الجنس كوسيلة للحياة..
للجنس تابوته الخاص وكل من يحاول فتحه بطريقة مخالفة للمعتاد يتلقى شتّى أنواع الشتائم ويصل الأمر إلى القذف والتحرش!، الحديث عن الجنس بطريقة واعية لا تحدث إلا نادراً في مجتمعنا، أتابع على الانستقرام صفحة متخصصة بالصحة الجنسية ومع كل معلومة جديدة يشن هجوماً عريضاً يحمل بين طياته قذفاً وتحرشاً جنسياً، وسيلاً من الشتائم لأنه تم طرح معلومات جديدة غير تلك التي تعلموها.
للصحة الجنسية عمقها وأبعادها بينما تحصرها مجتمعاتنا العربية في الجنس الذي تراه وسيلة لتفريغ الشهوات أو للإنجاب لا أكثر!، وهذا برأيي تعدًّ واضح وصريح على التخصص الطبي في مجال الصحة الجنسية، وبالحديث عن الأطباء حتى (هم ماسلموا) وطبعاً غالباً هذا الهجوم يصدر تجاه المتحدثات النساء فقط؛ مما يعطي دلائل وإشارات واضحة حول الوعي الجمعي تجاه الجنس.
مصادر تعلم الجنس..
مشهد يتكرر في السعودية على وجه التحديد، أصدقاء في اجتماع وديّ يتبادلون معلوماتهم وتجاربهم في الجنس، فيقص أحدهم بطولاته وفحولته في الفراش دون أيّة احترام لشريكة حياته، فالمهم هو أن يصيح أصحابه "رجال" وغيرها من العبارات التي أترفع عن ذكرها في صفحتي، وبالطبع هنالك فريق مارس الجنس مع امرأة لا يعرفها لأجل تفريغ شهواته ولتكسب المال هي الأخرى، الفريق الأخير أشد خطراً من الأول في منح المعلومة بالنسبة إليْ؛ إذ أنه يحكي تجربة غير واقعية في الحياة الزوجية كونها تمّت بمقابل مادي أي سلعة تحصّل عليها، بالتالي من الطبيعي أن يتم الأمر وفق رغباته ومتطلباته دون أيّة اعتبار للمرأة التي معه، وهذا بطبيعة الحال غير مقبول مع زوجتك فلها رغباتها وتفضيلاتها أيضاً.
وبالطبع لا أنسى المجتمع النسائي العجيب ذو الأفكار المرعبة والوصفات المبتكرة لأجل إمتاع الرجل خلال العلاقة، فتصب نصائحهن في جعل الرجل الكائن الأهم في العلاقة والمرأة مجرد أداة متعة وتفريغ، وأيضاً الكثير والكثير من القصص المرعبة حول ليلة الدخلة -كما يسمونها-، كما أنهن عظيمات في وضع أُطر لحركة الفتيات اليومية، بداية من تقنين طرق اللعب، ومنع بعض أنواع الملابس وبعض أنواع الرياضة بحجة أنها تفقدهن العذرية -سنتحدث عن ذلك لاحقاً-
……………….
الوعي الجمعي تجاه الجنس..
بدايةً أود لفت إدراكك إلى معنى الوعي الجمعي:
وهو المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة داخل
المجتمع، ينشأ عنها أسلوب محدد تجاه مبادئ مختلفة.
فحين يتحدّث أحدهم عن الجنس تُكال إليه الشتائم،
وإن سلم منها لم يسلم من القذف أو الحديث عنه
بطريقة مبتذلة، وإن كان المتحدث امرأة فكان الله
بعونها تجاه التحرشات المتتالية التي ستصلها سواء
في منشن أو على الرسائل الخاصة، ربما تكون الفكرة
الأكثر تجذراً هي أن الجنس متعة للرجل والرجل فقط،
وبذلك تكون المرأة مفعول به، وأظن أنه من مثل
هذه المعتقدات نشأ فكر لوم المرأة المتحرش بها
وليس المتحرش..
