ولنا في الحوار حياة .. 


تختلف أساليب الحوار من فرد لآخر ومن عائلة لأخرى تبعاً للمعتقدات وأساليب التربية المتبعة لدى كل عائلة، حين نتعامل مع أفراد خارج إطار أسرتنا الصغيرة تظهر الاختلافات وقد ينشأ عنها خِلافات!

كما تعد مرحلة الطفولة الأكثر تأثيراً على حياة الإنسان، خلالها يكتسب الفرد أُوْلَى معتقداته وأفكاره وحتى مخاوفه ليمتد أثرها على حياته بكامل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة. مما يسبب تعثّر الفرد في حياته أو توقفه بالكامل في محطةٍ ما، والأثر لا يقتصر على الحياة الشخصية فحسب إنما يمتد للحياة الاجتماعية والمهنية أيضاً، فأثر تلك المرحلة يتجلّى في كل المواقف والعلاقات التي نمر بها.

يؤمن البعض بتأثير التربية الوالديّة على حياته الحالية فيبدأ بالاعتراف بأخطائه ومن ثم ينخرط في رحلة الإصلاح والتشافي والتي تمتد لفترة غير معلومة تختلف من شخص لآخر تبعاً لكمية وحجم المعتقدات التي تتطلب إصلاحاً لديه وتبعاً لمدى تأثره السلبي بتلك التربية.

وأرى أن العلاقة مع الشريك في مرحلة التعارف أو الخطوبة أو الزواج البوابة الكبيرة التي يتضح من خلالها أسلوب الإنسان، معتقداته ومبادئه، كما يتضح التباين في الثقافة والفِكر وينعكس على الحوار القائم بينهما، والجهل بهذه الاختلافات يينتج فجوة حواريّة منبعها الفِكر الذي يمتلكه كل واحد منهما، فقد يعمَد الفرد غير الواعي إلى اختيار أسلوب دفاعي أو هجومي أو حتى انسحابي أثناء الحوار تبعاً للطريقة التي اعتاد عليها منذ صغره.

تكوين بيئة حوار فعّالة يتطلب مجهوداً من الشريكين، كما لو كانا على قاربٍ صغير في بحر عظيم مما يستلزمهم التجديف معاً طوال الرحلة ليكونا بأمان. فالخطأ وارد من الاثنين معاً والتقصير ينبع من اللاوعي أحياناً تبعاً للتربية كما أسلفنا، وهنا سوف أستعرض مواقف يومية بسيطة تُوضح مدى الاختلافات.

                       ……………….

موقف (1):

يخرج أمير من العمل متعباً ويشعر بالإرهاق مقرراً المرور على محل حلويات لإحضار حلوى تفضلها زوجته، يصل إلى المنزل يقدم الحلوى إليها ويتحدثان لدقائق ثمّ يخبرها بأنه مرهق ويدخل إلى الغرفة، في هذه الأثناء تفكر زوجته بأنه لا يرغب بالجلوس معها وأنه يهتم لذاته فقط وتتهمه بالأنانية! وتعتبر الحلوى التي أحضرها ماهي إلا (تسكيته مثل مانسميها) حتى تتقبل تصرفه، ومن مواقف كهذه تنشأ المشكلات المسبب لها عدم تفهم من قِبلِها وغياب الحوار الفعال بينهما.

أمير يعتقد أنه بهذا التصرف يمنح زوجته اهتماماً بينما تراه هي مثل تجاهل وإجبار على القبول، أمير اعتاد منذ طفولته أن يكون التعبير عن المشاعر والاهتمام بمثل هذه الأفعال، بينما اعتادت زوجته على أن هذه الأفعال تستخدم حين يكون الطرف الآخر يرغب بـ (إصماتها استجلاباً لرضا زائف) وفي الأصل كل ما تحتاج إليه هو جلسة هادئة تتحاور فيها معه لتشعر باهتمامه.

                                                    ………

موقف (2):

مَلَك لا ترغب بزيارة عائلة أمير في هذا اليوم وتشعر بالإرهاق ولكن حفاظاً على مشاعر زوجها تضغط على نفسها وتختار الذهاب لزيارتهم دون أن تشاركه مشاعرها ورغبتها الحقيقية. وبعد عدة أيام يحين موعد زيارة عائلة مَلَك فيعتذر أمير عن الحضور نظراً لعدم رغبته في مقابلة أحد هذا اليوم، ولكم أن تتخيلوا تتمة السيناريو أعزائي القرّاء، غضِبتْ ملك واتهمت أمير باللامبالاة وعدم الاهتمام وأنها تهتم أكثر منه كونها قبل عدة أيام اختارت زيارة عائلته رغم حاجتها للراحة.

في هذا الموقف الكثير من الإشارات التي تتضح حين نكون مبصرين لحقيقة أفعالنا فعدم الوضوح، والضغط على النفس، العطاء دون قدرة من قبل ملك وذلك ما اعتادت عليه خلال تربيتها جميعها دوافع أحدثت سوء تفاهم بينهما.

                                                    ………

موقف (3):

مَلَك ترغب في تكوين عمل خاص بها تمارس من خلاله إحدى هواياتها، يرفض أمير الفكرة اعتقاداً أن انشغال الأبوين معاً يؤثر على الأسرة وعلى تربية الأبناء، يشتد الحوار والنقاش مما يضطرهما إلى التوقف عن الكلام لعدة أيام رغم تشاركتهما ذات المكان!

دافع أمير هنا اعتقاده أن الأسرة قد تتأثر وينبع ذلك من رؤيته لنمط حياة والديه وما اعتاد عليه فيقرر من لاوعي مجاراة تلك الحياة التي لا تتناسب مع رغبات زوجته. كما أن الصمت الطويل عن مشكلة ما يسبب فجوة ولا مبالاة وقد يوحي بالهرب.

