عندما كنت في الثانية عشر من عمري لطالما اُغرمت بالاعلانات المصرية وكانت تلك الفترة تحديداً هي فترة الثورة المصرية ومع تزامنها كانت بداية السورية ، كان هناك اغنية في اعلان لا انفك عن البحث عنها في كل القنوات فوقتها لم اكن املك هاتف خاص بي ، كنت انتظر بالساعات الى ان يأتي الاعلان و ارفع الصوت واسمعه بقلبي قبل اُذني ، على مشاهد مؤثرة من ميدان التحرير عن وطن عربي واحلام شبابه .

صوت الحرية 


"لو كنت واحد مننا

بلاش ترغي وتقولنا

نمشي ونسيب حلمنا

وبطل تقول كلمه انا

في كل شارع في بلادي

صوت الحريه بينادي

"

كانت الكلمات و الصوت و الإيقاع توليفة عجيبة تصلني دون عناء ، كبرت بعدها واصبح لي هاتفي الخاص اتذكر جيداً كيف وقعت بالصدفة على نفس الاغنية بعد سنوات واسترجعت ذكرياتي معها وتعرفت على من صنعوها اكثر رحت اتحسس وجهيهم واراهم قد كبروا اكثر وتغيّرت ملامحهم تغير الايقاع قليلاً بات اكثر يأس والظلام طغى عليه وكأنهم كانوا جزء من فترة شباب مليئة بالطاقة و الحب وفجأة انطفئوا هذا التغيير الكبير يعنيني واستطيع فهم الكثير من خلاله اشعر بخيبتهم وكأني جزء منهم ، تابعتهم على المواقع التواصل الاجتماعي وطدت علاقتي بهم اصبحت استمع لقديمهم و اترقب الجديد ، كانت ولا تزال هذه الفرقة هي الافضل بالنسبة لي لأن لديهم القدرة على قول ما اريد حقاً ان اسمعه ! اريد ان اسمع عن الشباب و احلامهم عن اصوات تكسر جدار الصمت و العجز ، عن امنياتنا البسيطة لخرق قماش العادات و التقاليد ، رأيت من خلالهم شباب عربي واعي وذو فن ، قادر على قول الكثير في اغنية من ثلاثة دقائق .

انهم (كايروكي ) يا سادة &#xNaN;

استطيع ان استمع لموسيقاهم طيلة عمري دون ان اتذمر فجميع المواضيع التي طرحوها في اغانيهم تعنيني شخصياً اشعر دائماً بإني أغني معهم بإنهم استطاعوا قول مالم اقوى عليه بإن نضالهم قوي وذا وقع عظيم ، لطالما احببت من يقاوم الحياة و ظروفها القاسية بالفن .



في ذات الوقت في شمال الوطن العربي كان السوريين يهجروا من بيوتهم و الرصاص كالمطر من كل اتجاه ، نزح ملايين السوريين الى اوروبا منهم من مات في البحر ومن مات في اليابسة ، (مشروع ليلى ) وثقوا هذا المشهد المهيب في اغنية (بحر) نحن نتحدث عن فرقة لبنانية شعرت بالوجع السوري وقررت توثيقه لا يمكنني ان اتخطى هذا الشعور من خلال أغنية وفيديو كليب من وسط البحر بتقنية 3D لتشعر بشعور مقارب لمن مروا بهذه الرحلة ، اننا كعرب لو مهما ظهر اننا نكره بعضنا ولو مهما تحدث الذباب الالكتروني بعنصرية ، في الحقيقة الرابط بيننا اقوى من هذا كله . حكايتي مع مشروع ليلى بدأت بالكره و النفور كنت اشعر ومن دون ان اسمع لهم انهم مختلفين بشكل لا يجوز و انهم مثيرين للجدل ، كنت اسمع من الناس عن ميولهم الشخصية حين رأيت ان الناس تكرههم بسبب هذا قررت ان اعطيهم فرصة فالمعروف عني اني احب من يكرهه الناس لاني على يقين لا تتفق البشرية الا على شيء خاطئ بالتاكيد هناك خطأ ما في هذا النفور ، استمعت لأغنية ( بحر )ثم (اني منيح ) ثم اكملت (للوطن) وشعرت بصدمة ، واو!

