في حديث لي مع أمي قبل أيام من نزول الراتب الشهري كنت أتحدث مازحة حول فكرة "ماذا لو قمت ببيع أحد أعضائي و أصبحت حالتنا المادية أفضل ؟" بادرتني أمي بأقوال من الشرع والدين وأنه لا يجوز لنا حتى التحدث في الموضوع فمهما كانت حالتنا المادية سيئة هناك من هم أسوء منا حال .
بعدها دار الموضوع في رأسي و التهمني بحر التساؤلات حول "تجارة الاعضاء "  ومنهم الاسوء منا حال ؟هل كل من باع أعضائه أصبح غنياً حقاً؟ ما الذي حدث له حتى يذهب للموت بكل أمل؟ هل نجحت عملية النقل ؟ من المستفيد ؟ ومن هم المستهدفون ؟ ملايين الاسئلة التي انخلقت في لحظة مزاح حول موضوع لا مجال للمزاح والضحك فيه , أغلبنا شاهد في معظم الافلام والمسلسلات قصص حول تجارة الاعضاء والبشر ذلك العالم الذي يسوده الظلام والسرية التامة ويخيل لنا أنه في كوكب آخر  .
بعد بحث طويل وساعات من مشاهدة الافلام الوثائقية قررت كتابة هذه المقالة للحد من هذه التجارة الظالم أهلها وحين أقول الحد بالتأكيد أني اعلم أن حروفي ليست القوة الخارقة التي ستقضي على الظلم ف العالم أجمع ولكن مؤمنة أن المعرفة دائما هي ما تمييز المرء عن غيره وأن الاحتلال في عصرنا الحاضر هو إحتلال فكري أكثر من كونه إحتلال جغرافي .

يجب التوضيح أن جملة (إتجار بالبشر ) يندرج تحتها الكثير من القضايا فمثلاً (بيع الاعضاء تجارة بالبشر - زواج القاصرات تجارة - العمل القسري تجارة - التسول تجارة - قوارب الموت التي أعدت للنازحين و انفجرت في منتصف البحر تجارة - خطف الاطفال تجارة - الدعارة و الاستغلال الجنسي اتجار بالبشر) أتمنى أن يتاح لي الوقت لتتحدث عن كل واحدة منهم ، لأن جهلنا بها لا يعني عدم وجودها أو عدم وصولها الينا في يوم من الايام .


من العراق تحديدا محافظة ديالي إنتشرت هذه التجارة الغير قانونية بسبب الفقر والجوع والحروب الحاصلة الى الان في المنطقة . كان هناك شاب ذو عائلة يحلم بأن يشتري عربة أجرة حتى يستطيع الانفاق على اسرته ولكن لم يكن يملك سوى جسده تواصل معه إحدى سماسرة تجارة الاعضاء وأبرم معه إتفاق "كليتك مقابل 14 ألف دولار فقط " تجارة تستهدف المحتاجين لأنها تعلم أنهم لا يملكون باليد حيلة
وافق الشاب على ذلك بعلم اسرته على أمل أن يكون مقابل كليته انتشالهم من هذا الفقر والجوع نحو حياة أفضل . تخيّل معي قارئي أن تكون على علم بأنه من الممكن أن تموت بعد قليل وأن تسير في هذا الطريق لأن لديك أمل , ان تكون تعلم بأنه من الممكن أن يأخذوا مايريدون ويتخلصون منك برصاصة واحدة فقط ومع ذلك تسير في هذا الطريق لأنه كما قلت سابقاً لديك أمل .
بدأت العملية في مكان أشبه بحظيرة الحيوانات فكل ماتحتاجه طبيب فاسد بأدواته ومكان مستور .
" غامرت بحياتي من أجل أسرتي " كانت هذه كلماته بعد خمس سنوات من إجراء تلك العملية التي لم يأخذ مقابلها هللة ! والان هو أشبه بالميت وحالته الصحية في تدهور يوشك على الموت .
وفي حوار صحفي مع والد الشاب قائلا، "نبيع أعضاءنا لكي نعيش، ونحن أغنى بلد في العالم، إنها حقيقة مرة وقاسية"، مبينا أنه لا يمكن أن يفعل شيئا لولده، لأن ابنه بالأساس خالف القانون وباع جزءا من جسده بإرادته وهو يخشى أن تؤدي مضاعفاته الصحية إلى حتفه.


