هذه الحرب إمتحان لانسانيتنا

حسن سامي يوسف

هل تساءلتم يوماً ماذا حدث لسوريا . لدمشق العاصمة الاقدم في التاريخ ! الى اين وصلنا ياالله وماذا زرعنا كي نحصد كل هذا الخراب ؟

  مادام الجني هذه الكوارث كلها فما طبيعة الشرور التي زرعنا ؟  

                                                           عروة ابراهيم 

القصة 

بداية تدور أحداث المسلسل في الفترةالزمنية مابين 2003 الى 2016 في سوريا عن قصة عائلة أبو عبدو الغول اللحام ورجل الاعمال الذي بنى ثروة وبدأ حياته من تحت الصفر، وأبنائه الأربعة أثناء التغيرات التي حدثت في تلك الفترة في البلاد منذ الوهلة الأولى سترى بإنها مجرّد قصة عائلية كغيرها من القصص ولكن لا تتسرّع في الحكم صدقني إنها أكثر من مجرّد عائلة وحسب أو هذا ماشعرت به . 

الشخصيات  

  • أبو عبدو الغول والذي أبدع في دوره الفنان القدير (سلوم حداد) الاب العربي القاسي و الحنون في ذات الوقت لمصلحة أبنائه . 

  • عروة (محمود نصر ) الابن المثقف الذي يجادل ويختلف مع والده في الكثير من الامور لكنه لا يتعدى الحد . 

  • سهيل (أحمد الاحمد) الابن الذي يعمل ليحصل على التقدير ، المتعقّد من طفولته . 

  • عبدو (باسم ياخور) الابن ذو الوجهين الفاسد و الطمّاع . 

  • هشام (جابر جوخدار ) الفقير الذي لم يأخذ من الوطن سوى الوطنية . 

  • هناء (دانا مرديني) الشابة الهنيّة المرحة و الشاعرة التي تقع في حب عروة لتخرج من حياته على شكل غصة العمر . 

الى أين وصلنا يا الله؟ و ماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كله

حسن سامي يوسف

السيناريو والكتابة

 

لأول مرة في حياتي أتساءل وينتابني الفضول عن مؤلف مسلسل عربي بهذا الشكل وأتوقع بإن فضولي كان في محله ، القصة بالافادة من رواية او كتاب (عتبة الالم ) للمؤلف و السيناريست حسن سامي يوسف السوري الفلسطيني، لا أريد أن اخلط الحديث عن الكتاب و المسلسل فالكتاب كان أشبه بسيرة أستاذ حسن ومشاهد وأحداث في حياته الشخصية ، لن تجد الكثير من المسلسل في الكتاب ولكن العكس صحيح فالكثير من الاحداث الوقعية من الكتاب تم تحويلها لمشاهد في المسلسل و ياالهي كم كانت مؤثرة وموجعة من شدة حقيقتها كانت الحوارات عادية جدا أحياناً كجملة "البلد امان" التي كانت تتكرر كثيراً .و فلسفية في احيان اخرى لا ادري لماذا تذكرت افلام تارنتينو وحوارته ربما لأني شعرت بنفس المشاعر او الحورات من هذا النوع تذكرني به ربما ، كان سيناريو الاحداث متفاوت مرّة في عام 2003 ومرّة في عام 2016 كانت تتنقل كاميرا المخرج الليث حجّو، ضمن مناخين لونيين وزمنيين، وهكذا نبدأ من النهاية وننتهي من البداية مثل لوحة سيريالية، كنت أتساءل كم هو من الصعب أن تكتب سيناريو عن شخص يكتب سيناريو فعروة قرر أن يكتب نص او رواية عن عائلته والمحطات التي مرّ بها طيلة حياته ومن هنا كنّا نعود بالزمن الى الوراء.

أن تكتب رواية عن حياتك فيها أنت الكاتب و المكتوب كم هو عبقري هذا السيناريست !أهي الحرب من صقلته وجعلته يتحدث عن الالم بهذه الطريقة ؟ ومتى بدأت أقبل سنوات فقط ؟ أم منذ ولدنا ؟ كم أشعر بالتقصير والتأنيب لأني لم أعرفه الا منذ فترة قصيرة.

