في عالمنا العربي بلا ادنى شك قد تكون سمعت عبارات شتم و ندب حظ على جواز السفر الذي نحمله او لونه وكم هو مؤثر لونه ! لطالما سمعت احاديث مع مزيج باحلام اليقظة عن ماذا لو ولدنا في عالم آخر بهوية اخرى وكم ان هذا كان سيّغير كل مصائرنا ، ولكن ماذا لو وُلدنا بلا هوية ، بلا اثبات ، بلا جواز سفر نندب حظنا عليه !

هل يوضع الانتماء في ورقة ؟

كنت اعمل في شركة دراسات و ابحاث حين تلقيت تلك الصفعة من الحياة ، قمت بالاتصال على رقم بشكل عشوائي لتعبئة استمارة احصائية قام بالرد عليّ شاب عمره ثمانية عشر عاماً بدأت اسأله الاسئلة المعتادة في بداية كل استبيان العمر ، المنطقة ، الجنس و الجنسية لنتأكد ما اذا كان ضمن الفئة المستهدفة للدراسة ، جاوب عليها جميعاً الى ان وصلت الى سؤال الجنسية وقال حين سألته :


  • اخرى

  • كيف اخرى ؟ ماهي جنسيتك ؟

  • اخرى ، ليس لديك اخرى في الخيارات ؟

  • لا لا يوجد مايسمى بأخرى في الجنسية ! سعودي ؟ مصري ؟ سوري ؟ ماذا ؟

صمت قليلاً وتلعثم واخذ يسأل والدته

  • يمه ايش جنسيتنا ؟

اجابته

  • اخبرها اننا بدون .

تبّدلت الادوار بيننا وبدات انا اتلعثم


قامت والدته باغلاق الهاتف حين دخلت انا في متاهة الصمت .


لم اكن اجهل قضية البدون قبل ذلك الاتصال بل على العكس كنت متطلعة عليها ومهتمة بقراءة الاخبار و الجديد في هذه القضية بل حتى الروايات التي اقرئها لابد وان يكون فيها شخصية من عديمي الجنسية رغبة مني في التعرف على حياتهم والظلم الذي يتعرضون له ، لكن كيف لم يخطر على بالي ولو للحظة انه بدون جنسية ! كيف اصريت عليه انا التي تعلم بوجوده كيف محيته من الوجود واخبرته بإن الموضوع لا يحتمل اختيارات !

كيف لشاب لم يتجاوز الثامنة عشر ان يحمل مثل هذا الثقل ؟

وكأني كنت دائماً اتعامل مع القضية على اساس انها هناك في مكان ما . وصحوت على انها موجودة هنا وتحدث امامي الآن وانا جزء من الحدث .




( بدون او عديموا الجنسية ) وفقاً للتعريف القانوني الدولي، فإن الشخص العديم الجنسية هو ”الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها“. ويعني ذلك، بعبارة بسيطة، أن الشخص العديم الجنسية لا يحمل جنسية أي بلد. ويولد بعض الأشخاص وهم عديمو الجنسية، لكنّ البعض الآخر قد يتحول إلى عديمي الجنسية. 



كيف يصبح المرء بلا ورقة تثبت وجوده ؟

الاسباب عديدة ومختلفة منها :

  • التهجير و الحروب مثل اللاجئين السوريين الذين تم اقتلاعهم من بيوتهم ولم تكن لديهم فرصة لأخذ اوراق هوياتهم ، البدون في العراق و الكويت بسبب حرب الخليج و الغزو .

  • تغيرات في الحدود ، مثل التفكك الذي حصل في الاتحاد السوفيتي ، و مثل الشعب الكردي الموزع على اربع دول او كما يتم تسميتهم (شعب بلا دولة ) . او في اي دولة في العالم عندما تضم لحدودها مدن اخرى يسكنها فئة من البشر .

  • سحب الجنسية من المواطنين .

  • ظهور دول جديدة ، كالبدو في الخليج فالكثير منهم حين اقيمت الدول لم يُسّجل كمواطن.

  • عدم قدرة الامهات و الاباء منح جنسيتهم لاطفالهم في حيال غياب الاب او عدم معرفة هويته ، مثل الامهات في لبنان و السودان و ٢٨ دولة اخرى .

  • التمييز ضد المجموعات المختلف من ناحية الدين او العرق ، مثل مسلمون الروهينغا في مينامار.

  • الثغرات في قوانين الجنسية سبباً رئيسياً من أسباب لانعدام الجنسية.

  • الهجرة غير الشرعية بحثاً عن حياة .