غشاء البكارة دلالة ٌعلى العذرية..
تنوّعت طرق المجتمعات المختلفة في إثبات عذرية المرأة، ويكاد أكثرها سلباً لكرامة المرأة هو طلب رؤية دماء على قطعة قماش بيضاء دلالة على العذرية، وهي مع كامل احترامي دلالة على الغباء والبلاهة واللاإنسانية، فالمطلع على الصحة الجنسية للمرأة يُدرك تمام الإدراك أن الدم ليس ضرورة في المرة الأولى، إذ أن الغشاء يختلف من امرأة لأخرى، كما أن وجود الدم في أحيانٍ كثيرة يدل على وجود مشكلة عضوية لدى المرأة نتجت عن العلاقة! مما يثير القلق لا الفرح والسرور.
ولأن العذرية هاجس المجتمعات العربية لعقود نجد أنهم منعوا النساء من ممارسة رياضات مختلفة كالدراجة الهوائية أو ركوب الخيل، وقفز الحبل، ممارسات طبيعية ولكن حين ترتبط بالمرأة تكون ممارسات ضارة ومؤذية، تقولب المرأة وتغلف طوال حياتها بانتظار فارس أحلامها أو بمعنى فارس أحلام عائلتها حينها هو فقط من يمتلك الحق في فتح الصندوق من عدمه، وغالباً حين تستمر الفتاة على ذات الوعي لا تخرج من صندوقها.
الجنس كدافع أساسي للزواج..
يعد الجنس الهاجس الأكبر للارتباط لدى جمع غفير من الأفراد، وبالتأكيد هو ضرورة وجزء أصيل في العلاقة الزوجية، ولكن جعله الهدف الأول والأسمى يجعلني أُعيد التفكير في نظرتنا تجاه الجنس وتعريف الجنس لدينا؟، وأبسط دلالة على ذلك ضرورة حدوث العلاقة في أول ليلة زواج لدى بعضهم، يسبق ذلك توتر وخوف الطرفين لئلا يحكم أحدهم على الآخر، ويزيد ذلك ترقب العائلة لتمام الأمر بين الزوجين، وتساؤل الأمهات الذي لا ينتهي "كل شيء تمام؟" وذلك منعاً للحرج بينها وبين ابنتها، أما الرجل فتكثر توصيات أصحابه "خلّك رجال".
العلاقة الجنسية مهمة وعدم صلاحها يؤثر تأثيراً كبيراً على حياة الزوجين، إلا أنه لا يغني عن الأمور الأخرى، فالجنس وقت يسير خلال اليوم، وماذا عن بقية اليوم؟ كيف تسير الأحداث؟
وخير الأمور التي تُوضح لك أن الجنس دافع أساسي من يختار شريكة حياته بناءً على مواصفات جسديّة فقط، متجاهلاً التوافق الفكري والمعرفي بينهما فالجنس تلاقٍ للأرواح.
الجنس كوسيلة للسيطرة على زوجك..
تكاد تكون هذه النصيحة الأكثر شيوعاً في الأوساط النسائية، وتكمن في التالي (إذا تبغي زوجك يوافق على طلب لك اطلبيه بعد ممارسة العلاقة!! أول مره قرأت هذه النصيحة كنت في عمر الـ١٩ عاماً حينها تساءلت كيف؟ وليه؟ ووشلون؟) ومع تقدمي بالعمر بدأت أبحث وأتعمق أكثر فوجدت أن هذه التضحية الأبرز للنساء حين "تتوهق" مع زوجها رافضاً إحدى متطلباتها، ننسى لغة الحوار والتواصل، نتجاهل البحث عن مسببات الرفض، ونلجأ للحل الأسهل "برأيهنّ" وما يُثير تساؤلي إلا يُشعرهن ذلك بشيء من الخزي أو التقليل من الذات؛ فهي تستعمل الجنس كوسيلة للوصول إلى هدف ما لا بهدف المتعة مع زوجها والتواصل.