التمثيل

كل ممثل في هذا العمل قام بتجسيد شخصيته على أكمل وجه بداية من أبو عبدو الغول (سلوم حداد) الذي أبكاني كثيراً في تجسيده لمراحل أستطيع القول عنها أرذل العمر بعد أن كان أبو عبدو الغول الرجل الاكابر ذا الهيبة و القوة ، مروراً بعروة (محمود نصر) الذي كان الدور مفصّل له فعلاً وهناء (دانا مرديني ) والتحول الرهيب من الفتاة المرحة الصريحة الى طريحة الفراش المتعبة من الحياة تنتظر الموت ليريحها من اوجاعها لا أدري الى الآن أماتت مقتولة بالخيانة أم من المرض ؟ هشام (جابر جوخدار) كم جسّد مشاعر المعتقلين ظلماً الى الحد الذ صدقته فيه لا أنسى الى الان نظراته وحجم الاسى في عينيه فهو الذي سرقت منه الحياة وهو على قيدها فما حاجة وجوده الآن ؟.مؤمنة دائماً أن كل عمل رائع هو نتيجة تعاون أشخاص محبين لأعمالهم كل شخص أبدع من جهته حتى خرج هذا المسلسل للنّور كامل يذكرنا بنقصنا وعجزنا من شدة الألم والحقيقة فيه .

قلبي علينا افترقنا حين التقينا

عدنان العودة

الموسيقى و التصوير 

 

كل شيء معبّر وذو دلالة في هذا المسلسل حتى الالوان التصويرية ، فلقد كانت المشاهد القديمة سنة 2003 ملونة وبهية دلالة على سوريا في ذلك الوقت ، و الصورة في 2016 وقت الحرب التي لازال السوريين يدفعون ثمنها الى الان  بالابيض والاسود مليئة بالكآبة وأصوات الانفجارات والمشردين في كل مكان ، أما عن الشارة فلطالما كان مايميّز المسلسلات العربية وجود شارة أغنية مميزة لدرجة أنّي شاهدت أكثر من مسلسل بسبب الشارة ، وهنا كان شعر عدنان العودة وصوت إياد الريماوي وكارمن توكمجه له دور كبير  جداً فأنا مثلاً لا زلت أستمع للأغنية حتى بعد إنتهائي من  المسلسل إن هذا النوع من المسلسلات يندرج تحت قائمة إنتهيت منه ولم ينتهي منّي .

كلٌ منّا طاغية ، على مقاسه

عروة

ليش أكثر من مجرّد مسلسل ؟

 

لان عائلة ابو عبدو الغول لمن تكن مجرد عائلة بل كنت اراها دولة تكمن فيها كل المتطلبات الابناء و الزوجة في كل شخص بينهم كنت ارى شخصية مواطن مختلف عن الاخر بأهداف وغايات و مشاعر مختلفة تجاه الوطن (الاب) سأبدأ بعروة شخصية المواطن المثقف الممجد على الشاشات وعند الاب(الوطن)والذي في نفس الوقت يتعرض لمضايقات من قبل السلطات كي لا يتعدى الخط الاحمر في كتاباته ، عروة الدي كان يحب الوطن (الاب)رغم اختلافهم في نقاط كثيرة ، اما عن قصة حب هناء و عروة فأنا شخصياً لا اشاهد المسلسلات الرومنسية ابداً ولكن كان هذا الحب ملفت بالنسبة لي حب الشاعرة الهنيّة للكاتب  هذا يعني حوارات في منتهى الفلسفة اللذيذة ، لن احلل قصة الحب لأنها كانت جزء من سيرة حياة المؤلف حسن سامي يوسف فأحداثها الى حد ما حقيقية وان الضيف الغير مرحب به كان سرطان اخذ هناء في عمر الزهور وكم اشعر بالاسف لهذا 

 

