عن التدوين و الكتابة
أكثر من مجرّد حروف على ورق
كتابة : مها الخليفي
عندما طُلب منّي أن اكتب عن أهمية التدوين ، بدأت أتصفح عشرات المقالات و انظر للكتب في رفوف غرفتي لعلّي اجد بعض الكلمات لاقتبسها وأكتب المطلوب و انتهي ولكن ..!
توقفت للحظة لأستمع الى ما يقوله قلبي:
“مها انتِ تكتبين اذاً تعرفين أهمية الكتابة و التدوين !، لا داعي لقراءة جمل الغير لتعرفي مدى أهميتها تستطيعين تفسير اهميتها بناءً على تجربتك الشخصية لا ما مر به الآخرون بل بما عشتيه انتِ “
لطالما شعرت بإن الكتابة و التدوين مواجهتي مع اللغة وذاتي بكامل حريتي وشفافيتي.
لذلك ما ستقرأه عزيزي القارئ بعد هذا السطر هو من خلال منظوري الشخصي الذي آمل أن تجد نفسك فيه واذا لم تجد شاركني رأيك وأسبابك التي تدعوك للكتابة و التدوين من خلال مربع المشاركة اسفل المقالة .
أما الآن مع السؤال الكوني:
لماذا نكتب و ندوّن ؟
وما الكتابة الا طريقة لحبس جزء من الحياة في بضع لحظات تعود بنا إلى الماضي، حاملة إيانا معها . إنها وسيلة لتشبّث بالحياة لبرهة من الزمن
كيم أدونيزيو
لنفهم ونُعالج : أول تدوينة كتبتها في حياتي كانت عندما انفصل والداي ، كتبت ذلك اليوم لأعبر عن الالم بداخلي لأفهم نفسي أولاً ، لتفريغ كل الكلمات و الافكار المبعثرة بداخلي ، جميعها نثرتها على الورق لأكوّن جمل مفيدة تعبّر عني ، لم أكتب ليقرأني احدهم لم تكن الغاية . و ما شعرت به من راحة و فهم بعد كتابتي هو ما جعلني استمر للآن، في تلك الليلة فقط تعرّفت على السبب الذي خُلقت من أجله خُلقت لأستلذ و اتنفس بالكتابة لأفهمني من خلالها، بدأت بعدها الاحظ شغفي ولهفتي لحصص التعبير في المدرسة .
فيما بعد عرفت أنّي مارست احدى طرق العلاج و التشافي الذاتي(العلاج بالكتابة) دون أدنى دراية منّي كما لو أنها فطرتي التي ولدت عليها .
لنحيا و نتعلم: اذا سبق وشاهدت او قرأت قصص نجاح واشخاص شهد التاريخ نجاحاتهم ، لابد وان التدوين و الكتابة كانت جزء من يومهم وكانوا حريصين على ذكر أهميتها ، لكي أبسطها كمثال الـ To do list كتابة قائمة المهام لإنجازها وشطبها من القائمة ويا الهي كم هو جميل شعور الشطب (: اذا تذكرت الشعور فستتذكر ايضاً انه كان كفيل بإن يجعلك تنجز اكثر في أيامك القادمة وكأنك انتصرت على ذاتك الكسولة ، التدوين لترتيب افكارنا الكثيرة ووضعها على ورق لنواجه بعلم ونبدأ بتفكيك المشاكل وحلّها فنحن نراها الان على شكل حروف وكلمات لا أضغاث افكار في عقولنا.
“إذا كتبته ستحفظه “ قاعدة منذ الصغر أغلبنا سمعها ومارسها ورأى مدى صحّتها ، في المدرسة قديماً كنت اتطوع للشرح و الكتابة على السبورة للطالبات لأطبق القاعدة لغرض أناني نوعاً ما وهو أن احفظ من خلال الشرح لهم بعد ذلك تطوّر الموضوع أصبحت اشرح لهم واكتب لأعطي وأرى ثمرة عطائي حين يشاركونني درجاتهم وكيف أصبحت عالية ! بسببي بعد الله تعالى
نكتب لنُشارك ونُعطي: حين رأيت لأول مرة سعادة الطالبات وكلمات شكرهنّ لي و دعائهنّ لمجرّد أني شاركتهم ملخصاتي وتدويناتي و شرحت لهم شعرت بالرغبة في أن استمر بالعطاء هذا محاولة تهذيب نفسي من خلاله أن أعطي لمجرّد العطاء دون انتظار مقابل قرأت ذات يوم عبارة رائعة لستيفن كوفي تقول : ”مصدر السعادة لك كفرد أن تحيا لهدف أسمى من ذاتك“.
وأعتقد أن ترجمة هذا المبدأ ببساطة تكمن في العطاء وفي متعة العطاء، والتدوين أحد أهم سبل العطاء! بدأت هذه الرغبة في محيط المدرسة ثم كبّرت معي لتضم محيط مجتمعي و الافراد من حولي بدأتُ من خلال نشر تدويناتي على مواقع التواصل الاجتماعي و الانترنت البحث عن من يشاركونني نفس الاهتمامات والشغف ، نجحت بالتعرف على اصدقاء جدد لا داعي لأن اشرح نفسي لكي يفهموني ، انتقلت من الشعور بالغربة الفكرية الى الشعور بالانتماء وزيادة الإنتاجية بالتواصل معهم .
