زيارة الى مزرعة التذمر
قررت زيارة مزرعة صديقي ذات يوم, ولكن لهدفٍ آخر هذه المرة؛ للتعرف على مشاكل ساكنيها و مآزقهم مع الحياة،
بدأت أولاً في المشاتل، فكان الفضول يراودني عن العقبات التي تتعرض لها الثمار والنباتات في حياتهم،
بدأت حديثي مع تفاحة بنكتة سخيفة، ليتني استخرت قبل التفوه بها:"كم مرة تتنمر عليك البرتقالة لقلة ماءك؟"
ابتسمت بشكل بطيء وكأنها تسخر مني، حتى صارت بشكل غريب تنفس عما بداخلها فعبرت
عن سئمها من استخدامها كأمثال في كل شيء؛ في الوعظ والترهيب، في التطوير والترغيب،
تارةً يقولوا:"كوني تفاحة مستترة لئلا تتعفني"
وتارةً يقولوا:"كن تفاحةً وحارب وأخرج من بين الصعاب حلوا"
بدت منهكة فلا تدري تحزن؛ لضربها مثالاً على العفن، أو تسعد؛ لضربها مثالاً على قوة التحمل والنجاح،
كنت استقبل تذمرها ووجهي لا يعبر بأي تعبير, بارد, لا أدري بما أرد
وبعد فترة قصيرة أتتني البطيخة تتمخطر-يبدو أن التفاحة لا تبقي شيئاً في بطنها- تشتكي من نفس مشكلة التفاحة،
وعيونها تذرف دمعا وقلبها يدمي قهرا, فأخذت كوضعيتي مع التفاحة لا أدري ما الردود المناسبة, برود الوجه والملامح
حتى تعست من تذمر الفواكه، وذهبت لحظيرة الحيوانات؛
لعلي أجد مايضحكني ويرفه عني أو حتى من يتذمر بشيء آخر،
فإذا بي ألتقي بالحمار عنذ الباب مرحباً بي، بدا سعيداً وابتسامته تكاد تمزق وجهه،
وقد دعاني لحظيرته؛ ليكرمني, ذهبت له إحتراماً لكبر سنه،
كان فكاهياً خفيف الدم والنفس,
حتى أخبرته عن أنني للتو قد قدمت من جلسة تشكي-من طرف واحد- مع البطيخة والتفاحة
فإذا به يفتح نفس الباب عليّ؛ فيبدأ شاكياً بهلاكه النفسي من البشر، وأمثالهم عليه
فتارةً مثالاً على الغباء، وتارةً مثالاً على الوفاء وقوة التحمل، فيقول:
"قد سئمت من ذلك رجاءً أخبر بني جنسك بأن يتوقفوا عن تلك الحماقات" وعدته بذلك وحاولت الانسحاب من الجلسة،
حتى مر الكلب مسلِّماً وعندما رآني تفاجئ وسُرّ، وكأنه يقول ها قد جاء فرد من اللعناء.
بدأ يتملق بدايةً وقد حفظت السيناريو؛ فاختصرت طريقه وقلت:"حدثني عن مشكلتك مع البشر"
قال لا مشكلة لي معهم، فقد سئمت من خساستهم؛ وكلت متوني منهم، فرحت قليلاً، كونه؛ لم يطل في الحديث،
اعتذرت للحمار ووليت مدبراً خارجاً من تلك المزرعة، أظنهم يسقون نباتاتهم ويعلفون حيواناتهم بالتذمر،
في طريقي لاقيت برغوثاً قلت له:"أعجل بتذمرك أنت أيضاً ما مشكلتك معنا؟" قال:
"ليست بتلك الكبيرة، لكنني مستاء من تشبيهكم لـ"ميسي" بي، فهذا يزعجني فأتمنى لو تشبهوني بـ"رونالدو" فسأكون سعيداً بذلك"،
كانت هذه أكثر مشكلة مزرية ، فمن يود ان يُشبّه بلاعب كـ"ميسي", واسيته وأكملت طريقي فاراً من تلك المزرعة الكريهة
أخيراً: قدموا نصائحكم بعيداً عن هؤلاء، فكما يقولون:
"فينا اللي مكفينا"
والحقيقة أنه أنا "فيني اللي مكفيني" فلا أحتاج لتذمر آخر، كهذا عند ذهابي للمزرعة
اللوحة للرسام بيرنارد كوري
Bernard Corey