المستقبل لا يموت أبدا !
كنت جالسا تحت تلك الشجرة لوحدي.. أفكر في حالي وماذا سيحدث غدا.. كبرت وكبرت معي همومي وما زلت أخاف من الغد وأتمنى رجوع الماضي.. حتى قاطع تلك الأفكار رجل عجوز أتى من بعيد وجلس بجانبي..
ياااه ان الظلة جميلة تحت هذه الشجرة أليس كذلك يا بني؟
نعم يا عم
لا أتصور أن هناك شيء أجمل من هذه الجلسة.. سماء صافية ونسيم بارد وهادئ فقط ينقصها كوب شاي ولمة لطيفة أليس كذلك؟
ضحك العجوز وضحكت معه.
صحيح يا عم
أخبرني يا بني ما الذي يشغل بالك ويؤرقك؟ لا تجاوبني ان لم ترغب بهذا.. لكن عيناك تبوح بما بداخلك شيء، هناك كلام كثير بداخلك.
نظرت له وأنا أنصت، لم أستطع أن أبوح بما في جوفي، وكأن لساني قد عقد، لكنه أكمل حديثه..
أكثر ما نخشاه ونقلق منه هو مستقبلنا.. لأننا نجهل بمجريات الغد.. وما هو القلق؟ هو خوف مصغر يبدأ بشكل قلق صغير يشغل بالنا ويتعب فكرنا ويثقل صدورنا ومع مرور الوقت وكثرة تفكيرنا به يكبر ويصبح عقبة تمنعنا من التقدم..
نحن نخشى المجهول وهذا المجهول لا نعلم عنه شيء لكننا نعظمه ونهوله وهو قد يكون أبسط مما نتصور وبل قد يكون هناك خير وراءه لا نعلمه..
أتدري يا ولدي أكثر شيء أحب أن أتخيل به المستقبل؟
ماذا يا عم؟
هذه الشجرة التي نجلس تحتها.. تبدأ بشكل بذرة لا حول لها ولا قوة ولا تعلم ماذا ستكون في الغد وما الذي سيحدث وما إذا كانت ستكبر لتنمو أم لا.. لكنها تستمر في النمو.. وتصبح شتلة صغيرة لا تعلم إذا كان سينقطع عنها الماء أو ما إن كانت هناك شتلة أخرى ستنافسها على الغذاء لكنها تستمر في النمو ولا تفكر بالأمر.. لتكبر مع الوقت وتصبح شجرة مثمرة لكنها لا تعلم ما إذ كان سيعاملها الغير بلطف مقابل ثمرها، ولكنها عندما تثمر وتعطي دون سؤال وينتشر خيرها في الأرجاء وحتى ان قطعها شخص لغرض ما وظننت أنها ماتت وانتهت.. تعود لتنمو بسبب ذلك العطاء التي نشرته من قبل.. وأصبحت بدل الشجرة عشرة.. هذه الشجرة لم تسأل قط ماذا سيجري في الغد ولم تقلق وتهلع من مستقبلها.. بل عملت من أجله.. حتى آخر لحظة لم تقلق لما سيحدث لها في الغد.. بل ركزت على أن تعيش تلك اللحظة.
نحن نخاف من المستقبل جدا لأننا نعطيه تلك القدرة يا بني.. نمكنه من تحديد مصيرنا ونسلمه مفاتيح السعادة والنجاح.. وإنما هو يوم آخر نعيشه.. طالما أن هناك غد فهذا يعني أن هناك فرصة أخرى نخوضها وننتهزها.. لا يوجد هناك شيء يدعى بمستقبل ضائع أو انتهى مستقبلي أو أيا كان السبب.. فالمستقبل لا يموت أبدا!
ابتسم الرجل العجوز ورحل.. تمنيت لو طال النقاش ونحن نشرب الشاي سويا.. لكن ما زالت كلماته الرنانة تمشي معي حتى هذه الأيام..