ٌهل للسماء صوت

يقول: مرحَبا؟

عن السماء وفكرة النظر للأعلى

لم تكن فكرة النظر للأعلى مثيرة للاهتمام بالنسبة لي على الأقل حتى تلك اللحظة التي كنت بها في عيادة الأسنان ولم تكن للمرة الأولى لكنها كانت المرة التي ولّدت فكرة إبداعية من وحي المعاناة، كنت على الكرسي الممتد والأيادي المعالجة والمعدات الصوتية والصامتة وجهاز الأشعة تدخل وتخرج من فمي الذي تخشّبت مفاصل الفك فيه من طول مدة العلاج حتى ظن الدكتور والدي الغالي أنني "مفهية أو جاءني النوم" لأنه حينما يقول لي "سكري فمك أو افتحي فمك" تكون استجابتي بطيئة وتبعث على الإحباط وكأنها إنسان مكتئب من الحياة.

هذه اللحظة العلاجية، وأنت شاخص في السقف الجامد، تعدّ المربعات، وتقرأ العلامات التجارية للأجهزة، وتكتشف العيوب التصميمية أو التنفيذية، والأفكار الغريبة والدرامية تأتيك واحدة وراء الأخرى، تأتي هذه الفكرة الإبداعية! لماذا لا يكون سقف عيادة الأسنان أي شيء غير السقف العادي؟ صور عبارات أي شيء!

لون أخضر منعش، وربط بقوة الخلق الرباني للسن حيث أن هذه اللؤلؤة البارزة يمسك بها جذور وأعصاب أصيلة في جوف اللثة.. أحببتها نوعا ما.

الزرقة وحلم النوارس، لوحة ممتعة ومألوفة!

مافي أي ربط، بس لو أعد الكرات الملونة أكثر متعة من عد المربعات البيضاء!

الخضرة مرة أخرى! ثلاثية أبعاد وأكثر دهشة.

الالتقاطة المفضلة بعين الحياة، سماء صحو تعلوها بعض الغيمات وتتداخل مع مشهدها حيوية الأشجار الوارفة.. هل سمعت حفيفها؟

لا بأس بمشاهدة بعض الأفلام حتى ولو كان الفشار غير حاضر

تغلبوا على رتابة المربعات بالتعريض لأحد الخدمات المقدمة، تبييض الأسنان والاصطفافة الهوليدية المشهورة

لدرجة أن أسنانك ستكون مشعة مثل الإضاءة التي بجانب المنشور الإعلاني! بس تكفى لا تخليها بيضاء لهالدرجة.

لوحة رقمية من الطبيعة.. عيادة vip على ما يبدو!


بالعودة للحياة،

لو ركزنا في عدد المواقف التي جعلتنا ننساق لحركة عفوية نرفع فيها الرأس للأعلى مغمضين أعيننا لنأخذ أقصى ما نستطيع من نفس ثم فتحهما والنظر بصمت في الظاهر ورجاء من الداخل، لتسائلنا بالتأكيد هل للسماء صوت ينادي ويقول مرحبا؟


في الحيرة، في الرجاء، في الضيق، في السعادة، في الحياة نرفع أعيينا للأعلى، تدهشنا رحابة السماوات، نتمتم بالدعوات، تحفّنا الرحابة الحانية، ونجدد العهد بالأمنيات، ونلهج بالامتنان الشاكر!

{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}



وعلى النقيض..

كم مرة فاتتنا مشاهد السماء؟ سافرت لمدينة ساحلية قريبا أنا المعتادة على الجفاف والجو الحاد في مدينة صحراوية بحتة، كانت أحد أشكال زيارة البحر المرجوّة هي وقت الشروق.. وحصل ذلك.. صحوت أنا المدنيّة حتى في ساعات نومي منذ الصباح الباكر جدا، لاقتناص هذه  اللحظة التي بالمناسبة تحدث كل يوم حتى في المدينة متطاولة المباني وحتى لو صعدت للسطح ولإيجاد الشمس عليك أن تلعب لعبة البحث عنها خلف البيوت!

وصلنا على وقت الشروق بالضبط، الجوّ بارد، والصُفرة الأجمل على الإطلاق الأرجوانية قليلا والمحمرة أكثر تتجلى بوقار واثق، المشهد فريد بذاته لا يحتاج لوصوف الكلمات ولا مبادلة الأحاديث ولا حتى الموسيقى، مشهد موسيقيّ بحد ذاته.

