ضيف غير مرحب به
تخيل معي عزيزي القارئ أنك على فراشك.. وحولك أحبابك وأصدقاءك وأبناءك وأحفادك.. الكل مجتمع بقربك.. ليودعك!
أنت يا صديقي على فراش الموت الآن( بعد عمر طويل إن شاء الله ) أجواء تعمها الحزن والحب في آن واحد.. هناك من يبكون وهناك من يبتسم وهو يتذكر اللحظات الجميلة التي قضيتموها معا وهناك من انزوى بعيدا يدعوا لك في ظهر الغيب.. وفجأة يطرق باب الغرفة ضيوف غرباء.. لكن الأكيد هم ضيوف غير مرحب بهم فكل من عرفته وكان عزيزا عليك قد زارك.. لم يفتح لهم الباب أحد، لكنهم دخلوا دون إذن وأتوا بقربك في صمت مخيف.. العجيب ان وجوههم قد ألفتها عيناك وعرفتها نفسك.. إنهم أشباح أحلامك! .. أشباح الأفكار التي لم تنفذها أبدا .. أشباح أهدافك التي لم تسعا لها قط.. أشباح مواهبك التي لم تستغلها.. يقفون حولك وهم غاضبين، محبطين ومنزعجين.
ثم يخرج أحد عن صمته ليخبرك ها نحن هنا نودع بعض.. هل عرفتنا ؟؟ ها نحن هنا أمامك.. وسوف نموت معك.. لما لم تخرجنا إلى هذه الدنيا ؟ لما أهملتنا ؟ ولم تسعى لتحقيقنا .. لما تجبرنا على الموت معك!.. أتينا إليك لأننا ظننا أنك ستحضرنا للحياة لكن.. الآن سوف نرافقك لقبرك!
وقف شبح منهم وهو ينظر فيك متحسرا على الوقت التي قضيته دون أن تسعى لتحقيق حلمك فيه.. وقال: كنت دائما قبل أن تنام تردد بعض الكلمات.. لطالما انتظرت أن تتحول هذه الكلمات لواقع يرى الآخرون مدى جمالها..أمضيت حياتك تحلم بـتحقيق (حلمك الذي تحلم به الآن!) .. ظننت أن هذه الكلمات (حلمك) الساحرة سوف تتحقق في يوم.. كل ما أردته أن أرى هذه الأفكار واقعا يتحقق.. شرقت الشمس وانت لا زلت نائم.. والآن خيم الصمت.
السؤال هنا.. كم عدد الأشباح الذي سوف يزورونك حينما يحين وقتك؟؟
أمر مفجع أليس كذلك ؟
دائما ما نفكر في الفصلين الأولين من حياتنا (البداية والحاضر) وننسى الفصل الأخير(النهاية).. الذي لا نعلم متى سوف يحين.. لكننا لا نهتم لمجيئه .. نسير في هذه الدنيا ونظن اننا سوف نعيش أبد الأبدين.. فكرة الموت وحدها تجعلنا نستيقظ من غفوتنا ونرى ماذا قدمنا لأنفسنا.. لأهلنا.. لمجتمعنا.. للبشرية..لآخرتنا؟.. وكأننا نائمين. متغافلين من قدوم تلك اللحظة.. التي حينما تأتي سوف تقول مالذي قدمته لحياتي؟.. فكرة الموت بحد ذاتها حياة.. هي ما تعطي لحياتنا معنى .. فإن تخيلت أنك ستعيش مدى الحياة فكأنك تعيش حفلة مع أصدقائك وأحبابك ولكنها حفلة لا تنتهي.. أعلم أنه تشبيه غريب لكن تخيل معي.. سوف تضحك وتستمتع في البداية وبعدها تألف الأمر ثم ستكرهه وبعدها سوف تحاول الهرب.. لكنه سجن أبدي.. وهنا تفقد الحياة طعمها ومعناها!..
الأثر.. هو ما يجعل من حياتك معنى وهو ما يبقى منك.. إن بقى أثرك الطيب سوف يبقى ليراه أجيال تلو أجيال.. ستبقى في أذهان من يحبوك ومن لم يحبوك أيضا.. لكن يبدوا أن هذا الأثر لا يأتي سهولة.. لذا أتمنى منك يا صديقي أن تجري وراء أحلامك وألا تجعل منها أشباح!
انتهى.