وفي الهند قصة أخرى تدمي القلوب عن ملكة الام الفقيرة التي تكافح في حياتها من أجل إبنها قامت ببيع كليتها لجارها تاجر الاعضاء مقابل 700 دولار فقط !! فكر معي ما الذي رآه هؤلاء الفقراء في حياتهم حتى يتخلوا عن أجسادهم بدراهم معدودات ! وبعد فترة تدهورت صحة طفلها البالغ من العمر تقريبا 14 عاماً والمفاجأة الصادمة أنه بحاجة لنقل كلى ! كانت كلمات الطبيب كالجبال التي وقعت على ملكة حين قال " أنتِ بعتِ كليتك بطريقة غير قانونية لتاجر فاسد والان طفلك يحتاج لكلية من سيعطيه ؟ "


في مصر مئات الاطفال يتم إختطافهم من قبل "مافيا الاعضاء"  والآف الأمهات والاباء تنفطر قلوبهم على صغارهم كوالدة الطفلة سلمى التي تم إختطافها منذ سنوات وهي الى الان لا تعلم عن طفلتها شيء , ومع كثرة أخبار الاطفال المفقوديين في مصر قامت والدة سلمى بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لعرض صور المفقوديين لعل وعسى أن يجتمعوا بأسرهم ذات يوم او أن يعرفوا عنهم أي معلومة حتى وان كانت خبر وفاتهم !


لا تخلوا أي حرب من تجارة البشر وبلد كسوريا قائمة فيها الحرب منذ 2010 الى الان ونزوح وتهجير السوريين لدول مجاورة بلا حيلة وبكل الضعف راجين من الحياة حياة فيستقبلهم في الطريق شاحنات تنقلهم للمنفى وهناك يتم تقسيم الواحد فيهم الى 200 منتج يتم بيعهم بملايين الدولارات فمن لهم يسأل عنهم ؟ اذا جميع أهلهم ماتوا في الحرب. هم بإختصار مجرد أرقام .


وعلى لسان أحد تجار البشر بكل وقاحة وتبرير لفعلته قال: أن الكثير من هؤلاء اللاجئين كانوا عرضه للموت بسهولة في سوريا، وبيع عضو لا يمثل شيئا مقارنة بما عاشوه من رعب.
وقال "أستغلهم وهم يستفيدون من ذلك ".
إستفزني مشهد من فيلم قديم حين قال التاجر " إن الفقراء عالة على المجتمع ولكن لو أخذنا عضو شخص منهم وزرعناه بجسد عالم سيحدث ثروة للعلم والانسان والحياة !!"
لا أعلم من أذن لهم أن يكونوا الخالق ؟ او ان يشغلوا أنفسهم بتدبير حياة الخلق , أما لهم رب هو أحق بذلك؟من أنت حتى تقرر متى وكيف يموتوا ؟.
بلغة الارقام هناك مايقارب 16 ألف شخص في المملكة العربية السعودية بحاجة إلى نقل أعضاء سنوياً.
في بريطانيا 9 الاف شخص .
في ألمانيا 14 ألف شخص .
في أميركا 97 ألف شخص .
في الصين 2 مليون شخص .
وهناك أشخاص على لائحة الانتظار منذ 10 سنوات .
قلة المتبرعين وكثرة المحتاجين وقلة الوعي بأهمية التبرع بعد الموت جعلت القليل غالي جداً ويتاجر فيه إجباراً وطواعية .
بإختصار شديد تجارة الاعضاء انولدت بسبب قلة المتبرعين برغبةمنهم . فأصبحت الدائرة كالتالي :
شخص محتاج لنقل عضو لجسده على إستعداد تام أن يرهن كل مايملك من أجله .
شخص محتاج على استعداد ان يبيع جسده حتى يعيش حياة أفضل .
تاجر فاسد بلا رحمة او ضمير يتعامل مع البشر كأنهم منتجات بلا روح لا يهمه ميت او حي المهم المال.
سمسار يعمل كالوسيط بينهم .
طبيب فاسد نسى كل ماتعلمه من مبادئ وقيم عن هذه المهنة وبدأ بتمزيق الاجساد من أجل المال .
بين إجبار وإكراه وبين حاجة وضعف الموضوع أصبح مخيف ومنتشر بشكل يشلّ أطراف الانسانية .
حتى أنه أصبح هناك مايسمى "سياحة زراعة الاعضاء" على الانترنت وتتصدر القائمة دولة الصين
تحت شعار  " عضو على حسب الطلب " وكأننا نطلب قطعة قماش .

شعور العجز الذي شعرت به حين كنت بين أروقة المشفى أعلم بأن جدي سيفارقنا مبكراً بسبب فشل عمل أعضائه ونحن لا نستطيع فعل شيء فقد تأخر الوقت كثيرا . تشعر وكأن قدماك قد تربطت وملايين الكلمات بداخلك تخرج على هيئة صمت . حتى بعد وفاته لا يزال هذا الشعور يلازمني دوماً أن ترى شخص تحبه يتألم ولا تستطيع أن تفعل له شيء ذلك ألم مضاعف تحت تصنيف "شعور لا يفنى" .
لا ألوم من يبيع أعضائه ولا ألوم المحتاج لذلك العضو لأني أعلم معنى الفقد فعندما مات جدي ماتت عائلتي كلها معه بما فيهم أنا .
 ولكن ألوم وادعي على من إستغل حاجتهم وإهتم بجمع المال بكل جشع .

