بستان العواطف
يحكى أنه في فترة من الزمن وفي قرية صغيرة كان هناك فلاح لديه أرض لا تنبت ومهما حاول فيها لم تكن الأرض تثمر.. أرض جافة قاحلة، وكان أهل القرية يعلمون بهذا لأن الفلاح كان دائما ما يشكوا عن حال هذه الأرض ويتذمر لدى الجيران من هذه الأرض.. لكنه معروف بتمسكه بالأرض وحبه لها ولم ييأس أن يحاول بأي طريقة كانت حتى تثمر هذه الأرض.. وفي مرة أتى كاهل كان قد تعب من ترحاله وأراد أن يرتاح قليلا في هذه القرية وبالصدفة سمع الفلاح وهو يشكوا لأحد ما عن أرضه.. تعجب الكاهل من أمر هذا الفلاح فرغم كل محاولاته اليائسة لم يستسلم أبدا..
فذهب مباشرة إلى الفلاح وأخبره بأن لديه الحل لمشكلته، التف صديقنا الفلاح ليرى من يحدثه وإذ به يرى عجوزا طاعن في السن يبدوا من وجهه أنه انسان طيب وبشوش لذا ارتاح له صديقنا وقال له هات ما لديك كيف سوف تعالج أرضي.. هي ثواني فقط حتى أدخل الكاهل يده في حقيبته ليخرج بوردة حمراء فاقع لونها، وتعجب صديقنا من الأمر فكيف لوردة أن ترجع أرضا ميتة إلى الحياة، أخبره الكاهن أن يزرع هذه الوردة وإن كان فعلا صادقا بشغفه هذا نحو الأرض فسوف تنبت الأرض ورودا بيضاء وسوف تعود الأرض إلى الحياة ورحل دون مقدمات وكان يردد وهو مبتعد “إن كنت صادقا!”..
ذهل الفلاح لكن ما بيده حيلة أخرى وليس هناك مشكلة في التجربة لعلى الكاهل كان صادقا في كلامه.
وبالفعل توجه صديقنا نحو أرضه وهو متعجب من الوردة التي يزعم انها سوف تحل مشكلته. كان للوردة عبير عذب جدا غريب قوامه لكنه كان زكيا ومريح. وفعلا حينما وصل الفلاح زرع الوردة وكان يدور في باله أمر واحد فقط أن تعود هذه الأرض لسابق عهدها وتنبت حقول وبساتين وذهب وهو يملأه الحزن لتذكره الأمر.. أتى في اليوم الثاني ليتفاجأ بأن الوردة أصبحت بستانا كبير، قفز فرحا وأصبح يجري بين الورود وتعلوه ضحكة انتصار.. كانت الورود زاهية اللون بين أحمر وبنفسجي وأزرق.. رأوه الجيران وهم متعجبين مما حصل نظر لهم الفلاح بنظرة غضب وخوف وأخبرهم بأن يذكروا الله وينصرفوا فقد كان خائفا من أن يحسدوه على بستانه الجميل.. وبعد عدة أيام وجد البستان قد كبر ٣ أضعاف المرة الماضية وزادت الألوان بين أصفر ووردي وبرتقالي ولكن.. لم يكن بينهم وردة بيضاء واحدة.. لم يكن سعيد ولا حتى حزين لم يراوده أية مشاعر حول البستان يرى وكأنه امر عادي.. كان قلبه خاويا من المشاعر!.. لم يكن حوله أحد ليشهد الأمر ولم يكن هو الآخر مهتم.. اختفى الفلاح لفترة لكن ظن اهل القرية أنه مهتم ببستانه الذي اصبحوا يرون أطرافه من ضخامة حجمه، اتى الكاهل بعد شهر من الأمر ولاحظ أن القرية يغطيها ورود زاهية اللون فهلع يسأل اين هو هذا الفلاح فدلوه عن المكان وأصبح يجري نحو المكان، تفاجؤوا أهل القرية بالموقف وذهبوا وراءه ليتفقدوا عن الأمر وحالما وصل الكاهل تيقن من أن مخاوفه قد تحققت.. لقد وجد الفلاح في منتصف البستان وبتلات الورد تغطيه من كل مكان وعيناه كانت خاوية يمكنك أن تشعر بالفراغ الداخلي للفلاح إن نظرت إلى عينه.. وهنا علم الكاهل ان الفلاح قد تاه بين أحلامه!.. سألوه أهل القرية عما حصل للفلاح فأخبرهم أنه قد غرق! تعجبوا من الأمر فهم يرونه اماهم ، لم يستمر تعجبهم فقد أكمل كلامه بأنه غرق في بحر أحلامه.. “لا توجد ولا وردة بيضاء واحدة” قالها الكاهل وهو حزين .. في وسط هذا المشهد سأل أحدهم الكاهل لما هو حزين من عدم تواجد وردة بيضاء، أجابه بأن اللون الأبيض يعكس الإرادة! لو كانت لديه الإرادة والعزيمة الكافية لشق طريقه لما غرق.. لكنه لم تكن لديه الإرادة الكافية حتى يحقق الحلم بل استمر في ان يعيش في أوهامه كانت الورود تتغذى على عواطفه.. تلك الهموم والأحزان.. تلك الضحكات.. وتلك الفرحة التي غمرته، أي عاطفه قد كانت في قلبه قد اختفت، لدرجة أنها افقدته الشغف والحماس للانطلاق.. يخبرهم انه لو كانت لديه إرادة حقيقية لجعل من هذه الأرض حقول ولكنه توقف فقط يشاهد جمال الورود..
انتهت القصة.
لكن لم تنتهي هذه الورود من الانتشار.. في حقيقة الأمر كل منا لديه هذه الوردة.. هي فكرة أو مشروع أو حلم أردناه أن يصبح حقيقة.. لكن بدل من العمل عليها.. بدأنا نسبح في خيالاتنا عنها.. نفرح من تواجد هذه الفكرة العظيمة ونحزن مرة على عدم تواجد الوقت لتحقيقها، نغضب ان لم يتقبل هذه الفكرة احد او حاول سرقتها.. كل هذا ولم نتقدم خطوة واحدة لنجتاز حاجز الخيال وندخل عالم الواقع بها.. نحلم فقط ولكن دون تلك الإرادة والعزيمة الطاغية لعبور هذا الحاجز..
توقف عن العيش في هذا البستان واجري نحو تحقيق أحلامك وأهدافك.. فتلك كلها مشاعر واهية! لا حقيقة لها.. دون الإرادة!