الجزء الأول

كيف استثمر برأس مال بسيط في الأسواق المالية؟

هذه التدوينة ليست نصيحة أو توصية استثمارية لشراء أو بيع. على جميع المستثمرين تكوين أرائهم الخاصة في كل ما كتب هنا.

مع تطورات فيروس كوفد19 وتحوله لجائحة عالمية ونزول الأسواق بشكل غير مسبوق، يرى الكثير فرصة حقيقية لبناء محافظهم الاستثمارية وبدء رحلة الاستثمار الطويلة. غالباً نبدأ بالبحث عن المختصين طلباً للنصيحة أو قراءة تغريداتهم أملاً في إيجاد معلومات تساعدنا على الانطلاق ولكن سرعان ما تنهال عليك المصلطحات الغريبة والتكتيكات دون التطرق لخطوات واضحة سهلة التطبيق (وهذا ما واجهته شخصياً) ولذلك وددت مشاركة تجربتي المحدودة لعلها تكون بدايتك في تعلم وقراءة المزيد عن الاستثمار


الفرق بين الاستثمار النشط والساكن

الاستثمار النشط

وهي منهجية تعتمد على إدارة الأموال بطريقة نشطة، وتهدف إلى التغلب على السوق والاستفادة من تقلباته ويتطلب ذلك أن يكون الشخص ملم بالاستثمار وصاحب خبرة بالإضافة الى اعتماده على فريق عمل من المحللين الذين يقومون بتحليلات كمية ونوعية لتحقيق عوائد أعلى وفي الغالب يتقاضى الصندوق رسوم لا تقل عن 1%

الاستثمار الساكن

الاستثمار الساكن يعتمد على المدى الطويل بعمليات شراء وبيع محدودة مما يبقي رسوم الإدارة منخفضة بحدود 0.05% ويعتمد الاستثمار الساكن على استراتيجية بسيطة: الشراء والانتظار. في حين بإمكانك اختيار أسهم أو أي اصول أخرى والاحتفاظ بها لفترات طويلة، الا ان الاستثمار الساكن يرتبط غالباً بصناديق المؤشرات وهي صناديق تقوم بشراء أسهم تطابق احد المؤشرات المشهورة مثل الـS&P500 وهذه الصناديق ليست مطابقة 100% للمؤشر الا انها تتبعه بشكل جيد. وهذا النوع من الاستثمار هو الأمثل وما سنتحدث عنه في هذه التدوينة.

لماذا الاستثمار الساكن؟ أليس من الأفضل وضع مدخراتي في صندوق نشط؟

ستاندرد آند بورز (S & P) هي شركة خدمات مالية ومقرها في الولايات المتحدة. وهي فرع لشركات مكغرو هيل التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات. ولها معرفة جيدا بمؤشراتها في سوق البورصة إس وبي 500 الأمريكية - ويكيبيديا

شركة ستاندرد آند بورز تصدر تقارير تستعرض فيها آداء الصناديق النشطة مقارنة بالساكنة في عدة دول، في محاولة للاجابة ما اذا كان بإمكان الصناديق النشطة التفوق على السوق (وتبرير ما يتقاضونه من رسوم) ام لا. في الولايات المتحدة كما يتضح في الصورة أعلاه وعلى نطاق 5 سنوات، فشلت 78% تقريباً من الصناديق النشطة في التغلب على السوق وكل ما زاد النطاق الزمني كل ما قل عدد الصناديق التي يتفوق أدائها على أداء السوق.


إذاً نتجه للاستثمار الساكن، هل هو حل مثالي؟ ليس تماماً، في عالم الاستثمار لا يوجد شيء آمن ولا يوجد حل مثالي (والا اتجه له الجميع) ولكن يعتمد بشكل أساسي على شيء واحد فقط: مقدار تحملك للمخاطرة. على الرغم من أن الاستثمار الساكن يعتبر آمن مقارنة بالنشط ولكن سلبياته عديدة، فالانهيارات في السوق تؤثر عليك. إذا نزل السوق نزلت معه واذا ارتفع كسبت فأنت مقيد بحركة المؤشر.

بعض المصطلحات المهمة

يطلق على صناديق المؤشرات ETFs (أي الصناديق التي تتبع أداء مؤشر ما) صناديق بيتا، وفي أي صندوق مؤشر اذا كان البيتا = 1 فهو صندوق يتبع المؤشر 100% ولهذا استراتيجيات بيتا هي استراتيجيات تتبع السوق ككل

وهنا نرى أداء أحد صناديق المؤشرات (الأزرق) مقارنة بأداء المؤشر S&P500 (الأصفر) فهو يتبعه بشكل جيد.

