تساؤل التدوينة : هل الكتابة بغرض التعافي والتشافي مفيدة فعلًا؟



يعتقد البعض أن الكتابة مقتصرة على أولئك الذين يمتلكون حس معرفي وأدبي وفني!

وما دام الشخص لا يتمتع بذلك فلا يستحق أن يكتب أو يحاول حتى! 


وأنا كنت من أولئك الذين يعتقدون ذلك، حتى بدأت بالكتابة في الأول من مايو عام ٢٠١٩ بعد سنة مرهقة لي على الصعيد الداخلي والنفسي، بدأت رحلتي مع الورقة والقلم لكي أزيح أثقال قلبي، وأريح عقلي من عبء أفكاري وأتحرر، وتكريمًا لتلك اللحظة التي قررت فيها أن أكتب هأنا بعد سنة أكتب مجددًا بشعورٍ يختلف عن شعوري في أول تدوينة.

الكتابة حركة صغيرة ولكنها قوية بشكل لا يصدق عندما تكتب ما يدور في ذهنك

إن الكتابة أسلوب علاجي مفيد للإنسان كما لاحظت المعالجة الأسرية إليزابيث سوليفان، فهي تقول أن أحد الأجزاء القوية في عملية العلاج بالكتابة هو قدرتنا على ملاحظة أفكارنا ومشاعرنا عندما نسقطها على الورق.


إن معظمنا لا يفكر بشكل متسلسل عندما تجتاحه مشاعر من نوع ما، بل هو يفكر بالشعور ويصيغه بجملة!

بينما الكتابة المركزة على الشعور و التي تدور في فلكه وحوله تجعلنا نفككه، فالإنسان عندما يكتب هو يتحدث إلى وعي آخر من وعيه وجزء مختلف من ذاته.


فالكتابة تخلق إرتباطًا بين العقل والجسد والروح،فأنت عندما تكتب تخلق صلة بين تجربتك الداخلية وجسدك المادي في العالم الخارجي.


إن الكتابة تساعد الناس على إدارة التجارب السلبية في حياتهم والتعلم منها حيث أن الكتابة تعزز أنظمتهم المناعية وعقولهم، فالكتابة ليست غريبة عن العلاج، لسنوات استخدم الممارسون السجلات والاستبيانات والمجلات وأشكال الكتابة الأخرى لمساعدة الناس على الشفاء من الضغوطات والصدمات.


الأن تشير الأبحاث الجديدة إلى أن الكتابة التعبيرية قد تقدم أيضًا فوائد جسدية للأشخاص الذين يعانون من أمراض مميتة أو أمراض مهددة للحياة.


على سبيل المثال :-


تشير الدراسات التي أجراها علماء النفس جيمس بينييباكر وجوشوا سميث إلى أن الكتابة عن العواطف والتوتر يمكن أن تعزز الأداء المناعي لدى المرضى الذين يعانون من أمراض مثل نقص المناعة المكتسبة -الإيدز - والربو والتهاب المفاصل.



يجادل المشككون في أن العوامل الأخرى، مثل التغييرات في الدعم الاجتماعي، أو عامل الوقت يمكن أن تكون سببًا في التعافي للمرضى


لكن المراجعة البحثية المكثفة التي أجراها سميث والتي نشرت في عام ١٩٩٨ في مجلة الاستشارات وعلم النفس السريري(المجلد٦٦،رقم١) تشير إلى أن الكتابة تحدث فرقًا، على الرغم من أن درجة الاختلاف تعتمد على السكان الذين تتم دراستهم والشكل الذي تأخذه كتاباتهم.

لم يبدأ الباحثون في فهم كيفية ولماذا تفيد الكتابة في جهاز المناعة وكيف أن هنالك أشخاص يستفيدون أكثر من الآخرين إلا للتو، ورغم ذلك يتفق الباحثين في أن مفتاح فعالية الكتابة يكمن في الطريقة التي يستخدمها الناس لتفسير تجاربهم ونوعية اختيارهم للمفردات، ويؤكد سميث على أن تنفيس العواطف وحدها سواءً من خلال الكتابة أو الكلام ليس كافيًا لتخفيف التوتر، للإستفادة من قوة الشفاء في الكتابة يجب على الناس استخدامها لفهم عواطفهم وتفكيكها والتعلم منها بشكل أفضل وبالتالي ستتحسن صحتهم.

في جميع الاحتمالات يقارن التنوير الذي يمكن أن يحدث من خلال هذه الكتابة بفوائد الاستكشاف اللفظي الموجه في العلاجات النفسية الديناميكية.


إن الفوائد الصحية والعلاجية للكتابة لها الكثير من الأوراق العلمية ومنها دراسة بينيباكر وكيث بيتري من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا عندما طلب الباحثون من ٣٧ مريضًا في أربع جلسات مدتها ٣٠ دقيقة الكتابة عن تجارب الحياة السلبية أو عن جداولهم اليومية.


أظهرت النتائج فيما بعد أنهم أظهروا أداءً مناعيًا محسنًا يشير إلى أن الكتابة قللت من ضغطهم وشعورهم بالقلق وأن الكتابة كالهيكل الذي ينظم المشاعر ويساعد على تجاوزها لأن قمعها يضر بالجهاز المناعي.



الخلاصة :


لا تكمن قوة الكتابة في الشفاء بالورقة والقلم، بل في ذهن الكاتب، إن حجر الزاوية في العلاج بالكتابة هو الانخراط في العلاقة العلاجية من ناحية الأبعاد الشخصية والعاطفية والرمزية للفرد، بمعنى أن يبوح ويعبر عما شعر به من الموقف الضاغط وماذا تغير به وكيف هي صورته تجاه ذاته بعد الموقف!

أن يعمل على تفكيك وإزاحة الضبابية عن أساس الشعور حتى يستلم دفة التحكم ويسير بإتجاه التعافي والشفاء.  

Join