في عالمنا العربي تعد قضية (بدون الكويت ) هي الاشهر

على الرغم من ان البدون موزعون على خارطة العالم الاجمع بلا استثناء ، غالبية بدون الكويت تم التشكيك في وطنيتهم خلال فترة الغزو العراقي بعضهم تم سحب جنسياتهم و البعض الآخر لم يلد بها اصلاً . في الكويت عادي جداً ان يكون اخوان احدهم بدون و الآخر حامل للجنسية .

لطالما تساءلت كيف يحيا البدون ؟ ما هو روتين حياتهم ؟ شاهدت العديد من المقابلات لأعرف عنهم من خلالهم قرأت روايات البدون والتي سأشارككم هي في وقت لاحق ، البدون لا يعمل لانه بلا هوية ، لا يدرس في المدارس الحكومية وان اراد فيدرس في مدارس خاصة تحتاج المال ! فكيف له ان يأتي بالمال وليس لديه حق العمل ! سمعت ذات مرة ان الاب البدون يُدّرس كل سنة طفل واحد من اطفاله ويأخذ البقية اجازة والاولية للذكور بدلاً من الاناث، لا يُعالج لانه بلا ورقة تثبت وجوده فيترك حتى يموت الماً ، لا يسافر وان اراد لسبب مُلح فتنتظره الكثير من المعاملات والاجراءات الى ان يتم اعطاءه جواز سفر مؤقت وهي حالة نادرة لا تحصل للكل .

غير مرئي ، محروم من ابسط الحقوق الانسانية حق الكرامة و العيش وحق الوطن و الانتماء للارض ، بل ان الجميع اتحد لجعله يشعر ان ولادته جريمة يجب ان يعاقب عليها .


حالات انتحار البدون في الكويت تحدث كل شهر ، ومع الاخيرة صرّح مسؤول ان( انتحار البدون ليس ظاهرة) !

هم لا يعتبرون ماساة البدون ظاهرة حتى ، فكيف بانتحار هؤلاء الشباب الذي تقطعت بهم السبل .

يشعر المرء احياناً ان بموته سيرتاح و سينجو الى الخلاص الى عالم لا اهمية للورق فيه ، ولكن حتى موت البدون و اجراءات دفنهم صعبة و معقدة يحاربون لاجل الحصول على قبر يضم احد افراد اسرتهم .


"صعب الموت كما كانت الحياة كذلك"



يخطر في بالك قارئي الحل ؟

ماذا لو تم تجنيس هؤلاء البشر ؟ ان الحل بسيط جداً بالنسبة لنا ولكن بالنسبة لسّلطة فهو معقّد وصعب حدوثه ولا يوجد دولة تريد ان تتحمل ابناء ارض اخرى .


اتساءل عن ماهية الوطن في قلب شخص استنكرته الارض وقالت له لست منّي ! هو الذي لم يعرف ارضاً سواها .

في حديث للروائي الراحل ناصر الظفيري الكويتي البدون الذي كان محظوظاً بالهجرة الى كندا . سأله احد الحضور عن وقع جملة (الروائي الكويتي ) التي توضع قبل اسمه وهو بدون ليجيب عليه

"انا ماعندي جنسية بس عندي وطن "

تستطيع تجريدي من جنسيتي ، لكن لا تستطيع تجريدي من وطنيتي . هو ابن ارض الكويت البار بها والذي رغم كل ماحدث له وسمعه وشاهده و عاشه لم يلوم الارض لو للحظة .



حملة #انا_انتمي الطموحة لوضع حد لهذا الظلم .


عدد عديمي الجنسية تقريباً يقدّر بـ عشرة الى اثني عشر مليون شخص حول العالم ، القضية تقدم في بعض الدول مثل بنغلاديش التي منحت الجنسية لمئات الاف و كولومبيا مؤخراً قامت بمنح حق الاقامة لمليوني مهاجر غير شرعي ، في السعودية يتم العمل على حل ملف قضية البدون وتسهيل الاجراءات لهم ومنحهم هويات ليتم معاملتهم كالمواطنين تساعدهم على العمل و العلاج .

المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين تسعى حاليًا في حملة عنوانها #انا_انتمي تهدف لاغلاق ملف البدون عالمياً بحلول عام ٢٠٢٤ الحملة لها عدة استراتيجيات احد اهمها :

ضمان عدم ولادة اي طفل بلا جنسية .

توفير الحماية للمهاجرين ومساعدتهم في الحصول على الجنسية .

بإمكاننا المساهمة في الحملة عن طريق توقيع العريضة لايصال صوت الذين لا صوت لهم . كما بإمكاننا تقديم الدعم مادياً و معنوياً .

من هنا .




في النهاية ، ماذا لو اصبحت قارئي بلا جنسية ؟ فكّر في كل الاشياء التي تعتمد على تلك الورقة و البطاقة .

Join