الله أكبر 

بداية يجب عليّ القول بإن فكرة (أكثر من مجرّد ) أتتني وأنا أشاهد أحد حلقات مسلسل (رامي) ممكن لأني حين كنت أخبر شخص ما عن مشاهدتي له كانت تأتين ي ردود أفعال سيئة تنتقد المسلسل وتصنفه دون حتى أن يشاهدوا حلقة وحدة لكنهم فقط رؤوا تعليقات سيئة عنه فانجرفوا مع التيّار ، لا أعلم لماذا تم أخذ المسلسل على محمل شخصي وأنه يشوّه صورة المسلمين في أميركا رغم أن صنّاعه أرادوا به العكس نعم رامي ليس المسلم المثالي ولكن هو على الاقل يحاول أن يجد نفسه وفي ذات الوقت لا يريد التخلّي عن دينه ذلك الصراع الروحي الذي أغلبنا نشعر به أحياناً ، في المسلسل يوجد شخصيات مثالية لكن تركيزنا هنا على رامي ورحلته الروحية ليكون شخص صالح غير منفصم الهويّة ، كنصيحة اذا أردت الاستمتاع بالمسلسل لا تحكم على رامي . 

المسلمين في اميركا بعد أحداث 11 سبتمبر

قصة المسلسل تدور في مدينة نيوجيرسي عن عائلة مصرية مهاجرة الاب فاروق الذي ترك أسرته في مصر وانجرف وراء الحلم الامريكي ليتعرف هناك على ميساء ويكوّن لنفسه عائلة أشبه بالوطن الصغير في الغربة ، أبنائه رامي ذو الصراع الداخلي بين هويته العربية المصرية واسلامه وبين أمريكيّته ومجتمعه ، والابنه دينا المجتهدة التي تكمل تعليمها في الدراسات العليا ورغم هذا لا زالت تشعر بإستنقاص عائلتها لها كونها أنثى وتفضيل أخيها عليها وتقيّد حريتها مقارنة بمميزات التي يحظى بها رامي كالخروج بدون استئذان و التأخر ليلاً وغيرها من الامور التي نمر بها في حياتنا اليومية ، ولا ننسى أيضاً الخال نسيم الوحيد العنصري و الذكوري احياناً وصاحب محل المجوهرات في سوق اليهود الذين يشتمهم ليلاً ونهاراً ولكنه يعمل معهم .

نرى خلال أحداث المسلسل رحلة حياة رامي منذ الطفولة وتغيّر معاملة أصدقائه له بعد تفجيرات سبتمبر التي سببت نوعاً من الاسلاموفوبيا الذي لا زال أثره موجود حتى هذه اللحظة ، نرى محاولاته في الانصهار مع مجتمعه في نيوجيرسي منذ الصغر لدرجة أنه كان يتم فهمه على نحو خاطئ أحياناً ، وبعد ذلك حين يكبر ويبدأ بالشعور بالانقسام بين أصدقائه العرب المسلمين و ارائهم ومعتقداتهم الذين كانوا يشتتوه تارة و أخرى يعيدوه لطريق الصواب وبين (ستيف)الاميركي صديق رامي في الحقيقة أيضاً * نرى ضياعه التام فرامي يخطأ ولا يتعلم من اخطائ ثم يكررها ثم يتوب ومن ثم يكررها مرة اخرى وبعدها يتوب أحياناً كنت أشعر بإني أريد أن أمسك رامي وأخبره توقف! يكفي ولكن أعود وأتذكر أن هذا حالنا أيضاً فجميعنا لدينا نقاط ضعف نخطأ ونتوب مراراً الفرق بيننا وبين رامي أنه شاركنا القصة بكل شجاعة ومن منظوري أنا لقد وصلتني كل المشاعر والافكار التي اراد صنّاع هذا العمل إيصالها . في أحد اللقاءات في حديث عن المسلسل قال رامي يوسف موضحاً ومصححاً لما فعلته هوليوود تجاه المسلمين بتصنيفهم الدائم كإرهابيين مخيفين “ ان المسلمين العرب في أميركا وغيرها هم مجرّد ناس عاديين بقصص عادية لسنا مثاليين ولسنا ارهابيين نحن مجرّد ناس عادية مثلكم تماماً “ 

