Tasmania | جزيرة الشيطان
في شهر نوفمبر من سنة ٢٠٢٠ وبعد الانتهاء من اختباراتي وتسليم بحث تخرجي للماجستير اقلعت الطائرة من سيدني في تمام الساعة الحادي عشر وخمس دقائق .. كانت الرحلة الاولى لي في الطائرة بعد حوالي ال٩ اشهر .. كنت قد اتخذت القرار بأن امتنع عن أستخدام الانترنت أثناء الرحلة، بعد ان احسست اني ذبت مع اصحابي في سيدني، لكني شعرت اني مع الوقت فقدت بعضا من نفسي، ويأتي هذا الشعور احياناً عندما افقد المساحة الخاصة بي، فقد كنت اقابل اصحابي بشكل مستمر طوال الاسبوع وخصوصا ان الترم الدراسي قد انتهى وتزامن مع انتهاء حجر كورونا .. اخذت جهازي الكندل وحملت الخرائط للجزيرة الصغيرة نسبياً ومع شنطة صغيرة فيها ملابس تكفي لمدة اسبوع كان هذا عتادي للرحلة.
مع اقترابنا لهوبارت، المدينة الاكبر في تاسمانيا، بدأت الطيارة بالتأرجح وتوترت مع صراخ الاطفال بالطائرة .. كنت اعلم ان اليومين القادمين فيها رياح شديدة على هوبارت لذلك حاولت تهدأت نفسي قدر الامكان .. وما ان لمست ارجل الطائرة المدرج .. تنفست الصعداء ولكن كنت لازلت اشعر بغثيان .. نزلت من الطائرة على سلم ومشينا الى صالة الوصول وقبل دخول الصالة هناك طابور طويل كطابور مكاتب الجوازات .. كنت قد سجلت بياناتي في موقع السياحة التزمانية قبلها بليلة .. كل هذا استحدث بعد COVID-19.
وصل محمد سائق اوبر الهندي .. والذي كان يعيش في سدني لكنه اتى لتاسمانيا لسببين كلها تتعلق بالاقامة في استراليا .. الفيزا والاقامة الدائمة اسهل للاجانب في تسمانيا عن باقي استراليا .. استلمت الكرفان اخيراً بعد فديو طويل وممل عن طريقة استخدام الكرفان وملحقاته .. توجهت لاشتري مااحتاجه في رحلتي الممتدة ١١ يوم.
بورت آرثر | Port Arthur
فتحت الخريطة المحملة في جوالي، وكانت الخطة ان اخذ طريق يدور بكامل الجزيرة واخترت ان ابدأ من الجهه الشرقية للجزيرة والتي لم تكن مثيرة للاهتمام بتاتاً، محطتي الاولى كانت سبب تسميت تازمانيا بأرض الشياطين، بورت آرثر (Port Arthur) وهي عبارة عن أول ميناء في الجزيرة ويوجد فيها سجن بورت آرثر الكبير وكان منفى لمجرمين من باقي استراليا التي كانت منفى للمجرمين البريطانيين، كانت القصص التي تحدث مرعبة وكمية القصر الذين ينفون في الجزيرة ليس بقليل، كان بعضهم ينفى لمجرد انه سرق لبس او اكل ما، كان المنفيين يستغلون في الاعمال الشاقة، طبعاً كل هذا كان يحدث للانجليز بين بعضهم، اتذكر اني سألت المرشد هم وضع السكان الاصليين في المعادلة، اين كانوا؟ وماذا حل بهم؟ وهم يعتبرون أكثر جنس بشري معزول عن العالم حيث انهم انفصلوا عن استراليا (جغرافيا) قبل اكثر من ١٠ الاف سنة .. لمدة ١٠ الاف سنة عاشوا بمعزل وسلام عن العالم حتى اتوا البيض وقتلوا جميع السكان الاصليين ومن ضمنهم الاطفال وكبار السن دون اي رحمة وكما فعلوا اينما حلٌوا وكما يقول البيرت شويزير “متى مااراد الرجل الابيض العيش في مكان، قتل سكانه الاصلين وطمس هويتهم” وبالمناسبة مازال السكان الاصليين -وهم الابروجينالز كما يطلق عليهم- يعانون، ومازال الرجل الابيض يدمرهم بوضع محلات الكحول (وهم اكثر جنس بشري يموت بسبب الكحول في العالم) في احياءهم في سدني.
