نعمة النسيان..
ينسى.. نسِيَ.. نسياناً
نسيانُ الشيء هو فُقدان ذكره، وخلو البالِ منه،
هو أن تفقد لمعة عينيك بمرور ذكر الموقف، وأن تُهمل التفكير بالأمر لساعاتٍ عدّة قد تحرمك لذّة النوم في فراشك، والاستماع لمن يتحدّث أمامك!
إنّ النسيان، نقيض التعلق بالشيئ والتفكير المستمر فيه، ويتجلّى فيه معنى التخلي والتجاوز، ومع ذلك فقد وصف ميخائيل نعيمة النسيان بأنه ذهولٌ طارئ! وما من نسيانٍ مطلق على وجه الأرض.. فما مدى صحة ذلك؟
سواء أكان القول منطقياً وصحيحا أو لا..
فلا يُمكننا أن ننكر أن للنسيان آثاراً إيجابية في حياتنا إذا لم يكن عرَضاً مرضياً، وأنهُ لولاه.. لفقدنا الشعور بكلّ ما حولنا من واقع! ولتوقفت حياتنا عند سنواتنا الصعبة وعقباتنا المؤلمة!
لولا النّسيان.. لماتَ الإنسان كمداً لفرطِ ما يعرف ويعيشُ ويتذكر
للمعلومات رحلة داخل عقولنا.. من بداية سماعها ومرورها وحتى استقرارها في أعماقنا..
تمرّ المعلومة عبر مراحل،
المرحلة الأولى: المعرفة
المرحلة الثانية: التشفير
المرحلة الثالثة: التخزين
المرحلة الرابعة: الاسترجاع، أو النسيان..
فبعد أن نتعرّف على المعلومة ونكتسبها، أو نتعرض للموقف الذي يترسخ في ذاكرتنا وأذهاننا.. تبدأ الذاكرة بتشفير الموقف أو فلترته ليتم ربطه تلقائياً بما بعده من مواقف وأفكار وأقوال حتى تتكوّ، الخبرة وتتراكم الذكريات يوماً بعد يوم، يُخزّن بعدها الموقف في الذاكرة العميقة ليُسترجع عند الحاجة.. أو يُنسى مع مرور الزمن
إذن،
كيف يُخزّن العقل البشري المعلومات ويُصنّفها في الذاكرة؟
وما هي أنواع الذاكرة؟
تُصنّف الملعومات فور دخولها في العقل البشري في تصنيفات أشبه بصناديق داخليةّ.. وعدد هذه الصناديق حتى الآن 4
الذاكرة الحسيّة: وهي ما يدخل الذاكرة عن طريق حواسّنا الخمس/ السمع والبصر واللمس والشمّ والتذوّق.. وتمتاز هذه الذاكرة بابقاء تأثير المُنبّه حتى بعد التوقف عنه.. كأن نتذكر ألحان أغانينا المفضلة دون الاستماع إليها، أو نتذكر مذاق وجبتنا المفضلة دون تذوّقها وهكذا. ومن أكثر الأنماط تداولاً لهذه الذاكرة الذاكرة التصويرية والذاكرة السمعية
الذاكرة قصيرة المدى: وهي الذاكرة التي تعتني بحفظ معلومة مؤقتة. تحتاج لاستخدامها في الوقت الراهن فقط. أو تخزينها كبيانات لربطها بمعلومات سابقة والاستفادة منها..
ذاكرة العمل: وهي الملعومات التي تتخزن ولا يُستفاد منها إلا للقيام بأعمال معيّنة بعد معالجة المعلومات داخل العقل، كأن تتعلم تركيب الرفّ الجديد في المنزل وتقوم بتطبيق ماتعلمته “عملياً”
الذاكرة طويلة المدى: وهي ذاكرة التي تُخزن المعلومات لسنوات بعد معالجتها وترسيخها في الذهن، وتمتدّ قدرتها على التخزين لسنوات وربما لعمر بأكمله.. من الأمثلة على هذه الذاكرة معرفة طريقة فتح العلب، والكتابة بالقلم.. وغيرها من الأفعال الروتينية، ولكنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ استرجاع المعلومات المخزنة سهلٌ دائما! فقد ترى زميلاً لك بالصف بعد سنواتٍ من انهائك للدراسة ولكنك تعجز عن تذكر اسمه..
وأخيراً، الذاكرة الشعورية: وهي ماتتذكره من مشاعرٍ مرتبطة بمواقف معيّنة.. كأن تشعر بالسعادة لمجرد تفكيرك بطفلك، أو تشعر بالحزن حينما تتذكر سفر صديقك.
إنّ الذكريات التي نجت واستقرّت في دواخلنا برغم رحلة العمر وتعرّجاتها، هي التي تشرح أسباب ما نحنُ عليه اليوم من سلوك وقيم ومبادئ، وبالرغمِ من أنّ للذكريات التي نختزلها تأثيراً كبيراً على حياتنا، إلا أن نسيان المؤلم منها بمرور الوقت يمنحنا شعوراً بالخفة والقوة.. والرغبة في المقاومة والمحاولة من جديد!
فكيف تتم عملية النسيان حتى تمكننا من ذلك؟
اختلف التفسير النفسيّ لظاهرة النسيان بين العلماء، ولكنّ القول الأقرب هو أن النسيان يتم بإهمال المعلومات وعدم استخدامها.. أو بضمور الشعور تجاه الذكريات حتى تُنسى مع الوقت، أو بكبتها عمداً..
هل حاولت يوماً أن تتخيل حياةً مُكتظة بالذكريات؟ مثقلة بالمواقف والمشاعر والأشخاص على مرّ السنين؟ هل تخيّلت حجم ما سيتحملله كاهلك وعقلك لتحملها آنذاك؟
ممتنّ لقرائتكم!