رامي أكثر من مجرّد مسلسل لأنه أيضاً سلّط الضوء على حياة الاب المغترب ليوفره لعائلته حياة كريمة فهناك حلقة كاملة عن الاب فاروق والذي قام بدوره الممثل الرهيب (عمرو واكد) وأنا حرفياً وبكل مافي الكلمة من معانٍ وصلتني الكثير من مشاعر فاروق الالم و التعب الاكتئاب الذي كان يمر فيه دون أن يشعر أحد في البيت بذلك بسبب فقدانه لوظيفته ، الغربة والحنين للعائلة و الوطن ، الام ميساء كذلك لها حلقة خاصة التي ترى بإن جميع افراد الاسرة مشغولون في تطوير نفسهم وهي تقوم بالاعمال المنزلية فقط فتقرر ان تتعلم اللغة الانجليزية لتحصل على الجنسية الامريكية ، و رحلتها في العمل ككابتن في تطبيق نقل مشترك كـ (اوبر ) وتصرفاتها التي في نظرها عادية ولكن تسبب لها متاعب مع الـ American people ، كذلك هناك حلقة خاصة بـ دينا والخال نسيم نرى من خلالها المشاكل التي يواجهوها في حياتهم الخاصة.

الاسلام مثل البرتقالة 

يواصل رامي رحلة البحث عن الشخص الصالح بداخله فيجد في طريقه الشيخ علي والذي قام بدوره (ماهرشالا علي) الحاصل على جائزتين أوسكار والذي بلا شك لا جدال على قوة تمثيله ، يأخذ بيد رامي ويحاول إيصاله لبرّ الامان في الحقيقة هو لم يوصل رامي فقط لذلك الامان بل حتى أنا شعرت في لحظات أن الشيخ علي ساعدني أيضاً ، ففي أحد المشاهد التي لا انساها كان يقول لرامي “ لا شيء حرام بحد ذاته ولكن المهم هي الطريقة التي نختار التعامل بها مع الشيء هذا “ كانت الموسيقى التصويرية للمشهد بديعة ومؤثرة واستمر في القول “الاسلام مثل البرتقالة له جزء داخلي وجزء خارجي، إن نظر الشخص إلى القواعد والشعائر فقط فقد يحسب الاسلام عسير ومر مثل قشرة البرتقالة ، ولكن يوجد جزء داخلي لب طري التجربة الروحانية ، القشرة بدون اللب مرة وعديمة نفع ، و اللب بدون القشرة سيتعفن سريعاً ، الشريعة الخارجية تحمي الروحانية الداخلية ، والروحانية الداخلية تعطي الشريعة الخارجية غايتها ومعناها” ونحن نحتاج لكلاهما .

قبل السؤال الكوني و لماذا “رامي” أكثر من مجرد مسلسل أحب أن اتطرق للموسيقى التصويرية و الاغاني والتي كانت بلا شك خلّابة العربية كانت أو الانجليزية وأهم هذه الاغاني كانت لفرقة “المصريين” والتي تعرفت عليها للمرة الاولى من خلال “رامي” وأغنيتهم العظيمة ( لمّا كان البحر أزرق و النجوم لسا في مكانها)

أكثر من مجرّد رامي 

الجواب كالتالي : 

