قصة شنب
تخيّل مثلًا أنه إذا أراد أن يكتب مذكراته ويومياته التي كان يتكلم عنها بأنها يوميّات سرية، يعنون كتابه باسم (يوميات عبقري)، بدأ هذه اليوميات من شكل حذائه الجلدي الضيّق الذي يرتديه لحظة كتابته لليوميات إلى لحظة طفولته وتعرّفه على الكتب، هذه المذكرات عبيطة في الأسلوب لكنها متماسكة في الفكرة، شيء محيّر!
ويتحدث عن نفسه دائما باسمه، فيقول قام دالي بعمل كذا، ويرى دالي في سفره، يقول دالي .. إلى آخره.
فتلقاه دايما يتحدث باسلوب تفخيم وتعظيم يعرض فيه جنون عظمته وسخريته من كل شيء بكل جدّية، هكذا أراد دالي أن يعرض يومياته.
دالي في اللحظة الأولى لتعرّفه على نيتشه من مكتبة والده، وقراءته لـ هكذا تكلم زرادشت، يقول:-
"الجرعة الأولى التي رشفتها من نيتشه صدمتني بعمق، فهو بكل وقاحة واضحة يعلن أن الخالق قد مات، ما هذا، الذي أعرفه أن الله غير موجود، ونيتشه يقول أنه مات، زاد شكوكي مره أخرى، صحيح ان دالي أعجب بـ زرادشت واعتبره بطل، لكنه كان صبياني جدًا ويوم ما سيكون دالي أعظم منه."
سلفادور دالي
هذه لحظة إعلان تحدي واضح بين دالي ونيتشه، ولا نعرف مدى هذا التحدي وعلى أي مستوى، هل سيكون أعظم من نيتشه في كتبه وفكره، وله في صبيانيته، المهم أن هذه اللحظة صار براس الريّال يتحدى نيتشه وزرادشته
يصف دالي نيتشه فيقول:-
نيتشه شخص ضعيف وخائب ومهزوم أسلم نفسه للجنون، بينما أحد الأمور الأساسية لهذا العالم ألا تصبح مجنونا، هذه التأملات صنعتها لتكون شعاري في الحياة، وخطتي الخاصة، وهو أن الفرق الوحيد بين دالي وبين المجنون أن دالي ليس مجنونا.
احتاج الأمر ثلاثة أيام لأتمثّل نيتشه وأهضمه، وبعد هذه الوليمة الثقيلة بقيت عظمة واحدة امصمصها وهي ( شنبه ).
في يوم من الأيام كان دالي جالس مع صاحبه الشاعر الأسباني لوركا وما كان يخفي له اعجابه بهتلر (هذا الاعجاب الي كان أحد أسباب طرده من الجماعة السريالية) فقال له لوركا: شارب هتلر هو الشيء الثابت المريع في وجهه الذي نتفق أنا وانت عليه.
من هنا فكّر دالي أن للشنب مقدرة تعبيرية كبيرة، مقدرة تدميرية تشابه مقدرة هتلر القتالية، وقرر أن يرد على نيتشه بالشنب وحده، فقرر أن يكون شنبه مو مثل شنب نيتشه الي يبين ان محبط ومأساوي بل أن يكون امبرياليا ولا معقولا، ويشير إلى السماء باستمرار، كالمتصوّف