في منزلك

..قنبلة موقوتة

مثل شجرة توقف المزارع عن سقايتها فتهاوت أزهارها وجفت أوراقها وأصبحت أغصانها خاوية، هكذا أشعر من الداخل بعد آخر حديث دار بيننا، لم تدرك أن شيئاً داخلي تهشم، تحطم وأصبح مثل رماد.

مضت عدة أيام ومازلت أحاول انتشال نفسي من شعوري بالخزي والعار لأول مره أختبر شعوراً كهذا حين منحتني إياه بحديثها، أدرك دوافعها، لا يعني أن أعطيها الحق فشعور أقرب الناس إليك بالعار تجاهك مدمر!

ما يحزنني أنه لم ينبع من حدث حقيقي إنما من نظرتها الحلزونية تجاه الأحداث؛ أجل حلزونية يا صديقي لأنها تتحوّر وتتبدّل تبعاً للفرد والموقف، فما يرفض منك لعمرك أو شكل جسدك يقبل من غيرك!

مضحك هذا الأمر حتى أني ألوم نفسي على تسرب شعور الخزي إلي.

تشعر بأنك على هامش الحياة لدى أحدهم لمجرد اختلاف مبادئك وأفكارك،لا تتلون، ما يحدث إما أن تتقبله بالكامل أو ترفضه بالكامل دون تحيز.

استمعت في اليوم الماضي إلى بودكاست "وجدان" بعنوان "أمل تتعرض للتحرش" استوقفتني عبارتها:

"عائلتي لا تتعامل بوضوح مع المشاكل التي تحدث؛ نظل في حالة دوران حول المشكلة دون اعتراف بها"

وأعتقد أن ذلك حال غالب الأسر لدينا الهرب من لب المشكلة نحو القشور، أو قد ندور حول مركز المشكلة بسرعة جنونية وببطء في أحيانٍ أخرى دون أن نمتلك الشجاعة لاختراق المركز وتفكيكه كما يتم تفكيك قنبلة موقوتة تُنذر بالانفجار منذ وقت طويل.

وهنا أذكر حديثاً لأحد المعالجين النفسيين بأن غالب مراجعي العيادة هم من شاب/شابة نعتقد للوهلة الأولى بأن أسرته مستقرة وحين يتم الدخول للتفاصيل نجدها تحوي العديد من المشاكل العالقة والملفات المفتوحة ظلّت مثل شارات خطر دون أن يبالي أحدهم أو يهتم.

أعتقد أن دور العائلة لا يقتصر على توفير المسكن والمشرب والمأكل فقط، الأمر يتجذر إلى تفاصيل الحياة اليومية من مواقف وعبارات تترامى هنا وهناك دون أن يعي الوالدين أو أحدهما أنها قد تكون العبارة/الموقف المدمر لأبنائهم مما يجعل الأمر ينتهي بزيارة معالج نفسي -إن كان الابن واعياً- أو الاستمرار في عيش حياة غير جيدة وغير حقيقة مبنية على ما تم تلقينه في صغره.

مراجعة المعالج النفسي أجده أمراً ضرورياً في ظل التغيرات الحياتية مؤخراً فكيف بمن يمتلك مشكلة منذ الصغر، عدم استيعاب العائلة لخطورة أفعالهم كالحماية الزائدة من قبل الأم أو المقارنات بين الأخوة وأثرها النفسي الذي قد يمتد للأحفاد مع الأسف لكون هذا الابن/الابنة يعاني من مشكلة نفسية تظهر خلال تعامله مع أبنائه مستقبلاً.

التعنيف المعنوي/العاطفي إحدى أهم ظواهر العلاقات السامة التي نعيشها بشكل يومي وقد تصدر منا في مرات كثيرة دون وعي، ما يؤسفني أن هذا النوع من العنف لا يتم الاعتراف به رغم أن أثره العميق والغير ملحوظ فقد يكتفي المعنّف بالصمت أو الانزواء أو المسايرة لأجل أن يتفادى تكرار العنف مستقبلاً والمعضلة الحقيقة أن الأسرة ترى في هذا العنف إصلاحاً وحقاً مملوكاً للوالدين والأخوة الأكبر عمراً.

الإصلاح يكون من خلال الحوار والنقاش لصلب المشكلة مع محاولة الوصول لحل يرضي الجميع، مع منح المساحة الكافية لتجربة الحياة دون تحديد لأبعادها من قبل أفراد الأسرة، من الأجدى أن يضع الفرد أبعاده في هذه الحياة بناء على تجربته الخاصة وليس اعتماداً على تلقين الآخرين. التجاهل والإجبار لا تُثمران إطلاقاً إنما قد تُنشئ أبناء ضعفاء عديمي الثقة بذاتهم واختياراتهم، يخشون أبسط المواقف.

المشاكل النفسية الناشئة عن الطفولة أجدها الأعمق والأكثر تأثيراً، قد لا يدرك الإنسان ذلك فيظل عائماً لسنوات يبحث عن السبب الحقيقي خلف كل ما يحدث.

إن أعظم ما قد تمنحه لأبنائك هي حياة آمنة مطمئنة لا تدفعهم لزيارة معالج نفسي فيما بعد.

Join