مشهد من عيادة نفسية..
المشهد الأول:
دخلت إلى غرفة باردة تُشعرني بالوحدة والضياع، تُشير إليّ الأخصائية لأجلس على كرسي مصنوع من الجلد البني محاطاً بقطع معدنية باردة تزيد من برودة يديّ؛ مما يزيد مشاعر الخوف والريبة. أنظر للأخصائية وجهها يبدو خالياً من أية تعابير، شعرت بالتردد كيف سأتحدث عما في داخلي؟ كيف ستتفاعل معي؟ .. كانت ساعة الحائط تُصدر صوتاً يزيد من ثقل اللحظات وقدماي تهتزان بتزامنٍ معها.
كيف حالك؟ .. وصلني سؤالها ليقطع الصمت.
أجبت: بخير.
يستمر الصمت يقتطعه سؤال من الأخصائية بين دقيقة وأخرى، أفكر في هذه الغرفة التي من المفترض أن تمنحني الدفء والطمأنينة، إلا أنها تذكرني بغرفة مديرة المدرسة حين كنت بعمر 9 سنوات وتلقّيت أول توبيخ!
بعد دقائق شاركتها مشكلتي،حاولت الإيضاح من زوايا مختلفة، لتصلني إجابة غير متوقعة:
في ديننا الإسلامي الوالدين مقدّمين على كل شيء في هذه الحياة ويلزمك الصمت تجاه مايحدث.
ملك: ولكن أشعر أن قبولي لهذه الأمور تُوقف حياتي!
الأخصائية: حياتك أو بر والديك والجنة.
خرجت من تلك العيادة غير مقتنعة إطلاقاً بأن الحل هو القبول بالتأكيد هنالك حلول كثيرة لكل مايصيبنا في هذه الحياة. قررت عدم العودة إليها مجدداً واخترت البحث عن أخصائية أخرى.
………….
المشهد الثاني:
في غرفة مشابهة للغرفة الأولى الفارق الوحيد هو وجود قهوة وبعضاً من الشوكولاتة، الأخصائية تبدو أكثر لطفاً منحتني ابتسامة مطمئِنة، وإن كنت تتساءل عن الكرسي فهو بكل تأكيد كرسي من الجلد الأسود هذه المرة وُضع مقابل مكتب ضخم بلون بني قاتم تم تزيينه ببعض الورد تماماً مثل تلك التي توجد على مكاتب المدراء في مسلسلاتنا الخليجية.
ههههههههههه ، يبدو الأمر مضحكاً ولكن هذه الحقيقة التي أراها أمامي الآن.
ناولتني كوب قهوة انطلقت بحديثي بارتياح؛حتى أجابتني:
ولكن هذا مخالف لمعتقداتنا المجتمعية! يمكنك الكتابة عمّا ترغبي بمعرّف وهمي عوضاً عن اسمك الصريح.
ملك: ولكني بذلك لا أمارس حقي في التعبير عن ذاتي ورغباتي واهتماماتي،
مضت دقائق وهي تحاول إقناعي بفكرة التخفّي! .. للمرة الثانية أقرر عدم العودة.
……………..
المشهد الثالث:
بسبب الحجر الصحي اخترت التواصل مع مختص نفسي الكترونياً علّي أجد ضالتي!
الجلسة (المكالمة) الأولى كانت جيدة وتبشر بالخير، تحدثت بكل مخاوفي وقلت لنفسي:
يبدو أني وصلت!
في المكالمة التالية أدركت أن الأخصائي يستخدم عمله لأجل التعارف، صُدمت!
لم أمنحه ردة فعل كافية كان الصمت وسيلتي للتعبير عن رغبته ثم انتهى وقت الجلسة.
أغلقت هاتفي بخيبة أمل ويأس عظيمين.
….
إلى متى وأنا أبحث عن معالج جيد؟ أشعر بالإرهاق الروحي.
كل هذه الأحداث تسلسلت خلال سنة ونصف ولم أجد ضالتي بعد! ما هذا العبث؟ ولم كل هذا؟ من المفترض أن يمنحنا المعالج النفسي الطمأنينة والارتياح لا أن يشعرنا بالغرابة والوحدة والعجز.
تتكرر هذه المشاهد في عياداتنا النفسية إذ أن عدداً كبيراً من المعالجين لم يتخلصوا بعد من تأثير البيئة المحيطة بهم دينياً وفكرياً فنجدهم يصدرون الأحكام والحلول ضمن هذه الأُطر الضيقة والمتهالكة دون إدراك منهم بأن هذا الفكر هو ما جلبنا إليهم بالأصل .
عدم القدرة على الفصل ما بين عملهم ومبادئهم في الحياة يُدخل المراجعين
في دوامة طويلة من الحيرة والضياع!
حين تذهب لمختص نفسي تتحدث عن عادات صدئة ومعتقدات بالية أثرت على حياتك ومن ثم على استقرارك النفسي فتجده يرجعك لنقطة البداية مما يجعلك تتساءل بريبة إن كنت على خطأ فعلاً؟
أضف إلى أن البعض لا يتردد بإطلاق الأحكام عليك وتصنيفك ضمن حدود رؤيته لهذه الحياة، لم؟ وكيف؟ ما يلزمني منك هو العلاج النفسي لا التصنيف والحكم.
حتى في أبسط تفاصيل حياتنا نجدهم يصدّرون لنا توصيات ناشئة عن تربية متأصلة داخلهم، فأحدهم يرى بأن الرجل أكثر قدرة على قيادة الأسرة وأن تلك فطرته! أما الآن فيمنح الرجل حق النظر للنساء الأخريات رغم وجود شريكته بجانبه. وختاماً بمن يُنظّر بأن الصداقة بين الجنسين أمراً غير ممكن والسبب يعود للكيمياء التي تنشأ بين الرجل والمرأة حين يتلقيان!
يا الله!
تنهيدة تطلقها مَلَك حين قرأت تغريدة لمعالج نفسي يصف جماعة "النسوية" بأنه يحتاجون إلى معالجِ نفسي، ماهي المؤشرات التي جعلته يحكم على جماعة متكاملة بشكل إقصائي؟
باعتقادي أن العلاج النفسي متأخر لدينا بسنوات عن الدول الأخرى والأمر لا يعود لضعف تعليم إنما لضعف الأفراد المختصين أنفسهم وعجزهم عن الفصل ما بين حياتهم الخاصة وعملهم، فنجد من يصنفك تبعاً لمذهبه الديني، والآخر تبعاً لعاداته، وأما الأسوأ من يستغل عمله لتشكيل سلسلة غير منتهية من العلاقات العبثية يستغل بذلك حاجة وضعف النساء؛ وهذا لا يُسقط عنهن اللوم ولكن يُعزى السبب لكونها تتعلق بخيط من أمل وصادفت من يستغل ذلك بأبشع صورة.
الأمر لا يحتاج للكثير من البحث بإمكانك فتح حسابات هؤلاء المختصين في برامج التواصل وانظر للأفكار التي مازالوا يصدرونها إلينا ، ربما تتبادر في ذهنك بأنها حساباتهم الشخصية ولهم مطلق الحرية ، الأمر يختلف حين يكتب في ملفه التعريفي بأنه معالج أو دكتور نفسي هنا يُحاسب بكونه معالجاً وليس إنساناً.
إِشارة:
معالجك النفسي مهمته مساعدتك وليس تصنيفك تبعاً لدين أو عادة.