ادراك
١٥ مايو من سنة الكورونا، اكملت الثلاثين عاماً بعد ان كنت اظنها بعيدة جداً، لطالما اعتقدت ان ضبابية الاهداف والرؤيا المستقبلية ستنتهي في الثلاثين وكأن العصا السحرية ستغير كل شي في هذا العمر، وقد قرأت بعد يوم ميلادي بأيام ماقالة جبرا ابراهيم جبر
كلهم في حيرة، هؤلاء الذين هم دون الثلاثين. ويحسبون اننا وجدنا طريقنا، وانتهت حيرتنا، لأننا سبقناهم اليها بعشرة أعوام او خمسة عشر عاما
جبر ابراهيم جبر
اكملت الثلاثين وانا الى اليوم لم اعرف ماهي قصة الشعر المناسبة لوجهي، وكلما اذهب الى الحلاق اطلب رائيه لاكثر قصة تناسبني. اكملت الثلاثين وانا لست متيقن بعد بحبي لتخصصي ووظيفتي، واخترت فقط ان اتاقلم عليها، لانني مؤمن ايمانا تاماً ان الوظيفة مصدر دخل يجب عليك التأقلم عليها، والشغف شيئاً اخرا يختص بك بعيداً عن الوظيفة، ومن جمع بينهما يعتبر حصل على تذكرة الحياة وهم قلة قليلة في العالم.
وجدتني ازداد شكاً في اشياء كثيرة وازداد ثقة في اشياء اخرى. ازداد شكاً في معتقداتي السابقة عن الحياة
رأيت انٌ اكثر الناس ثقة وتمسكاً في ارائهم هم اكثرهم غباءً، لانهم عادة لا يسمعون لغيرهم لايؤمنون بمبدأ التعلم من الغير، مكتفيين بعلمهم وحكمتهم التي لا يشق لها غبار وهم لم يتجاوزوا منتصف العشرين من العمر، تصدمهم الحياة كثيراً ولكن نادرة مايعترفون انهم هم كانوا من تسببوا في الخطأ، تجد ان كلن منهم يصنع شماعة في كل صدمة ليعلق عليها اخطائه .. واغلبهم قد بنى حوله حائطاً منيعاً ضد محاولات الغير، لتقديم نصائح لهم، تجده يحكم على الاخرين ويحلل شخصياتهم ويحكم عليهم ويبحث عن اخطائهم لكنه لا يضع نفسه تحت المايكروسكوب وكلما وجد نفسه محشوراً في زاوية مناقشة اخطاء يثور وقد يبكي احياناً ويطلب عدم مناقشة هذه المواضيع معه .. كانه يكافح ليخفي ضعفه دون ان يعلم انه كان منكشفاً، متقلب المزاج بشكل مخيف، فاذا فرح اراد كل من حوله ان يتفاعل بهذه الطريقة، واذا حزن اراد شفقة ومراعاة من حوله، مع ذلك قد يحاولون بشدة تغيير حياتهم وتطوير شخصياتهم للافضل دون فائدة، لعل نقص الثقة وقبول النفس بأخطائها وعيوبها والعيش بسلام معها ادى لذلك.
تعلمت من ناس كثر، بل تعلمت منهم كلهم، قد اكون شاكراً لبعضهم، فالكذاب علمني اهمية الصدق، والنمام علمني اهمية الوضوح مع الناس، وبدأت فكرة غريبة وجديدة علي وهي اهمية الطاقة في التعامل مع البشر، يوجد طاقة خفية هي من تحدد قبول الشخص ورفضه نفسياً، فأحياناً نجد انفسنا مرتاحين مع اصدقاء نفتح لهم قلوبنا دون ملاحظة، واحياناً نجد انفسنا مع اصدقاء اخرين لا نجد مانتحدث به في كل مره نقابلهم فيها، نجد صعوبة لبدأ نقاش في اي محور، وتجد بعد فترة ان ذات الشخص الذي تصتصعب الحديث معه قد جرحك بكلمة من وراء ضهرك.
تعلمت ايضاً اهمية تنويع اصدقاءك والاستفادة منهم (يختلف عن موضوع الصداقة لمصلحة) فوقود الصداقة هي المصلحة المتبادلة، وهنا تبدو أهمية القيمة الشخصية ودوره في تقديم المصلحة الذي يحتاجها الصديق او الطرف الاخر ، قد تكون المصلحة بسيطة كمناقشة فكرة وتقديم منظور آخر لها.
تعلمت ان على كل شخص صنع وتعزيز قيمة شخصية تميزه عن غيره، بالسفر والتجارب والقراءة والاطلاع والمناقشة بشكل عام.
تعلمت ان على الشخص عدم التفريط بالمجاملة والانسياق مع مجموعة اصدقاء تخالف مبادئه التي يؤمن فيها وتحدد شخصيته، لانه مع الوقت سيذوب معهم لا شعوريا مهما كانت شخصيته قوية وقادرة على التأثير، ستتأثر ولو بشكل جزئي، وعندما ينقطع عنهم الشخص فترة سيستوعب ذلك، لانه مادام داخل دائرة مجموعة الاصدقاء هذه لن يشعر بذلك الى ان يحدث شيئ يجعله يراجع حساباته. حلها ان ياخذ الشخص وقت مستقطعاً من الحياة التي اعتاد عليها. ولا تخسر نفسك في سبيل ارضاء الاخرين، لان اذا خسرت نفسك، بالتأكيد ستخسر الاخرين، هم لم يهتموا بك الا لقيمتك.
كتبت في شهر مايو من عام ٢٠٢٠