لنُؤثّر ونعرف : في عالم الانترنت و الكتابة بشكل عام لا تعلم من سيقرأ كلماتك لا تعلم حالته النفسية او خلفيته الحياتية التي جاء منها أو الاثر الذي سيتركه نصّك وكلماتك عليه ، للكلمات قوة خارقة تستطيع بكلمة أن ترفع شخص الى سابع سماء وبكلمة أخرى ان تهبط به الى القاع . أن تغيّر وجهة نظر شخص ما، أن تعيده لرشده ، قد يكبر الموضوع في بعض الاوقات تنقذ حياة شخص كل هذا يتم بالكلمات الصح في الوقت الصح .
كانت ولا تزال احد أهم التعليقات التي قيلت لي في حياتي بعد قراءة أحد الاشخاص لتدوينة نشرتها “سبحان من رزق قلمك قوة التأثير!” أذكر ان حجم قلبي تضاعف حينها من شدة السعادة.
كلما قرأت أكثر و كلما مارست الكتابة كلما اجدت فن انتقاء الكلمات لتؤدي كلماتك الى المعنى الذي تريد ايصاله للقارئ . نكتب لنعرف اكثر ونفسّر ما يدور حولنا من احداث ومواقف وظواهر اجتماعية و سياسية بل وحتى فنية من خلال الكتابة النقدية تراجع الاعمال الادبية و السينمائية ، نكتب لنتبادل المعرفة عما نجهل “الجهل اختيار في عصرنا الحالي” فاذا اردت ان تتعلم وتعرف اكثر عن موضوع ما بسرعة ستبحث عن مقالات لتقرأها و البعض الاخر يفضّل ان يسمع تدوينات صوتية او يشاهد فيديو على اليوتيوب صوت و صورة قد نختلف بأنماطنا ولكن نتفق جميعاً على ان خلف كل هذه الفيديوهات و الصوتيات المؤثرة (كتابة نص جيدة ومدروسة ) الجميع خلف الكواليس يكتب ليرتب افكاره ويترجمها بغض النظر عن اختلاف نتيجة عرض هذه الكتابة . وان لم تجد ما تبحث عنه لتتعلم عنه اكثر غيّر مصادرك ثم عُد لتكتب عنه وشاركه الناس و الاجيال القادمة حتى لا يأتي أحد مثلك يبحث عن العلم ولا يجده !
لنُثري المحتوى العربي بشكل خاص و العالمي بشكل عام .
إذا باستطاعتك التفكير و التحدث و الكتابة ..
انت قوة خارقة
جوردان بيترسون
لنُخلَّد و نُخلِّد: الخلود الحقيقي في هذه الحياة لم يكن يوماً بالنتيجة النهائية بل بالرحلة والاستمتاع بها ، نحن نصوّر لنوّثق أجمل لحظات حياتنا في ذاكرات التقنية ، ماذا عن الكتابة للتوثيق ؟ تلك التي تغوص فيها لتشعر بمدى عظمة اللحظة و الموقف و امتنانك الخفي لأصغر التفاصيل في يومك ، نكتب حياتنا ويومياتنا بحلوها ومرّها لنمنح الخلود للرحلة . قبل بضعة أيام راودتني فكرة ان اقوم بحذف جميع تدويناتي وحساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي عرضت الفكرة على أحد الاصدقاء فصاح بي غاضباً : “انتِ لا تدركين انها مرجع مهم لي ولأشخاص غيري “ آمنت وقتها فعلاً بـ “نموت نحن وتبقى الكلمة” وتراجعت عن الفكرة .
القرآن الكريم وهو خير الكلام كيف تم حفظه من الضياع حين كان يُلقى الوحي على سيدنا محمد ؟ بكتابته و تدوينه بحفظه على الورق وتجميعه .
باختصار أكتب لأحيا، لأتنفس وأتحدث عنّي دون أن اشعر بالعار ، دون أن يقاطعني أحد ، لأكون الملاذ لنفسي ، لأفكر بصوت مرتفع من خلال احرفي ، لأفهمني و اتعلم من اخطائي ، لأتعلم اكثر عن الحياة وماانتمي له من مبادئ واهتمامات وفي طريقي أشارك كتاباتي لأساعد غيري
كيف نبدأ ندوّن؟
ابدأ ببساطة بدون تعقيد بالعامية (اهبد أي شي بخاطرك ) ، عبّر عن رأيك في آخر كتاب قرأته أو أفضل فيلم شاهدته أو عن موضوع تشعر انه مهم وقلة من تكلموا عنه ، او دوّن يومياتك و المشاعر التي تود التحدث عنها (فضفضة لذاتك) فرّغ .
اعلم بإن الكثير لا يجد من يتحدث معه الكتابة يا اصدقاء هي الحل بعد الله .
ابدأ بأقرب طريقة لك او تفضّلها ، دفتر ورقي ، لوح حائط ، هاتف محمول ، حاسوب
ابدأ بغض النظر عن الوسيلة بل للغاية دوماً .
اقرأ اكثر لكي تستمر ، اقترب من اللغة و اكسر الحواجز بينكم لتجد تلك الكلمة التي تعبّر حرفياً عن ما تود قوله او اخترعها ! ان لم تجد ، أحط نفسك في الواقع او على الاقل في المواقع بناس تشاركك و تحمّسك على التدوين لتستمر بحُب .
روابط تساعدك و تهمّك
https://youtu.be/QhjHCtMTmkY عن أهمية الكتابة في تقويم الفكر لـد. جوردان بيترسون
https://youtu.be/QhjHCtMTmkY خطبة قوة الكلمة لمحمد القحطاني بطل العالم في الخطابة
https://firstsiteguide.com/benefits-of-blogging/ 15 سبب حقيقي للتدوين