وزدنا من الشاذليّة حتى تفئ السحابة*



من أسماء القهوة في اللغة العربية الشاذليّة نسبةً للشاذلي الذي عرّف أهل الجزيرة العربية عليها أو كما يقول عبد الله الناصر في كتابه قهوة نامة " مازال أهل البادية يحملون الامتنان لروح الشاذلي الذي وصّل أرواحهم بالقهوة، فسمّوا قهوتهم العربية بالشاذلية" كانت هذه المرة الثانية التي يمرّ بي هذا الاسم حيث المرة الأولى  كانت في تغريبة القوافل والمطر للشاعر السعودي محمد الثبيتي أحد قصائدي المفضلة التي لا أملّ قراءتها أو الاستماع لها والتي عنوّنت بشطرٍ منها هذه التدوينة، في هذا الكتاب الذي احتوى على ٨ فصول لكلٍ منها دهشته الخاصة عناوين هذه الفصول تكاد تصطف لتكوّن قصيدة نثر بطلتها القهوة، يصف الكاتب رحلته مع القهوة ويسرد تاريخها وتطورها، و قصص اكتشافها، تطورات علاقة البشر بها، اعتبارها كمشروب إسلامي مرة، روحاني مرة ، تحليلها وتحريمها على مرّ العصور والافتاء بأنها مستحبة في الحجاز في العام ١٠٩٠ هـ، حتى العنصرية ضد المرأة طالت القهوة فمنعت النساء من شربها في بعض الأزمان في الجزيرة العربية وأوروبا على وجه التحديد.

في الافتتاحية التي عنونها الكاتب بـِ وصيّة البن يربط بين القهوة والصباح، كأجمل توأمين بالنسبة لي فليس أجمل من مصدري النور في الصباح الشمس والقهوة، ويؤكد على القارئ  بأن يذهب في القهوة وإليها بكل ما يستطيع، فالقهوة طريق للحكايات التي يجب أن لا ننتهي منها، قراءة الكتاب ذكرتني بهذا الطريق الذي سلكته، المرات الأولى التي عرفت طرقاً جديدة لتحضيرها، اكتشاف أنواعها، الأجهزة والأدوات التي جعلتها قريبة مني، الأكواب التي ابتعتها خصيصاً لأجلها حتى أدللها أو أدللني، تذكرت المرات الأولى التي قررنا استبدال البيوت لاجتماعات الصديقات بأماكن قهوة، وطريق القلوب (الأماكن المفضلة) في خرائط قوقل في الرياض والمدن التي اخطط لزيارتها، كما ذكرني الكتاب  بتعاملي مع القهوة كمكافأة أحياناً وأحياناً كمواساة أو كونها وسيلة محببه لتخفيف ضجر الوظيفة حين اختار أن يرافقني كوب القهوة صباحاً إليها.

ومن اللطيف فيه تسمية الأماكن التي تُقدم بها القهوة (المقاهي) ببيوت القهوة وتبدو لي بالإضافة لجمالها حقيقية ففعلاً دفء وحميمية القهوة تحوّل أي مكان إلى بيت، وقد اقتباس ذكره الكاتب تقول جيرترود شتاين "القهوة تمنحك المكان لا بمعناه الجغرافي، بل مكاناً وجودياً في داخلك. القهوة تعطيك الوقت، لا بمعنى الدقائق والساعات بل بمعنى الفرصة".

يأخذ الكتاب صفة أدبية ثقافية بالإضافة للتاريخية، برأيي على كل صاحب بيت قهوة (مقهى) قراءته أو من يخطط لبدء مشروع مشابه لأني متأكدة أنه سيكون مصدر إلهام له من نواحي عدة، وطبعاً أُوصي بقراءته لمحبي ملكة العطور "القهوة".

 

  • الكتاب (قهوة نامه) للكاتب عبد الله حمدان الناصر صادر من دار روايات ومتوفر في مكتبة جرير.

  • تغريبة القوافل والمطر للشاعر محمد الثبيتي على الرابط https://www.youtube.com/watch?v=qcidJBeahbw


Join