لأن جميع القائمين على هذا العمل هم في الاصل أبناء مهاجرين وعاش الاغلب منهم فترة ان لم تكن طيلة حياتهم في اميركا وهم يعلمون بماذا مروّا من صراعات وتناقضات ومواجهات مع الاخرون كعرب في تلك الولايات لذلك لم أشعر للحظة أنهم بالغوا بأي شكل من الاشكال في أي موضوع تم تناوله داخل الاحداث ولنفس السبب كنت أشعر بإنهم حقيقيون ويشبهوننا ، أكثر من مجرّد مسلسل لأنه عرض صراع الاجيال بين الابناء و الاباء من خلال مشاهد وحورات كثيرة شعرت من خلالها بالتناقضات واختلاف المفاهيم بالنسبة للأم و البنت والاب والابن كالمشهد التي كانت تتحدث فيه ميساء (الام) مع ابنتها عن أهمية تطوير علاقتنا بالرب حتى وان تكن بتلك المثالية و الالتزام يجب علينا توطيدها وبناءها بحب كي ندعوا الله ويستجيب لنا لأنه يعرفنا ويعرف علاقتنا به ، أكثر من مجرد مسلسل لأنه ناقش قضية فلسطين من خلال تلك الفتاة اليهودية والتي ختمت لقائها برامي من خلال قول (I feel sad for Palestine) هنا بدأت أتساءل عن الغاية من هذا المشهد اهو فقط تذكير بقضية فلسطين أو أنه يقول بإن ليس  كل يهودي صهيوني ؟ أو ماذا يفيد الشعور بالاسى تجاه فلسطين ذلك الشعور من غير افعال ؟ كذلك تطرق لحرب العراق و الجيش الامريكي وقتله لملايين المسلمين نساء و أطفال حين يصادف رامي جندي أبيض سابق يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة ولا زال يشعر بالندم الشديد لقتله الابرياء فيقرر أن يسلم طريقة منه لتكفير ذنبه و حتى يخفف من شعوره بالذنب فور إسلامه يذهب ليقتل شخص أميركي كان يتظاهر أمام الجامع لطرد المسلمين ذلك الجامع الذي كان كنيسة كما أتذكر ، ومن هنا نبدا بالتفكير حول الـWhite people ومدى شدتهم فالجندي مثلاً لم يكن لديه حل وسط إما كل اليمين أو كل اليسار ومدى تشويههم للاسلام وتطويرهم للاسلاموفوبيا حين يعتنقوه ومفاهيمهم الخاطئة التي يكفّرون بها عن ذنوبهم العنصرية السابقة ليس الكل بالطبع ولكن هناك فئة تحدث عنها المسلسل عن خطر الاشخاص البيض حين يسلموا .

أكثر من مجرّد مسلسل لأنه كان متنفس لأراء ناس كثير من خلاله إستطاعوا التعبير عن ما يشعرون به كمثال حين قرر رامي الذهاب لمصر والبحث عن الروحانية التي لم يستطع إيجادها في نيوجيرسي استقبله إبن عمه الذي كان يتحدث مع بالانجليزية ويحاول أن يجعل رامي يشعر بإنه لا فرق بيننا و فور وصوله أخذه لحفلة كالحفلات الاميركية فتيات و بيرة وما الى ذلك فتبيّن لي أن جميعنا نعيش هذا الصراع صراع الهوية و العصر الحديث فرامي مثلاً الهارب من هذا الصراع وجده فور وصوله للقاهرة لم يكن يريد الذهاب من أميركا لأميركا أخرى كان يريد مصر التي رآها في الإعلام و الشعب المناضل الثورة كمثال ، فتلقى صفعة من ابن عمه الذي قال له “ تراها مثيرة للاهتمام و واو بينما نحن رأينا شباب يموتون في ميدان التحرير نحن نريد ان ننسى ماحصل فلا تذكرنا به لأنه فقط ممتع ومثير بالنسبة لك “  لحسن الحظ أن ابنة عمه فهمت مايريد رامي رؤيته كمصر القديمة و الصوفيين و الروحانية العجيبة في مجالسهم ، نأتي الآن لأكثر موضوع أثار الجدل على الانترنت وهو الحلقة الخاصة بـ ميا خليفة التي لم أكن أعرفها ولم أعلم أنها أثارت تلك الضجة الا حين رأيت صورتها أكثر من صورة رامي نفسه لجذب المشاهدات و التعليقات السلبية على المسلسل كانت كلها عنها حلقة واحدة فقط جعلتهم يقيمون المسلسل بإنه “رخيص وإباحي” رغم أنه لم يكن كذلك أبداً والمشاهد الـ+18 فيه لم تكن بذاك التركيز وليست من فئة “sex sells”

كانت سريعة وبإمكانك تخطيها ولا تقارن أبداً بالمحتوى الاباحي على باقي المسلسلات و منصات العرض ، وعن حلقة ميا خليفة تحدثت عن أنه أكثر من يشاهدون محتواها الدول العربية التي هي في الاصل ممنوعه من دخولها لم أرى في ذلك أي استفزاز و كلامها الى حد ما قد يكون صحيح بدلالة أنها إستفزتهم وأنهم يعرفونها من قبل المسلسل وبدلالة أن الحلقة حققت نسبة مشاهدة عالية ، في كل مرة أقرأ تعليق سيء بخصوص المسلسل وارى إسمها بين السطور أتساءل عن الى متى سيهربون من حقيقتهم ؟ الى متى المثالية الزائدة عن حدها؟ أترى كان يجب عليّ أخذ تلك الحلقة على محمل الجد أكثر مثلهم أم انها كانت حلقة عادية و ينطبق عليهم مثل “ اللي ع راسه بطحه يحسس عليها “ .