أما في الجهة المقابلة فهناك ألفا، وبغض النظر عن حال السوق فالمفترض أن يجلب صندوق ألفا عوائد إجابية بشكل مستمر (حتى في حالة انهيار السوق أو الركود الاقتصادي) وهذا بطبيعة الحال لا يحصل دائماً الأمر الذي جعل المستثمرين يتجهون إلى صناديق المؤشرات (أو كما تعرف بـETFs اختصاراً Exchange Traded Funds)

ولكن ماهي الصناديق؟

عندما تشتري صندوقاً ما، أنت لا تشتري سهماً لشركة معينة بل تشتري حصة صغيرة من سلة ضخمة بها شركات كثيرة جداً. فعلى سبيل المثال، عند شرائك سهماً واحداً من صندوق VTI فأنت في الحقيقة اشتريت ما يفوق 3000 آلاف شركة دفعة واحدة وهناك عدة أسباب تجعلنا نتجه لهذا النوع:

رسوم قليلة جداً

بٌنيت هذه الصناديق لتقليل التكلفة عليك أيها المستثمر فهي تدار بكفائة عالية وفي الغالب تتقاضى 0.03% لإدارتها

تقليل المخاطر

شراء مئات الشركات دفعة واحدة يوزع المخاطرة وهي أفضل من شراء سهم شركة واحدة بذاتها

لا تحتاج لمهارة

الغالبية من الناس لا يجيدون انتقاء الأسهم، حتى المحترفين مدراء الصناديق، ولذلك اذا لم تستطع التغلب على أداء السوق… اشتر السوق

لعل أهم ما يميز صناديق المؤشرات هي كونها صناديق متداولة أي يتم تداولها مثل أي سهم آخر في السوق مما يعطيك حرية أكبر في البيع والشراء فهي تعامل معاملة الأسهم

عند شرائك لصندوق ما، يوجد بعض الأمور التي يتوجب معرفتها أولاً، قانونياً يتحتم على هذه الصناديق إصدار ملف للمستثمرين يستعرض عدة نقاط رئيسية:

  • الاسم: ويتكون من عدة أحرف وتسمى “الرمز” مثل VOO ويبدا بحرف V دلالة على “Vanguard” مثلاً

  • أسهم الصندوق: صناديق المؤشرات تتبع مؤشر ما والمؤشر عبارة عن لستة من الأسهم، والمؤشر الذي نتبعه يسمى المعيار Benchmark. فمثلاً صندوق VOO يتبع أو ينسخ المؤشر S&P 500 فاذا ارتفع المؤشر 1% ارتفع الصندوق 1% وهكذا. وكما ذكرت سابقاً معدل بيتا يقيس مدى تتبع الصندوق للمؤشر فاذا كان معامل بيتا 1 فالصندوق نسخه مطابقه للمؤشر.

  • التكاليف أو الرسوم: سيتقاضى الصندوق رسوماً على المبلغ الاجمالي الذي ستسثمره كل سنة، فلو كانت الرسوم 1% واستثمرت 100 ريال فسيأخذ الصندوق ريال واحد كرسوم إدارية، وهذه الرسوم خسارة مؤكدة لذلك احرص على ابقائها قليلة قدر المستطاع.

  • تاريخ الإطلاق: وهو تاريخ إطلاق الصندوق وتكمن أهميته في قراءة أداء الصندوق فكل ما كان التاريخ أبعد كل ما حصلت على بيانات أكثر تساعدك على اتخاذ قرار الشراء من عدمه، والبيانات التي نبحث عنها في الـETFs هي قدرة مدير الصندوق على نسخ أو تتبع المؤشر

جميع هذه البيانات موجودة في صفحة الصندوق فعليك التأكد منها أولاً وتصدر الصناديق ملفات تستعرض فيها كل ما ذكر وأكثر من ذلك، احرص على الاطلاع عليها، على سبيل المثال هذه صفحة الصندوق VOO

https://investor.vanguard.com/etf/profile/VOO

قبل أن تبدأ، عليك أن تحسب مستوى المخاطرة المناسبة لك

من الجيد تحديد مستوى المخاطرة قبل البدء في عملية البحث عن الصناديق المناسبة وتكوين محفظة استثمارية، يقدر الأشخاص مستوى المخاطرة بالمعيار العمري، فعندما تكون شاباً بإمكانك تحمل مخاطر طويلة الأمد وكلما تقدمت في العمر تصبح الانهيارات في السوق أو وزن الأسهم من المحفظة مصدراً للمشاكل فتبدا بتقليص الأسهم من محفظتك وتزيد من السندات لتقليل المخاطرة.


