ابنتي سلمى

صباح جميل !!... هذا ما راودني حينما استيقظت على نعيق ذلك الغراب، الذي كان واقفا يحدق بي وكأنه يريد أن يخبرني بأن وجهي قبيح! أو هذا ما خيل لي من أسلوب نظراته.

حدقت في فضاء الغرفة الذي عمه الهدوء، بينما كانت أذني تريد أن تبحث عن همسة توحي لها بالحياة، عجبا مالي لا أسمع صوت زوجتي منى؟! والسؤال الأهم أين هي سلمى؟

 رحت أبحث عنهم بالمنزل فلم أجد لهم أثرا وكأنهما قد تبخرا، بينما كنت أبحث عنهم وجدت رسمة جديدة على الثلاجة، رسمة فتاة صغيرة ذات شعر مبعثر بفستان وردي ويتضح أنها سلمى وهناك امرأة كبيرة مبتسمة ذات عباءة سوداء، إنها منى وبجانبهم كلب! أتمنى أنها لا تقصدني به، لكن ما طمأنني أنها تركت رسالة بأسفل الرسمة:
" أتمنى في يوم ميلادي كلبا صغيرا ألعب معه" ورسالة بجانبها كتبت بخط حاد، لا تنسى هدية ابنتك فاليوم قد أكملت سلمى سبع سنين، أحببت أن أذكرك خشية إن كنت قد نسيت من الأصل أن لديك ابنة. ولا تخف فلقد تركت لك ما بقي من العشاء بالثلاجة.  لقد ذهبت مع سلمى الى جدتها لتقضي بعض الوقت الممتع، وتعوضها عن ذلك النقص الذي شاهدته منك؛ البنت لم تعد تعرف أبوها!! "

رسالة قاسية. لكن الجميل أنها تركت بعض الطعام لي ...
زوجة صالحة لعل هذا اللقب يصلح لها ...
لا أنكر أني كنت قاسي مع سلمى، 
لطالما كنت أوبخها على كل صغيرة وكبيرة، على تلك الأغلاط الإملائية حينما كتبت لي رسالة تعبر عن مدى حبها لي أو على أنها لعبت بورق تقاريري لكي ترسم لي وردة ...

 بعيدا عن كل هذه التفاهة والسخرية حقيقة أجهل سبب تعاملي القاسي معها؛ مشاعر سلبية من ضغوطات الحياة كما يسمونها، مدير أصلع يريد أن يتسلق على أكتاف الجميع، أقساط تجعلني معلقا مع هذه الوظيفة، وأهل يحبون أن يقارنوا ,مهما فعلت وقدمت... سوف تكون الطرف الأقل .. حتى تكمل المعادلة ويكونوا سعيدين في حياتهم ليبدوا أنهم الأعلى والأسمى ... عجبا لهم، بل عجبا لي هل بدأت أطبق قانون القوي يأكل الضعيف، ولم أجد سوى هذه الوردة الضعيفة ...
 قاطعني صوت طرق باب، ذهبت لأجده المندوب يحمل معه جريدة هذا اليوم. يا له من تاريخ مشؤم. تركت الجريدة على الطاولة وأعددت بعض القهوة، سخنت الطعام ومع أول لقمة، بدأت تنهال علي تلك الدموع. ما الذي أستطيع ان أقدمه لها، حسنا سوف أحضر لها ذلك الجرو وسوف أحضر عروسة باربي التي طلبتها منذ شهور، لكني كنت أماطلها ... سوف أحاول أن أفتح صفحة جديدة، نعم هذا ما سيحصل. خططت لمجريات اليوم وكيف سوف أفاجئ سلمى، وبينما أنا أقفز بين تلك الأفكار فرحا كطفل صغير، قد أهداه أحد قطعة حلوى. ذهبت لأنهي كوب القهوة، ولفتتني الجريدة، لما تحمله من غموض أحداث قد جمعت كل حدث له قصته وأصحابه، وبينما أنا أقلب الجريدة وجدت هذا الخبر المفجع؛ حادث سير شنيع يودي بحياتي طفلة وأمها ... منى الشريف وسلمى أحمد ... خبر قد نزل كوقع برق على قلبي ... نظرت إلى التاريخ حتى لا أصدق ... لقد سلبت روحي وكأن قطعة الحلوى قد سرقت مني... بل وسرق مني شيء أيضا. أهذا ما أراد أن يخبرني به الغراب .... أأراد أن يعزيني في فقيدي، أم يشمت بي لتقصيري وضعفي. حينما أردت أن أعدل عما جرى، تخبرني الحياة بأن الأوان قد فات ... أهذه النقطة آخر السطر ... إنها طعنة. نهاية قصة لم تكتب بعد ... ونهاية كاتب لم يعرف ما تخفيه الصفحة الأخرى ... جف الحبر، وكسر رأس الريشة، ويبدوا أنه الوداع ...
..................................
-ما هذا الذي بيدك...
-رسالة تحمل قصة حزينة...
-أين وجدتها يا سعادة المفتش...
-بالقرب من الأريكة بعيدة عن الضحية المشنوقة قرابة المترين ...
-يا له من بائس لعين...




للتواصل

تم النشر في 24‏/03‏/2020

Join