انها فرقة مختلفة كل الاختلاف عن البقية من خامة الصوت للكلمات للڤيديو كليب كل تفصيلة في اغانيهم معبّرة مذهلين في تناولهم لقضايا مهمة بطريقة احياناً ساخرة كما في اغنية (للوطن) التي ستنفر منها لاول وهلة و ما ان تستوعب الفكرة ستعيدها مراراً .

في اغنية (اني منيح) هناك مقطع لا يكاد يخرج من عقلي على مدار اليوم ؛

"

ما زالك بلا شي .. مافيك تخسر شي "


عند قرائتي لتعليقات الناس عليها من مختلف الشعوب العربية اشعر بإننا كعرب متحدون في الوجع ..


الفرعي ايضاً قال هذا الشيء وبطريقة اخرى معبراً فيها عن وجعه واغترابه عن النفي عن فلسطين عن العائلة عن الارض .

ان الفرعي من الاشخاص الذين يعبروا بملامحهم وصوتهم عن حالتهم فلا استطيع ان اسمع اغنية له دون ان ارى وجهه انه يحكي شيء من ملامحه في أغنية "تغيرتي ليه ؟" قال :

"

ماضلش اشي الي ينهان "


لم يعد لديه شيء ليُهان لقد جسّد الخسارة و اليأس في جملة تجعلني افكر فيها كلما سمعتها ، انني اسمع الخيبة في صوت هؤلاء الشباب لطالما فكرت ماذا لو وُلدوا بجواز سفر مختلف امريكي او اووربي مثلاً هل كانت ستكون حياتهم افضل ؟ هل سيغنوا بهذه الطريقة ؟ هل سيكونوا بالاصل اشخاص لا توجد لديهم وسيلة للمقاومة سوى الفن ؟ ام انهم سيكونوا فلاسفة ، اطباء ، مهندسين ؟ هل ستكون لديهم الفرصة بعيش حياة افضل بعيداً عن مأساة عروبتنا ؟


لنعد للبحر و قوارب الموت ، ليس السوريين فقط من رموا نفسهم للبحر و وصلوا لنقطة (يا الحياة كاملة او الموت للابد ) في مصر و ليبيا ودول كثير في جغرافيا عالمنا الكثير من الشباب الحالم اليائس في الوقت نفسه قرروا ان يختاروا البحر ليشقوا طريقهم لحياة افضل ان يخاطروا بأجسادهم للمرة الاولى وقد تكون الاخيرة ومع هذا لن يتوقفوا ، قرأت ذات يوم في مقالة لأحد الناجيين من قوارب الموت هذه قال "

رأيت الكثير من الشباب معي يغرق موتاً بسبب ارتدائهم لسترات متهالكة كان في ظنهم انها سترة نجاة"


و هو يروي قصته اخبر الصحفي بإنه وجد العرب بكل جنسياتهم على متن هذا المركب تعرّف على الوطن العربي من خلال شبابه الهاربين منه في قارب يحمل الامل و الموت في آن واحد .

اتساءل كيف يكون الطريق للحياة هو الموت ؟ يركب هذه القوارب شباب بحلم حياة افضل يتم تقديرهم فيها ومنحهم ثراء يستحقونه .

بحسب الاحصاءات في مصر نسبة 58% من المهاجرين غير الشرعيين الاطفال الذين دون سن ١٨ !

