الموت لا يؤلم الموتى ، الموت يؤلم الأحياء
محمود درويش
لم أشعر يومًا بالخسارة ولا الفقد في كل شؤون حياتي وأموري حتى فقدت والدي قبل ١٢ عام مضى ، ولعل هذا الفقد الحقيقي الذي مزق قلبي وجعلني فريسة سهلة لتنقض علي الأحزان.
لم أتخطى كيف فقدته في ثوانٍ معدودة !!
خلال ١٤ يومًا فقط تغيرت أحوال منزلنا الصغير ، أصبح كئيب وموحش ويعج بالسواد ودموع أفراد العائلة الذين لم أعلم بوجودهم من قبل!
صورة واحدة فقط جمعتني بوالدي حرصت على توثيق ذلك التاريخ خلفها رغم مرارته
صورة واحدة كانت كفيلة بإثبات أنه كان على قيد الحياة ومعنا على هذه الأرض
صورة واحدة جعلتني أتماسك حتى الأن لكي لا أنسى تفاصيل وتقاسيم ذلك الوجه
ما جعلني أكتب هذه التدوينة الشخصية ليست في “الفضفضة” بل لكي أشارك من فقد عزيزًا عليه ولم يتقبل الفكرة حتى الآن أين هو! ما أملكه من أفكار حول طبيعة الموت وإلى أين سنرحل عندما نموت وماذا يوجد على الجانب الآخر من الحياة .. وربما هي مجرد أوهام لكنها قد تفيد البعض في التكيف.
لاطالما أرقتني فكرة ما بعد الموت بسبب فقدان والدي ، لم أعلم كيف اتأكد أنه بخير وسعيد وسليم وموجود عندما غاب عن هذا الواقع حتى وقعت يداي على كتاب “الخروج من الجسد” لراجي عنايات ، قرأته كمن وجد ضالته بعد عناء طويل ومشقة من البحث ، قرأته وعيناي تفيض بالدمع لأنه بشكل يستعصي علي شرحه جعلني أتصالح مع فكرة الموت وغياب والدي عني الأن لكنه لايزال موجود في مكان آخر ..
وأن الموت عملية غير مؤلمة وعلى العكس تمامًا مما نتصوره!
إن فكرة كتاب الخروج من الجسد هو وصف لتجارب الإقتراب من الموت وما يصاحبها من أحاسيس ومشاعر ، تبدأ برؤية ذلك النفق والضوء الذي ينتظرك بنهايته والشعور بالخفة والخروج من الجسد المادي والإرتفاع للأعلى والشعور بهالة نورانية تخاطبك بأفكارها دون أن تتحدث فعليًا والسؤال الذي أدهشني كون هذه المخلوقات تطرحه وهو :”هل عشت حياة تستحق الحياة؟” وعن مدى رضاك عنها؟”
مدهش ومثير ويجعلك تعيد التساؤل الأن هل حياتك ذات قيمة؟
وذكر الكاتب أنه في كثير من الحالات وتحديدًا ممن مروا بالموت الإكلينكي وتوقف القلب أنهم بعد الإنعاش كانوا يتذكرون ما حدث بالغرفة رغم وفاتهم طبيًا كصوت الطبيب والممرضين!
الذي أثر فيني حقيقةً هو عندما ذكروا أن الموت أو تجربة الإقتراب من الموت ليست مؤلمة أبدًا بل كانت تمتاز بالهدوء والخفة والسعادة!
هذا خلق بداخلي نوعاً ما من الراحة لكون أبي لم يتألم على الإطلاق.
علميًا ورغم الإختلاف حول هذه التصورات والنظريات التي قد يتفق معها البعض ويخالفها البعض الآخر فإنه يوجد بالدماغ توازن بين المحفزات والمثبطات الكيمائية في الحالة الطبيعية للإنسان ، لكن!!
بمجرد أن تضعف هذه المثبطات عند الإقتراب من الموت بسبب نقص الأكسجين في الدماغ يزداد بالمقابل نشاط الدماغ بشكل أعلى من العادة ويحدث اضطراب في الدماغ وهذا الإضطراب يؤثر على مركز البصر في الدماغ حيث توجد خلايا بصرية بكثافة في المنتصف وتقل في الأطراف وهذا هو سبب قدرتنا على رؤية الأشياء الصغيرة في المنتصف وتصعب رؤيتها على الأطراف ولذلك حين ينقص الأكسجين بالدماغ في حالة فقدان الوعي تبدأ بالشعور بضعف الرؤية فيقل تركيز الضوء تدريجيًا من الأطراف ويبقى أقوى في المنتصف وهذا تفسير لما يرى البعض الضوء نهاية النفق ..
أما فيما يتعلق بكيفية علمهم بما حدث بعد وفاتهم فالتفسير العلمي هو أن الذاكرة تعرضت لإضطراب شديد ، فنحن نتعرف على العالم من خلال حواسنا وعندما تضعف هذه الحواس وينعدم وصول الدم للذاكرة ويقل الأكسجين يبدأ الدماغ بمحاولة جمع هذه المعلومات المتقطعة ولأن هنالك من يفترض أن السمع أخر حاسة تفقد عند الموت يميل البعض للقول بأن الإنسان يسمع الأصوات ولكنه لايراها فيقوم الدماغ بخلق سيناريو خاص به ويكيفه ليتوافق مع الواقع .. لذلك هم يعلمون بشكل جزئي ما يحدث حولهم!
الخلاصة : رغم أنه لايوجد تفسير نهائي لسبب حدوث تجربة الإقتراب من الموت لكن البحث لايزال مستمر لفهم هذه الظاهرة سواءً اعتبرها البعض خارقة وربانية أم هلاوس من وحي الدماغ!
المؤكد أنها مهمة للغاية فهي تمنحنا الأمل والمعنى والغاية من حياة الكثير وتقدم رغبة حقيقية للوجود الإنساني بالبقاء بعد الموت.