نمت في الليالي الثلاث الأولى في اماكن متعددة في الجانب الشرقي وكان اجملها شاطئ خليج النار والذي كان اخر محطة في الجزء الشرقي قبل الدخول للجنوب الجزيرة صعد في خليج النار الى منارة ايدي ستون (EddyStone) والتي تطل من هاوية مرتفعة جداً على المحيط وتعتبر المنارة المعلم الاهم في المنطقة كلها.. كان جنوب الجزيرة اجمل بكثير من شرقها ولعل اجمل ماشاهدته الشلالات المنتشرة فيها والتي تحتاج للوصل لها الى المشي في غابات ممطرة وكانت الطرق خشبية جميلة لتمنع من الانزلاق اثناء المشي .. كنت وحدي تماماً طوال الوقت.
توقفت بعدها في اخر نقطة جنوبية في الجزيرة وحيث منارة لور هيد (Lower Head) وهي قريبة من ثاني أكبر مدينة في تازمانيا وهي مدينة جورج (Gorge city).
كنت اتوقف متى ماظهر لي شيئ مثير للاهتمام، قليل منها كان يجعلني اندم على ضياع الوقت واكثرها كانت اسطورية، واعتقد ان مايجعل الشي اسطورياً في السفر هو الغير متوقع لانه يرجع لنا شعور الدهشة الذي افتقدناه في حياتنا اليومية وهذا ماجعلني اتوقف في كثير من سفرياتي على التخطيط بتفصيل ممل.
جبل كردال | Cradle Mountain
وصلت بعد عناء طويل الى جبل كرادل وانا منهك من عناء السفر ووجدت الجو ممطر وبارد جداً والضباب يغطي المكان فضعفت نفسي واستأجرت غرفة ب١٧٩ دولار في فندق من اصل فندقين في الجبل كان هو الارخص.
استقيظت في اليوم التالي من نومة أفسد اكتمال جمالها غراب يقرع نافذتي، كان وجوده طوال الصباح ووضعه مريباً، لممت عفشي استعداداً لبدء الرحلة المنتظرة.
لازال الطقس غير مستقراً ابداً .. في ظرف اقل من ساعتين، يتقلب الجو بشكل سريع بين مطر ورياح وثلج وبرد واعتدال في الجو، كان الطقس مربكاً.
وصلت الى المكتب السياحي لجبل كرادل واشتريت تذكرة لدخول المحمية والتي تعتبر مسجل في WOH للتراث العالمي ب٢٥ دولار لمدة يوم كامل.
يوجد في المحمية الكبيرة شلالات وانهار وبحيرات وقمم جبال ونهر الروك الجليدي الذي يصب في بحيرة دوڤ ومسارات للمشي اقصرها ١٠ دقائق واطولها اسبوع كاملاً وحيوانات غريبة لاتوجد الا في جنوب استراليا مثل الووبارت والكنجر الصغير وقنفذ غريب الشكل ليس كالقنفذ المعتاد وارانب برية وشيطان تاسمانيا الذي لا يعيش الا في تاسمانيا.. توجد داخل المحمية باصات تتوقف في اربع محطات اولها المكتب السياحي واخرها بحيرة دوڤ .. لم اكن متجهزا بالعدة اللازمة والتي كان اهمها حذاء مقاوم للماء .. بعد ان افطرت وشربت قهوتي في مواقف السيارات للمكتب، ركبت الباص الذي كان فيه عدد لابأس به من السياح على غير توقعي .. كان الطقس صحوا لحسن حظي .. شاهدنا حيوان الووبارت الضخم والذي حذرنا سائق الباص من الاقتراب منه باقل من مسافة مترين لعضته الموجعة .. كانت المناظر داخل المحمية ساحرة جداً .. ومن شدة جمالها قررت ان اضع الكاميرا جانباً لان الصور لا تنقل ماتراه العين من جمال .. توقف الباص في المحطة قبل الاخيرة “سنيك هيل” لأنزال الركاب الراغبين في مسار المشي الطويل والذي يمتد الى اسبوع كاملاً .. بعد مضي عشرين دقيقة من ركوبي للباص وصلنا الى المحطة الاخيرة وهي محطة بحيرة دوڤ .. سجلت بياناتي في المحطة (اسمي والاماكن التي ارغب في زيارتها من هذه المحطة) .. بدأت المشي في جو غائم .. كان المسار جميلاً جداً مع النباتات التي لاتنبت الا على هذا الارتفاع وصوت خرير المياه ومنظر البحيرة مع قمة جبل كرادل الذي تغطية سحب تتحرك بحركة سريعة نسبيا.