بصورته الفجّة، وهذا ما يجعله مختلفًا عن فلم  (
Malena 2000) فهو رغم عرضه الفكرة بصورة مبتذلة جدًا متعمّدًا ذلك لغاية واضحة، وهي: السخرية من فرويد.
يمكننا أن نقارب الفكرة في كون هذا الانغماس السينمائي في العناصر الفرويدية وعرضها دائمًا قد جعل من العمل (
Malena ) يحاكي فيه عمل ( دون كيخوت ) في السخرية من قصص الفروسية، بعرضها بصورة هزيلة ومبتذلة جداً.


الفلم Malena عرض العنصر الفرويدي في الغواية في اللحظة التي طلبت الفتاة من الصبي أن يشتري لها السجائر وألقت بالنقود بطريقة مهينة لتبدأ بإثارة الطفل حول مفاتنها التي تعرضها له بطريقة استعلائية -وهي لحظة جاءت على أنها متخيّلة في ذهن الصبي-، يرسم هذا المشهد في ذهن الطفل حُلمًا يتفاعل معه في كل لحظة ويتداخل مع واقعه فيدخله في جوّ مليء بالقلق حول تفاصيل حياة (مالينا) والذي يستمر فيه بالتجسس على حياتها الخاصة، واختلاس النظر خلف الأبواب المغلقة والنوافذ العالية، شبق لمعرفة أدق التفاصيل وملاحقة دائمة في ذهابها وإيابها، مما يتبعه مشاعر غريبة تختلط في الحكاية بلحظات مؤلمة تواجهها الفتاة، فيشعر حيالها بمشاعر الذنب، فهو يرى أن مالينا تخصّه وحده!

رغم أن هذه المشاعر لم تأتِ بلقاء واقعي معها، إلا أن صورة افتراق الواقع عن مشاعره المتخيّلة غايةٌ أساسية في الفلم، حيث ينتهي بتحقق الحلم في لقائها.

لكن هذا اللقاء كان باهتًا جدًّا وباردًا لأقصى درجة، يجمع فيه الصبي البرتقال المتناثر منها بصورة لا نجد فيها إي حالة إغرائية ولا نظرة شبقة.


هنا يعلن المخرج لنا بكل وضوح...

الفرق بين العالم كما يراه فرويد وبين العالم كما في الواقع. 

Join