……………….
المرأة وسن اليأس..
سن اليأس هو المرحلة العمرية التي تنقطع فيها الدورة الشهرية عند النساء وبذلك تفقد "فقط" قدرتها على الحمل، مما يعني أنها قادرة على ممارسة حياتها بشكل طبيعي، ولا يؤثر ذلك في جودة العلاقة الجنسية، فالتغيرات تحصل في كل المراحل العمرية ولكل مرحلة طريقة خاصة في التعامل.
ولكن ماذا يحدث في مجتمعاتنا؟ حين تتوقف الدورة الشهرية تلقائياً تقل مكانة المرأة وتصبح غير صالحة لاستمرارية الحياة، بالتالي نجد الكثير من الرجال يلجؤون إلى الزواج من امرأة تصغرهم بعشرين أو ثلاثين عاماً تحت مبدأ "بجدد شبابي" ناهيك عن تشجيع المحيطين به "جدد نشاطك يا رجال!" "خذ لك بنيّة تجدد شبابك"،
ننكر أن الرجل أيضاَ يمر في سن يأس ولكن لا أحد يتحدث عن ذلك فضعف الأداء في العلاقة يُسقط مباشرةً على المرأة أو ضغوطات الحياة وغيرها، دون ذرة شك فيما كانت المشكلة نابعة من الرجل نفسه أم لا!، ولو أننا فكرنا في ذات الطريقة لماذا لا تنفصل المرأة وتتزوج شاباً يُجدد شبابها؟
الجنس خارج إطار الزواج..
نرفض التعمق في هذا الأمر جملةً وتفصيلاً وذلك إنكاراً لوجوده، وإنكارنا لا يعني انتفاء الأمر!
فالجنس خارج إطار الزواج موجود ونسمع الكثير من القصص والأقاويل حوله، بل وكثير من الأحيان نشاهد تحرشات تحدث أمام الملأ برضا الطرفين ثم ينسلّان من بين الجموع إلى حيث يشاؤون، ولستُ هنا لأتحدث حول الحكم الديني فالجميع يدركه، أعتقد أن الجنس خارج إطار الزواج فيه ابتذال للروح، وتصغيرٌ لذاتك حتى يكون الجنس هو سبيلك الوحيد لإثبات قدرتك وسطوتك، وسبيلٌ للمرأة لتثبت أنوثتها ومدى الرغبة بها.
ولمن يدرك حقيقة الجنس تماماً لن يقبل على نفسه مثل ذلك، فالجنس اتصال أرواح قبل أن يكون اتصال أجساد، وهو دلالة على الرغبة في استمرارية الحياة لا عبوراً لسبيل، وأكثر ما يُثير استفزازي هو من يقضي حياته بين أكناف النساء المختلفة وعندما يحين زواجه يطلب من والدته فتاة "عفيفة شريفة"، ربما نتساءل من أين أتى بهذه الثقة؟! إنها تأتي من السلطة الذكورية في المجتمعات "الرجل ما يعيبه إلا جيبه".
لغة التحدث حول الجنس..
أما رأي د.ساندرين عطالله (من أفضل المتحدثين حول الثقافة الجنسية في وطننا العربي) حول اللغة في الجنس: "في الغالب إما أن نستخدم الكلمات البذيئة مما يوحي أن الجنس شيء قذر ومبتذل، أو نستخدم الكلمات الطفولية والساخرة مما يقلّل أهمية الجنس وجدية الموضوع". ويكفيك تصفح سريع لمواقع التواصل الاجتماعي لتدرك كيف يتحدث المجتمع حول الجنس.
لذلك يا أصدقاء لابد أن نصنع لنا مفاهيمنا ولغتنا الخاصة بعيداً عن مفاهيم العائلة والمجتمع، فليس كل ما يتردد في المجتمعات ونعتاده صحيحاً فللحياة أبعاد لن ندركها إن بقينا تابعين لهم.