المخاطر في محفظتك ستأتي بكل تأكيد من الأسهم، لأن أسعارها متذبذبة أكثر من السندات وهذا يعني أن مستوى المخاطرة لدينا أصبح مربوط بوزن الأسهم في المحفظة بشكل عام. ويوجد لدينا معادلة رائعة لتحديد وزن الأسهم في المحفظة وهي كالتالي:

وزن الأسهم في المحفظة = 100 - عمرك

فإذا كنت في ال20 فسيكون وزن الأسهم كنسبة مئوية هو 80% من المحفظة والـ20% المتبقية تكون على شكل سندات. وإذا كنت في الـ40 من العمر فيصبح الوزن 60% أسهم و40% سندات وهكذا. هذه ليست قاعدة ثابتة ولكن بمجرد تحديد مستوى المخاطرة لا تغيره بتغير الأوضاع في السوق سواء كان انهيراً أو غيره. ذلك ليس بالأمر الهين لأن الناس في حالات الانهيار ترتبك وتبدأ بيع أصولها ومع ضغط الأخبار اليومية يبدو لك وكأن العالم سينتهي ولذلك الالتزام باستراتيجية للاستثمار أمر صعب ولكن ليس مستحيل.

عليك التركيز فقط وترك الأخبار جانباً، أنت تستثمر على المدى البعيد وأي تقلبات تحصل لا تهمك. وصدقني حين أقول لا أحد يستطيع التنبؤ بانهيار السوق أو ارتفاعه والحل الأفضل هو تنويع السلة الاستثمارية والشراء على دفعات.

الشخص الذي غير مفهوم الاستثمار - جاك بوجل يقدم لك عدة نصائح

بوجل هو مؤسس مجموعة فانغارد الاستثمارية وهو من أسس مفهوم صناديق المؤشرات، ولديه عدة نصائح للاستثمار:

  • ضع هدفاً: بمعنى حدد هدفك من الاستثمار (تنمية رأس مال، تقاعد إلخ.) والتزم بدفعات ونظم أمورك المالية مثل وضع ميزانية للمصاريف. (هذه سلسلة تغريدات من عاصم الرحيلي - مستشار مالي، حول إدارة الدخل والمصاريف من هنا)

  • إبدأ مبكراً: وقد تكون هذه أهم نصيحة، العوائد المركبة أثرها عظيم على المدى الطويل

  • حدد مستوى مخاطرة والتزم به: لا تتحمل مخاطر أكبر من اللازم ولا تستثمر بشكل آمن جداً، حدد مستوى مخاطرة مناسب والتزم به

  • نوع استثمارتك: لا تضعها كلها في قطاع واحد أو سوق واحد، نوع استثماراتك بين عدة دول وعدة قطاعات وعدة أنواع من الأصول (أسهم وسندات وعقار على سبيل المثال)

  • استخدم صناديق المؤشرات: رسوم هذه الصناديق منخفض جداً وتدار بطريقة فعالة الأمر الذي سيوفر عليك الكثير من التكاليف على المدى البعيد

  • لا تعقد المسألة: الاستثمار لا يحتاج لتعقيد ولا رياضيات متقدمة، ولا تحتاج لشراء صناديق كثيرة… بوجل يقول أن صندوقين فقط كافية لكثير من المستثمرين

  • التزم بخطتك!: لا تعدل على محفظتك ولا تحاول زيادة وزن نوع من الأصول على على حساب الآخر حين تتقلب الأسواق (تبيع أسهم وتزيد سندات عند الانهيارات على سبيل المثال).

حسناً، كيف ابدأ الآن؟

هذه نهاية الجزء الأول من التدوينة، تابعني على حسابي في تويتر للجزء الثاني سينشر خلال ايام قليلة بإذن الله، شكراً جزيلاً على وقتك وفي الوقت الراهن بإمكانك الإطلاع على قناة مايكل جاي على اليوتيوب يتحدث عن الاستثمار بالصناديق المتداولة ويقدم محتوى رائع: 

https://www.youtube.com/channel/UC7dBqDNlwMfHupqgJvPFZPg

*تحديث: الجزء الثاني

شكراً لوقتك

سجل في النشرة البريدية