إن ساعة القراءة هي العلاج النهائي ضد قرف الحياة

مونتسكيو

تساؤل التدوينة:

هل يمكن للقراءة أن تغير حياتنا، وإلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التغيير؟

قبل عدة أيام كتبت مقالة في صحيفة اليوم بعنوان”سحر قراءة الأدب” وبشكل موجز تحدثت عن القدرة السحرية للكلمات في انتشال الإنسان من قيعان البؤس والأسى وإيجاد معنى جديد لحياته عبر قراءة كتاب أو رواية ما تتناسب مع مشاعر المرحلة التي يمر بها.

عندما أبحث في تاريخ معظم الروائيين الذين أثروا بكتاباتهم على الناس، أجد دائمًا كاتبًا تأثروا به في بداية رحلتهم الخاصة مع القراءة أو كتابًا وقعه على أنفسهم أشبه بالصفعة التي أيقظتهم وساهمت في صناعة التغيير الذي يتحدثون عنه ونراه في شخصياتهم لأن القراءة كانت ملاذًا وطوق نجاة لهم في لحظاتهم الصعبة.

تقول آني سبينس التي أمضت عقدًا من الزمن تعمل كأمينة مكتبة ومؤلفة كتاب Dear Fahrenheit 451 :” ساعدتني الكُتب على فصل نفسي عن بالي المشغول والقلق، لقد واستني بطريقة تعجز عن إيجادها كلمات أي شخص آخر”.

و من منا لم يسمع ولو لمرة واحدة في حياته بالروائي بول أوستر وروايته -اختراع العزلة- التي كشف فيها عن أبيه الغائب وأسرار علاقتهم المضطربة، يقول بول أوستر عن علاقته بالكُتب:” كانت القراءة هي ملاذي وعزائي، وسلواي وحافزي على الاختيار، القراءة لمجرد متعة القراءة، السكون الجميل الذي يُحيط بك وأنت تصغي إلى أصداء كلمات المؤلف تتردد في رأسك”.

كنت أدرك بعمق أن أكبر واقٍ من الجنون والموت هو الكتاب

إذًا ما الذي يجده الإنسان عندما يقرأ؟ 

إن فكرة العلاج بالقراءة ليست جديدة على الإطلاق!

فالكثير من الناس يشعرون بالتحسن بعد قراءة كتاب جيد ويصفون شعورهم بالهدوء للروح والقلب، إن استخدام الكلمات لتهدئة المشاعر وتغيير الأفكار هو أصل كل النظريات والأطروحات التي تنادي بضرورة استخدام الأدب لمساعدة الناس على التعامل مع المشاكل النفسية والاجتماعية والعاطفية.

هذا الأسلوب العلاجي يعود إلى ٣٠٠ سنة قبل الميلاد، عندما وضعت الحضارات القديمة نقوشًا على مداخل المكتبات تشير إلى أن ما بداخل المبنى يشفي الروح.

على سبيل المثال الفيلسوف اليوناني أرسطو اعتبر أن للأدب فوائد علاجية وأن قراءة الروايات هي الطريقة لعلاج المرض.

ورغم أن هذا الأسلوب العلاجي يعود إلى ثقافات وحضارات قديمة إلا أنه من المرات الأولى التي تم فيها تطبيقه كانت على الجنود الإنجليز العائدون من الحرب العالمية الأولى لمساعدتهم على الشفاء من الصدمة العاطفية التي خلفتها في أنفسهم فترة الحرب.

توجد أشكال مختلفة من العلاج بالقراءة، أحد هذه الأنواع هي قائمة الكُتب المقترحة من قبل المعالج للعميل وفقًا لذوق العميل الشخصي في الأدب.


تتحدث الكاتبة ومؤلفة كتاب -قوس القزح الأسود- رايتشل كيلي عن تجربتها في العلاج بالقراءة، فهي تعرف بشكل مباشر الأثر الذي يحققه استخدام الأدب والشعر كعامل مساعد للشفاء النفسي وتحقيق الرفاهية العقلية، تقول :” عندما واجهت الاكتئاب والأفكار الإنتحارية كانت والدتي تقرأ لي، وأصبحت القصائد والأشعار بمثابة الداعم الأول لي وظللت أتشبث بهذه الأسطر والعبارات كما لو كانت طوافات نجاة”


ومن هنا بدأت بالتعافي وأصبحت تعتمد أكثر فأكثر على القوة العلاجية التي تكمن في قراءة الأدب والشعر.

الكلمات كانت ما أعرفه، ما كنت أعتمد عليه دائمًا

رايتشل كيلي

صموئيل كروذرز، الرجل الذي صاغ مصطلح العلاج بالكتابة والقراءة، صاغ مراحل هذه العملية على أنها تعريف، تنفيس، وبصيرة.

إن القارئ ببساطة يتعرف على بعض جوانب القصة عندما يقرأ، ويجد الحرية والرغبة في المشاركة مع مشاعر الشخصية عندما يشعر بالقواسم المشتركة بينهم، ويكتسب نظرة ثاقبة حول كيفية تطبيق هذا الإفراغ في التعامل مع عواطفه مستقبلًا.

الخلاصة

لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الأدب يغيرنا وأن عملية القراءة هي عملية تداوي وتشافي بشكل كبير، ولكن الطريقة التي يتم بها ذلك يمكن أن تختلف!

يمكن للكلمات أن تساعد الناس على إدراك مشاعرهم العميقة والمؤلمة والدفينة، وقد تكون النتيجة أن هذه المشاعر يمكن التعبير عنها ومشاركتها مع الآخرين، يمكن أن تساعد الكُتب في تقديم وجهات نظر مختلفة للقارئ واقتراح مسار عمل بديل له.

قد تكون القراءة ملهمة للقارئ من خلال سيناريو القصة أو دور الشخصية.


إنني أنصح كباحثة ومعالجة اجتماعية بضرورة تخصيص نصف ساعة يوميًا لممارسة نشاط منتظم من القراءة والذي يمكن أن يساعد في توفير إحساس بالصلابة العقلية لدى بعض الأشخاص، فالقراءة قد تبدو مكان آمن لا يتغير بصرف النظر عن الصعوبات التي يواجهها القارئ في العالم الخارجي ومكان يهرب إليه ليهدأ ويستريح.


قد يستجيب الآخرون ببساطة لإيقاع الكلمات وتدفق الجمل، ويجدون أنفسهم منغمسين في حالة شبه تأمليه أثناء القراءة وهذا يمنحهم فرصة لإعادة تقييم ذواتهم وأفكارهم ومشاعرهم ومعالجتها بشكل صحيح وفق منهجية تفكير سليمة.


بالطبع قد لا يتم تحديد الفوائد الدقيقة للقراءة كأسلوب علاجي بشكل صارم، وقد لا نتمكن أبدًا من إجراء تجارب معملية أو جمع رزم من البيانات لإثبات أن العلاج بالقراءة هو مساعدة طبية ولكنه بالتأكيد أداة أخرى في العالم وأحد الأصول لدعم الذهن والصحة العامة للبشر ونشاط إنساني قديم يساهم في تقوية قدراتنا في فهم أنفسنا وبالتالي فهمنا للآخرين والعالم.

Join