الله أكبر و رامي يوسف

لم أدرك أهمية معنى الله اكبر عند الغرب وغير المسلمين الا حين شاهدت فيديو “لعروس بيروت “ أثناء الانفجار الذي حدث قبل اسبوعين تقريباً وفي خلفية المقطع كان هناك شخص يردد الله أكبر من شدة الفزع وأسفل الفيديو تعليقات باللغة الانجليزية تستنكر وخائفة من جملة الله اكبر ظنناً واعتقاداً منهم أنها تقال فقط حين يقرر المسلم تفجير شيء ما ! لم أكن واعية بحجم هذه المشكلة وبحجم مسؤولية الاعلام الغربي التي لطالما عرضت واشركت قول “الله أكبر” بالارهاب مما جعل الشعوب توقن و تؤمن بهذا الشيء فعلاً وتخاف من كل شخص يقولها رغم أنها بالنسبة لنا كمسلمين دعاء نمارسه في حياتنا اليومية بشل طبيعي حين نظلم حين نحج حين نخلد للنوم مجرد تقديس للرب ليست لها أي صلة بالارهاب هي فقط تعني ان الله اكبر من كل شيء على وجه الارض .


علاقة هذه المقدمة الطويلة برامي هي أنه جعلنا نشاهد هذا الاعتقاد عند 

الشعوب الغربية من خلال مشاهد كوميدية مضحكة كالمشهد الذي كان يحاول فيه رامي كسر الباب لينقذ فتاة ظلّت صديقتها معه واخبرته بإن يقول الله أكبر أثناء كسره للباب التي لا علاقة لها بالموضوع ولكنها فقط أرادت أن يقولها ظناً منها أنها ستعطيه قوة ليفجر الباب ، او كالمشهد الذي اتاه صديقه القديم 

في رمضان ليخبره ان امه تعاني من سرطان وانه يريد من رامي ان يصلي لها

 الان ويدعي لها ويقول الله اكبر لتعيش حياة طويلة كما عاش صديقه ستيف فالكل يعتقد ان ستيف حي للان لان رامي صديقه المسلم يدعيله ، 

رامي يوسف حين استلم جائزةGoldenGlobe قال الله اكبر و الحمدلله وكأنه بهذه الطريقة يقول لهم نحن نقول الله اكبر في اوقات كثيرة خلال حياتنا اليومية ليس حين نفجّر ، يحاول ايضاً في كل ستاند اب كوميدي ان يدس الله اكبر في حديثه الطبيعي ليصحح المفاهيم الخاطئة عنها لدى الاخرون ، 

وكم احييّ شجاعته في هذا ان تقول الله اكبر وسط حضور امريكي اصيل في حفل جوائز GoldenGlobe شيء رائع وشجاع جداً ، 

استطيع القول بإني فخورة برامي وطاقم العمل كامل فمسلسل رامي كان ثورة فكرية لجيل قادم بأفكار و معتقدات جديدة متأكدة بإن اي اميركي شاهد المسلسل تغيرت فكرته عن الله اكبر و المسلمين ،

 لكن يبقى السؤال هل نحن مجبورون ان نبرر انفسنا وان نحاول ان نري العالم

 اننا بشر طبيعين حتى لا يظنوا بنا عكس ذلك ؟ اعتقد بإن الاجابة ستكون 

مختلفة باختلاف البقعة الجغرافية الخارجة منها .  

 

في النهاية شاهدوا رامي وليس بالضرورة ان نتفق في الرأي فكل ماكتبته كان

 من منظوري الشخصي ، اذا اردتوا الاستمتاع برامي اكرر لا تحكموا عليه كشخص 

مهما استفزكم لا تتسرعوا هذه قصة شخص مامن الممكن لا تمثلكم ولا تشبهكم 

عادي جداً وليس بالضرورة ان يكون هناك صح و خطأ .   

Join