لذلك حتى نبطل تجارة مرضى القلوب هؤلاء يجب علينا جميعا التكاتف و التبرع بأعضائنا بعد موتنا بعد عمر طويل باذن الله.وحتى في حياتنا فمثلا التبرع بجزء من الكبد لا يسبب للمتبرع أي أضرار فالجزء المتبرع به ينمو من جديد مرة أخرى فبتالي تكون أنقذت حياة شخص وكل من يحبه . وايضا التبرع بالدم و بالخلايا الجذعية ستكون بعد الله سبب في إحياء نفس قال تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)
 تخيل قارئي لو تبرعت لشخص بجزء منك وعادت لذلك الشخص الحياة وتزوج وانجب اطفال والاطفال كبروا واصبحوا أباء و انجبوا والشخص أصبحوا مئة كل هذا سيكون بفضل الله اولا ثم تبرعك .

في كل دولة هناك جمعيات معتمدة وقانونية تكون حلقة وصل بين المتبرع والمحتاج وغالبا تكون استمارة التسجيل كمتبرع متوفرة على الانترنت ولكن لكل تبرع شروطه التي يجب توافرها .
وفي المملكة لدينا المركز السعودي لزراعة الاعضاء 
يمكنك التسجيل في المركز بأنه بعد وفاتك تتبرع بأعضائك لمن يحتاجها وتكون هذه صدقتك الجارية بعد موتك . تخيل أن كليتك ستذهب للعم محمود الذي يقوم بغسل الكلى يوميا بكل تعب والم,
ورئتك لسارة الفتاة الحالمة التي تريد أن تصبح معلمة في المستقبل ولكن المرض أتعب جسدها,
أما قلبك سيذهب ل آدم الطفل الذي لا يتجاوز عمره أسابيع المولود بعيب خلقي ف القلب,
وعيناك سيبصر بها خالد الذي لطالما تخيل لون البحر ! ودمك سيجري في اوردة عائشة وكذلك الحال لكل خلية في جسدك .
تخيل كم شخص ستنقذ وكم روح ستسعد وكم أم ستنام قريرة البال لأن إبنها نام اليوم على سريره لا سرير المشفى بسببك .
وللتبرع بالخلايا الجذعية مستشفى الملك فيصل التخصصي و مركز الأبحاث  
لعلاج مرضى سرطان الدم ذلك عن طريق أخذ الخلايا السليمة من جسد المتبرع و حقنها في جسد المصاب عوضاً عن خلاياه المصابة . 5% من خلاياك فقط ستنقذ حياة عائلة بأكملها , بينما هناك 30% من المصابين لا يجدون متبرع .
وأيضا مبادرة إحياء الطلابية من جامعة الملك سعود 
ومبادرة دماؤنا صدقة 
تذكر دائما ان الحياة بيدك فلا تتردد بإعطائها لغيرك ونشر الخير والامل لمن فقدوه وأتمنى من القراء في غير المملكة أن يكتبوا في التعليقات عن مثل هذه الجمعيات والمبادرات في بلدهم بنية  
(( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ،))
لا تدري لعل الآن وانت تقرأ هناك من يتلوى من الالم في المستشفيات ولعل هناك من يُنهك جسده ويتاجر بأعضائه دون حول منه ولا قوة ولعل بتبرعك تكون عتقت رقبة في دولة أخرى بعيدة عنا الاف الكيلومترات كان سيتم بيع جسدها في المزاد لولا انك تبرعت للمحتاجين بكامل رغبتك .

كلمتي الاخيرة لمن لا يستطيع التبرع بسبب مشاكل صحية او خوف او غيره تستطيع بطريقة أخرى أن توقف دائرة التجارة هذه من خلال مد يد العون لأولائك المحتاجين والمهاجرين والنازحين من بلادهم بسبب الحرب أن تعاملهم معاملة حسنة وتقدّر ظروفهم وتكون لهم خير جار في الغربة لأن الغربة لم تكن يوماً إختيار .
                                             دمتم بصحة وحب ..
المصادر :
 http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39724743
 https://makkahnewspaper.com/article/1085367
 https://ar.rt.com/jnzf
أفلام وثائقية
https://youtu.be/bmTyxNXD2uE
https://youtu.be/uVrPITpsJsM
https://youtu.be/Wt5Mmr1Oerk
صفحة والدة سلمى للأطفال المفقودين في مصر
https://www.instagram.com/salmaa_2013/
و أيضاً لمن يحبون القراءة هناك رواية "خرائط التيه " للكاتبة بثينة العيسى عن خطف الاطفال .
* ملاحظة بإمكانكم النقر على اسماء الجمعيات بالاعلى حتى تتمكنوا من المشاركة في التبرع.
أتمنى أن تصل المقالة لأكبر عدد ممكن على أمل ان نحدث تغيير ولو كان بسيط..