فـ لروحها السلام اينما حلّت ، لكن من جهة اخرى كنت ارى في كل انثى في المسلسل وطن كان مزدهر وتدمّر . سنرى مع مرور الزمن في سوريا والاحداث التي حدثت تغيّرات في شخصية عروة نفسيّة وجسديّة ودخول وخروج الكثير من النساء في حياته لكن لا أحد كـ هناء فلا هناء بعدها . أما سهيّل فلقد كان المواطن الذي يعمل ليلاً ونهاراً ليحصل على التقدير وحينما لا يجده ويرى ان اخاه محاط بالتقدير اكثر منه يقرر الذهاب بعيداً عن الوطن ( الاب) تاركاً له المفاتيح التي تربطه به والتي كما قال "تخنقه" من الجدير بالذكر انه في فلسطين حين يهجّروا من منازلهم يحملوا مفاتيحهم معهم على امل انهم ذات يوم سيعودون ، لكن سهيل هنا كان المواطن الذي كره الوطن ولا يريد ان يحمل  معه مايذكّره به فقرر السفر حتى لا يقتل اخاه (المتمتع بالتقدير في نظره ) ان بقي . و الابن الاكبر لهذه العائلة هو عبدو وكان يمثّل هنا المواطن الفاسد الطمّاع الذي كان يتصرّف تحت عبارة ( اسرقها انا احسن ما يسرقها الغريب) والهاء هنا تعود لثروة الوطن كان يبرر طغيانه وفساده بهذه الجملة وكأن الوطن له هو والغريب فقط وبقية المواطنين كومبارس فقط . نأتي الان لندى الطبيبة و الابنة البارة لهذا الوطن تمثل المواطنين الاخيار الذين يريدون تطوير اوطانهم وجعلهم فخورين بهم ، تتعاطف هذه الطبقة تحديداً من المجتمع دائماً مع الفقراء المناضلين الذين لم يجدوا من هذا الوطن سوى الوطنية تقع ندى في حب مناضل (على قد حاله ) كان يكتب في مدونة عن مواضيع عادية اتخذ منها قضية لنفسه ليدافع عنها ، كان هشام الابن القانوني للوطن (ابو عبدو) الى ان جاءت تلك الليلة التي قسمت ظهور الجميع وتم اعتقاله قسرياً بلا تبرير او سبب . قصة ندى وهشام كانت الاقرب الى قلبي من حيث الوجع فمن بعد تلك الليلة لم يعد شيء كالسابق ولم تعد ندى لهشام . ولكن بقي البقدونس اجمل مافي السلطة *. في تلك الليلة توفت زوجة ابو عبدو الغول بدون مشاهد توضح الكيفية فوجدنا انفسنا فجاه في عزائها لم اجد تبرير لهذا سوى انها كانت تمثّل اخر ماتبقى من العدالة والتي بطبيعة الحال ماتت . واخيراً الوطن ( الاب) شخصية ابو عبدو الغول استطيع القول بإنها اكثر شخصية اثّرت في نفسي كانت كالغصة طيلة الحلقات ، في بداية الحلقات نرى شخص ذو هيبة يخشى الجميع منه احتراماً لا اكراهاً إنسان بدأ حياته من تحت الصفر فقير ابن فقير عمل على نفسه حتى بنى ثروة كان يشعر بإن ابنائه لا يقدّرونها في احيان كثيرة ، مع توالي الاحداث تنكمش الشخصية وتبدا مراحل الشيخوخة و الضعف و العجز التحوّل الفظيع المبكي فعلاً ، وقبل موته يرى كل ماكان يخشاه ابنائه يتقاتلون على المال ويطغى الفاسد على البقية فيموت قهراً كأوطان أعرفها . ان الندم هنا كان على أشياء فعلناها وأشياء لم نفعلها و لاشك بإنه ندم قاتل لن ينفع بل يميت .

في المشهد الاخير 

يعود سهيل بعد سنوات من الغربة ليخطر على بالي سؤال لماذا عدت؟ لمذا الآن ؟ لماذا تأخرت ؟ أسئلة اتوقع بإن كل مغترب قد سمعها حين قرر العودة ، عاد ليبكي على باب ابو عبدو الغول (الوطن) ويخبره بإنه اسف لانه رحل وتركه للكلاب تنهش فيه وانه سيبقى الان هو وعروة وندى الذين رفضوا ترك هذا الوطن، اما عبدو فقرر الهرب بعد تحويل امواله للخارج فالفاسد خائف للابد. 

في الحقيقة هناك شخصيات كثيرة في المسلسل اود ان اعطيها جزء كبير من احرفي كـ رشا و فخرية و بنت الليل التي لا اعلم هل انا من نسيت اسمها ام انه لم يذكر ابداً ؟ أشعر الان حرفياً بإن كل شخصية في المسلسل كانت اكثر من مجرّد شخصية كانت سفيرة لقومها والطبقة المجتمعية التي تمثّلها ، مسلسل يستحق الدراسة ومشاهدته أكثر من مرّة .سيضل دائماً أكثر من مجرّد مسلسل لأنه علمني ونوّرني لماذا وصلت سوريا لهذه النقطة الحالية من السبب ؟ كيف حال السوريين الآن ؟ كيف يشعرون بعد الصدمة وكل هذا الخراب ،

في النهاية وكما قال أستاذ سامي " قد أكون على خطأ ولكن هذا لا يعني بعد أنك على صواب"  

*حين تقدّم هشام لخطبة ندى قامت العائلة بعمل وليمة لعائلة هشام وحين سأل هشام ندى عن أي طبق كان طبقها وهي من طبخته أجابت بإنها من قطعت البقدونس فأخبرها بإنه كان أجمل ما في السفرة ، وبعد ان تم اعتقاله ومرّت الشهور وهي تبحث عن دليل يثبت لها بإن هشام على قيد الحياة كان الجميع يستغلها من أجل النقود ولا أحد منهم أحضر لها أي دليل بإستثناء الاخير الذي أخبرها بسرّهم الصغير و بإن هشام حي بدلالة ان البقدونس كان أجمل مافي السفرة