و من هنا احب ان اعرفكم على (زاب ثروت) الرابر المصري الذي جعلني ادمن الراب العربي من خلاله في اغنيته (فارس) كان يتكلم بصفة البحر عن قصة صديقين فارس و نبيل الذي فرّق بينهم البحر وحال بين صداقتهم . زاب من الفنانين العظيمين فلا توجد له اغنية من غير معنى مهتم جداً بقضايا شباب بلده كالاكتئاب و الهجرة غير الشرعية و الوحدة و حقوق المرأة ، ان وجوده في عالمنا مهم جداً على الاقل بالنسبة لي .


ان علاقتنا بالبحر كعرب وطيدة جداً ، فمن بين من ماتوا غرقاً هناك من وصل لليابسة ولكنه لم يكن بخير كيف له ان يكون كذلك وهو الذي راي العديد من مشاهد الموت امامه؟

، (بو كلثوم) من الشباب السوري الذي وصل لاوروبا في نهاية المطاف وهناك فقط استطاع ان يغني بحرية !

في اغنية( ليل )هناك مقطع اختصر الكثير من الوجع اول مرة سمعته دُهشت انا التي احاول دوماً اختيار افضل تعبير في كلماتي البسيطة ، حين سمعته قلت كيف ؟ كيف استطاع ان يكتب مثل هذا النص ؟ كيف وجد هذه الكلمات وكأنني لاول مرة اسمع اللغة العربية من خلاله !

"

يلي بتدورو عالشمس

ببلاد الغيم مغطّيها

يا حوّامين تحت السما

يا ولاد بلادي بكل ديره

كيفنا ؟

"

اننا كعرب محكومين بجغرافيا الشمس نحن من اشد البلدان حرارة وتعرض للشمس العامودية ، بعكس اووربا الباردة جداً و الموحشة بمن هم مثلنا ، كيف استطاع ان يعبّر عن تشتت الشعب السوري في بقاع الارض عن الوحدة و الغربة عن الحنين للوطن في جملة قصيرة مثل هذه ! انه الالم من يصنعنا .

في اغنيته الاخيرة (ممنون)و كأنه يرد على مشروع ليلى و الفرعي في حديثهم عن الخسارة قال :


"ياما اخترنا نخسر ع امل بكرا نفوز"


الامل في عالمي وجدته من خلال هؤلاء الاشخاص وجدته في اغنياتهم في نضالهم السلمي ، كم اقدّرهم و احترمهم فلقد كان لديهم الكثير من الحلول غيرهم قتل وسرق و ربما انتحر او حتى كفر بكل شيء ولا ادري ان كنت استطيع لومهم ، لكن هم اختاروا الفن طريقهم اختاروا الوجود الذي يُشعر كل من يستمع لهم بمعنى الحرية و الحياة ، ان اصواتهم بحد ذاتها ثورة !


______


لطالما سمعت جمل مثل (مها اغانيك غريبة ) ( ماتنفهم ) ( جوك بيض ) ( مستحيل نشغلها بالسيارة) حقيقة ** لا استطيع تشغيل احدى هذه الاغنيات في السيارة مع اهلي بصوت عالي ** فور وضعي لاحداهم يبدأ التذمر ويقومون بإسكاتها رغماً عني انها مختلفة عنهم لدرجة الكره .

كنت و لا ازال احلم بإمتلاك سيارتي الخاصة التي فور دخولي لها سأسمع اغانييّ المفضلة بأعلى صوت واغني معهم لانهم املي لان فيهم ارى الحياة و النضال ارى كيف هي الحياة بإن تكون عربي من جيل جديد يحلم بالتغيير .

وسأبدأ بأغنية ( انا الصوت ) لكايروكي .

"

انا الصوت اللي متبقي وخارم ودانكم بحقي

انا اللي الدنيا بتهدد هرد وأقولها طقي

انا النغمة النشاز يا خلق

انا اللي تاعبكوا مني الفرق

انا اللي جريمتي في قيمتي

ومشكلتي اني قولت الحق

انا المبهج انا المزعج انا اللي صعب يتبنج

"



إنها اكثر من مجرّد اغنية .

Join