                                                     ………

الحديث عن مثل هذه المواقف طويل وواسع ونستطيع سردها دون توقف، لذلك أذكر هنا كتاب (لغات الحب الخمس) يتناول مؤلفه لغات مختلفة يعبر بها الشريكين عن مشاعرهم واهتمامهم ومدى تأثير الاختلاف على العلاقة وكيفية الوصول لحل وسطي متزن يحقق السعادة لهما.

ونظراً لاهتمامي في المجال وددت مشاركتك بعض الأفكار التي تساعدك على تكوين بيئة حوارية فعالة مع شريكك لتمنحك الأمان والطمأنينة لتعبر بأريحية عن أفكارك ومشاعرك وتصل إلى نتيجة ترضيكما معاً وتجعل علاقتكما أكثر استقراراً وحبّاً.

·       تقبّل:

طبيعة التعبير عن المشاعر والاهتمام تختلف من شخص لآخر لذلك من المهم الحوار بينكما حول طريقة كل فرد في التعبير حتى يتم فهمه واحتوائه وقبوله دون محاولة لتغييره ليتوافق تماماً مع الطريقة التي تفضلها! مع سعيكما لتحقيق الاكتفاء والاتزان العاطفي بطريقة مناسبة.

·      قدّر:

العطاء للآخر ينبع عن حب ورغبة حقيقية دون انتظار مقابل، ويكون بقدر استطاعتك وقدرتك لأن في حال فاق العطاء قدرتك فأنت بذلك تؤذي نفسك قبل الآخر.

·      وازِن:

العطاء لا يكون مجاراةً للآخر فحسب إنما بقدر رغبتك وقدرتك،فهو ليس تحديّاً يكسب فيه من يعطي أكثر! حيناً يكون عطاؤك أعلى من شريكك وحيناً آخر يحدث العكس وذلك يتبع لقدرة كل منكما، فالحياة تجعلنا نتفاوت في عطائنا.

·      انفتح:

ينبغي أن تكونا منفتحيْن أثناء الحوار ومتقبلين لما يطرحه كلاكما من مشكلة أو فكرة أو شكوى إذ أن هدف الحوار هو حل المشكلة أو التفاهم لأجل رضا متبادل، فالتكبر والتعالي والانغلاق والعناد تُقفل كل بادرة للتحسين وتحوّل الحوار إلى شجار يعكر صفو الحياة.

                                                    ………

·      تصالح:

ادعاء الصواب المطلق آفة تأكل منك ومن علاقاتك دون أن تدرك، لذلك من الجيد أن تكون متقبلاً لإنسانيتك ومتصالحاً مع أخطائك ونقصك فالكمال المطلق وهم وزَيْف.

·      انتقي:

حين تحدث مشكلة انتقي الكلمات المناسبة لوصف مشاعرك دون تجريح أو تقليل من شريكك، فالحديث يكون حول الموقف ذاته وليس حول شريكك.

                                         ………

.      تكيّف:

حدوث المشاكل في العلاقات طبيعي لا توجد علاقة تسير على وتيرة واحدة فنحن لا نعيش في المدينة الفاضلة كما أننا لسنا ملائكة! ما يهم هو كيفية التعامل معها والوصول لحلول واضحة ترضي الطرفين وتحسن جودة حياتنا.

·      تأنّى:

الحكم المسبق تجاه تصرفات وأفكار الشريك يحمل ظلماً كبيراً إذ أنك تجهل دوافعه وأسبابه ومبرراته، لذلك حين نستاء من تصرف ما علينا السؤال قبل إطلاق الحكم لنفهم بشكل أكبر ونستطيع تقييم الموقف بوضوح.

                                                    ………

·      تحمّل:

تحمل مسؤولية مشاعرك حين تتعرض لموقف أو مشكلة تُحزنك أو تخيفك فالكثير من المواقف نفهمها بطريقة خاطئة أو تأخذ حيزاً من تفكيرنا ونُحمّل مسؤوليتها شريكنا والأصل فيها مشكلة أو جرح داخلي لم يُشفَ بعد.

·      اتّفق:

إنهاء المشكلة أو العتب لا يكون بالصمت أو التجاهل تحت مبدأ (حنا بخير وعايشين) إنما يكون بالوصول لحل ينهي المشكلة أو باتفاق معين بما يتناسب معكما المهم ألّا يكون هنالك هروب من وجود المشكلة لأنها ستظهر كملف مفتوح ومؤرشف بعد سنوات.

                                                    ………

·      تساءل:

حين تنزعج من تصرف شريكك حاول أن تتساءل عن دوافعه ومبرراته قبل إلقاء اللوم والاتهام فمن الممكن أن نكون حللنا الحدث بطريقة غير واعية تبعاً لغضبنا أو اندفاعنا حينها.

·      أصّل:

حين تمر بموقف محدد ويشعرك بالغضب أو الحزن الشديد من المهم تأصيل الفكرة السلبية أو الشعور المزعج لأن في غالب أوقاتنا يكون السبب موقف آخر غير الموقف الحالي.

وما ذكرته ليس ادعاءً للمثالية أو انعداماً للواقعية إنما أفكاراً وأفعالاً يستطيع الشريكين إصلاحها وتعديلها بما يتناسب مع حياتهما ورغباتهما، كما أن الوعي يرتفع بالمعرفة والتجربة والمحاولة لأجل التحسين، وكل هذه الأفكار من الممكن تبنيها بشكل تدريجي مع الأيام. وذلك لا يعني عدم وجود مشاكل أو حِدّة في الحوارات أو غضب فالمهم هو الوعي بالخطأ والاعتراف به والاعتذار سعياً لتحسين جودة الحياة مع الآخر.

Join