كان البحر هادئا والسماء كأنها أرحب بكثير.. ممتدة إلى اللا نهاية، حتى أن بصري المعتاد على قرب شاشة الحاسوب مندهش من أن في الحياة مساحات فسيحة للمشاهدة الحرة الأكثر متعة بالتأكيد وهي حولنا دائما، كنت أرى سكان المدينة الساحلية وأقول كيف يتسنى لهم تفويت مشهد الشروق على البحر، هكذا ببساطة؟ شعرت بأنها لحظة ذهبية لكن فرصة حدوثها متاحة كل يوم.. ومع ذلك يفوتونها!


كأن الشمس التي اعتادت على عدم الالتفات لدهشة حضورها وعلى هذه اللا مبالاة البشرية تجاهها، تفاجأت في تلك الصبيحة بنا ونحن نوليها كل اهتمامنا ووقوفنا وتأملنا وصمتنا، نستشفّ امتداداتها، ونحاول اكتشاف سحرها الدافئ، وننعم بابتسامات الشروق الوضاحة وتحسسّ قلوبنا الغضّة من شاعرية المشهد القصيدة.


واستمرت الشمس في الابتسام.. أقصد الشروق حتى استقرت في كبد السماء، والبحر من أشعتها المنعكسة يتلوّن معها، مرة تزداد موجة الهواء قليلا فتتحرك أمواجه ومرة يعود الهدوء الذي يترجم الانسجام المفعم في المشهد كلّه.


أذكر وقتها كتبتُ في سطور قصيرة:

لن أنسى مشهد الشروق هذا، سيشرق في وجه أيامي لا محالة، كان ساحرا وهادئا وتبدّى على مهله شيئا فشيئا، والسماء نفسها خُيّل لي أنها تتشكل من نفحات الجنة.



" متى حدّقت آخر مرة في السماء؟ صَعُبَ عليّ الجواب. حقاً إني لا أتذكر متى حدث هذا، ربما «أبصرت» السماء وأنا أقود سيارتي ذات ليلة فلمحت القمر من بعيد على سبيل المصادفة ليس إلا. في البدء ظننت إنني الوحيد في ذلك، فجربت أن أسأل محيطاً ضيقاً ممن هم حواليّ: متى حدقتم آخر مرة في السماء؟ كانت أجوبتهم حائرة ومترددة وخالية من اليقين. إنهم بالأحرى مثلي لا يتذكرون متى فعلوا ذلك آخر مرة لا في الليل ولا في النهار.

ليس في السماء ما يثير، إنها بالنسبة لهم كما هي. لعل قمراً يطوف بلياليها فيجذب الأنظار، لعل لمحة عابرة تذكرنا بأن ثمة نجوماً ترصع صفحة السماء، لعل غيوماً تطوف بنهارات السماء، غيوماً بيضاً أو سوداً أو رمادية ترسم ما يشبه اللوحة على خلفية السماء الزرقاء في النهارات السعيدة وغير السعيدة أيضاً، لكننا لا نبصر لا نجوم الليل المشعة ولا غيوم النهار التي تشاغب ضوء الشمس ما استطاعت إلى ذلك سبيلا".


من مقالة في مديح السماء  - د. حسن مدن



مشاهد مجاز سماوية:

ــــــــ التحديق في الفراغ.. في السقف.. بوجوم.. بحيرة.. باللا شيء!


ــــــــ الفيديوات والصور لـ اللوحات السماوية/الطبيعية في أجهزتنا. 


ــــــــ المشاهد الطبيعية كذلك! لأن المشاهد الفسيحة ليست في البحر والسماء، أو في المساحات الخضراء الشاسعة فقط، ففي الصحراء الرحيبة المكتسية بالرمال الذهبية الناعمة في امتداد شديد الصفاوة في الألوان والحفاوة في الالتقاء مع السماء مشهد بديع، ولو كانت صفحة السماء هذه في المساء لتصدّعت دهشتك من هول المشهد الذي سيبقى براقا في مخيلتك مثل النجوم البراقة التي تَرى، حتى أنك ستتسائل كيف لكل هذا البريق العظيم أن يكون من نجمة غابرة؟


ــــــــ الاعتبارات الشخصية التي تجعل من بعض الأشياء أو الأشخاص اعتبارا رفيعا.. اعتبارا سماويًا.

كُلُّ قَلبٍ لَهُ السَماءُ الَّذي يَهوى

وَإِن شِئتَ كُلُّ قَلبٍ سَماءُ

من قصيدة لا تسلني عن السماء فما عندي - إيليا أبو ماضي

هل سمعت مرحبا السماء؟ شاركني أفكارك بعد قراءة التدوينة وامتناني لك: