طالب العلم الحديث 2
ولله الحمد، وبعد نشر التدوينة الأولى، أشار الكثير من الأحبة أن أكمل في ذات السلسلة، وأخوض في غمارها وتفاصيلها، وإن شاء الله تعالى تجد هذه السلسلة النور وتترك أثرها في أنفسنا جميعا لنرتقي بمجتمعاتنا وأوطاننا، بتوفيق الله جل وعز.
في الآونة الاخيرة، بات طالب العلم الحديث لا يكاد يقرأ شيئا، وإذا وضعت بين يديه كتابا، يتأفف ويتهرب ويبدأ بصرف الأعذار لك من كل حدب وصوب، وإذا أصريت عليه وقرأ لك بصوت مسموع، ستجد-مع الأسف-اللحن(الخطأ)في نطق الكلمات وربما نستطيع أن نقول “الألحان” وليس اللحن!
هذه المشكلة أدت وما زالت تؤدي لزيادة الجهل في المجتمع!
وظهرت مشكلات كثيرة من وراء هذه الأزمة
أحد هذه المشكلات: “القاعدة العلمية المثبتة: ممممم أحس لا!”
والكثير الكثير من المشكلات التي باتت تأتي لنا من كل حدب وصوب
كل ذلك لأننا أصبحنا لا نقرأ!
إن القراءة عالم جميل، فيه تجد نفسك، وفيه تبحر وتجدف عبر المحيطات وترى جمال البحر ومافيه من عجائب، وتتوقف قليلا، لتقفز من قاربك وتلامس مياه البحر البارد المنعش، وتخترق الماء وترى الَّلآلِئُ(جمع لؤلؤة)، وتأخذ ما تشاء من هذه الَّلآلِئُ، وتغوص وتستكشف هذا البحر دون كلل أو ملل، دون أن ينتهي نفسك!
لأن بحر القراءة مختلف عن بحار الدنيا، فبحر القراءة كل شيء فيه ممكن، تتنفس فيه، وتفتح أعينك فيه دون أن تحترق من مياه البحر، وتنزل للقاع دون أن تنفجر أذنيك من شدة الضغط!
ما سبب العزوف عن القراءة؟
إن العزوف عن القراءة أزمة كما قرأنا، ولا سبيل لحل أزمة، إلا بمعرفة أسبابها، وأكاد أجزم بأن السبب الرئيسي للعزوف، هو أن أكثر الناس لم تعطي قراءة الكتب الفرصة المناسبة!
وإن قرر أحدهم أن يجرب القراءة، تجده يأخذ أصعب الكتب وأثقلها، أو يأخذ كتاب غير مناسب لسنه أو يختار أحد الكتب التي تكون ذات مواضيع غير مناسبة، ثم يقول لك عالم القراءة عالم معقد!
ومع الأسف، نحن اعتدنا أن نقرأ الرسائل القصيرة والنصوص التي لا تتجاوز الخمس أسطر، فلم يعد لنا بال أن نقرأ عدد من الصفحات المكتوبة بعناية ودقة وترتيب!
وأحد أهم الأسباب أيضا، أن الآباء والأمهات أصبحوا لا يقرأون، ولا يعودون أبناءهم على القراءة، فأصبحت المشكلة تتوارث من جيل إلى جيل!
ما علاقة طالب العلم الحديث بكل هذا؟
بسبب العزوف عن القراءة، لم يعد طالب العلم كما كان من قبل، فتجد طالب العلم الحديث يسخط ويتذمر إذا طلب منه معلمه قراءة قطعة معينة أو بحث معين أو كتاب معين!
بل وتجد طالب العلم الحديث لا يقوى على قراءة المنهج الدراسي الخاص به!
فإذا حدد لهم المعلم جزئية الاختبار وكانت طويلة، تجده يبذل كل جهوده للبحث عن ملخص أو تسريبات أسئلة، ولو أنه تحمل وصبر وقرأ وحاول، لكان خرج بفوائد عظيمة!
فإذا كان الطالب لا يكاد يقرأ منهجه بالكامل، فكيف يتوسع في تخصصه ويتعلمه حق التعلم!؟
وكيف بعد ذلك يثري نفسه بالمؤلفات والكتب القريبة من تخصصه؟!
وكيف لطالب العلم الحديث هذا أن يتميز وينال المراتب العليا كما يرجو؟!
إن معظم الطلاب يتعاملون مع المواد المنهجية على أنها مواد نظرية تحفظ غيبا وتنسى بعد الامتحان مباشرة، فلا يعيرون المادة الأهمية اللازمة معتبرين أنها مادة غير أساسية، كما أن الكثير منهم يعتقدون أن الرسالة أو الأطروحة أو المقالة هي عملية تجميع لمعلومات تدور حول موضوع معين، دون يدركوا أن هذه المعلومات التي يتلقونها من الكتب والمحاضرات ليست أكثر من مادة خام عليهم استخدامها بأسلوب وطريقة فنية، أي بمنهجية معينة لإنتاج العمل المطلوب منهم.
الدكتور صالح طليس
لا بُد!
لا بد لطالب العلم الحديث أن يكسر هذه الحواجز التي تمنعه من دخول عالم القراءة، ويبدأ بالتدرج في الدخول، فلا يمكن أن يبدأ أي شخص في أي أمر من أعلى مستوى!
لا بد لطالب العلم أن يبدأ من المستويات الأولى، ويوم عن يوم، وبعد أن يبحر طالب العلم في بحر القراءة، سيجد أنه لا يستطيع أن يتركه ويتخلى عنه، وسيجد أن يومه لا يكتمل إلا بقراءة عدة صفحات تنير له عقله وتعينه على إكمال المشوار!
أخيرا، من غير الصحيح أن يقرأ الطالب كتب تخصصه فقط، لا بد أن يقرأ من خارج تخصصه لأن العلوم متصلة ومترابطة.
وأيضا الكتب المسموعة(الصوتية) جميلة، ولكنها ليست بذات متعة الكتب المكتوبة نهائيا! وليست كل الكتب مسجلة صوتيا، لذلك لا بد من أن نبذل جهودنا للتعود على الكتب المكتوبة، لغد أجمل إن شاء الله!
كُتب بقلم مَحمُود بن عِمَاد خُوجَه
دمتم بخير!