استطراد 2

ما بأنفسهم

تواجه الفطرة السليمة اليوم حربا ضروس، تتساقط فيها المبادئ، تنكسر فيها القِيّم، تتبدل خلالها الأفكار، تتغير أثناءها الوجهة؛ فكيف يواجه “الفرد” هذه الحرب؟
وهل لجهود الفرد نتيجة تنعكس على مجتمعه؟
هل ما سنتناوله في تدوينتكم، استطراد!

إن المسلم المتمسك بقِيّمه ومبادئه في هذه الأيام، يشبه شخصا يريد الخروج من كهف، ولا يمتلك هذا الشخص إلا شعلة وخريطة، وإن انطفئت عليه الشعلة لن يستطيع الخروج!

ولا بد لهذا الشخص -أنثى كانت أم ذكر- أن يسعى جاهدا لإيجاد المخرج قبل أن تنطفئ الشعلة، وإلا سيُحبس هنا، وسيبدأ البرد بمداهمته، والجوع بقرصه، والذئاب بالتهامه..

يبدأ هذا الشخص بالتقدم، باتباع إرشادات الخريطة، دقات قلبه تتسارع، الشعلة التي يحملها بدأت تحرق يديه، لكنه إلى الآن لا يزال صامدا، لا يريد أن يتوقف لأنه يعلم أن المخرج موجود، ولأنه يعلم أنه إذا توقف ليرتاح قليلا، ستنطفئ عليه الشعلة ويبقى حبيسا في هذا الكهف..

بعد أن تقدم هذا الشخص داخل الكهف، بدأ يجد الكثير من الملذات، يجد حوله بعض من المعادن باهظة الثمن، وبدأ يجد حوله أمورا تدعوه إلى الراحة والانشغال عن الهدف، لكنه على يقين بأنه لو توقف ليأخذ من هذه الملذات، فإنه لن يشبع، وسيبقى يأخذ من الملذات حتى تنطفئ الشعلة وتنطفئ معها كل الأمال..

ما زال هذا الشخص يحترق من حرارة الشعلة، بدأت يده بالنزيف، لكنه يعلم أن كل هذا الألم سينتهي -إن شاء الله-، لأنه يمشي وهو على يقين بأن الله الذي أنزل هذه الخريطة وهذا المنهج لن يضيعه، وسيجازيه على سعيه وصبره وتحمله..

هكذا نحن!

نحن في هذه الحياة، كأننا في كهف، لا نمتلك إلا شعلة وخريطة، لا بد أن نحافظ على الشعلة من أن تنطفئ، وأن نحافظ على الخريطة من الضياع..

ومهما اشتدت بنا الأحداث، ومهما رأينا من انطفاء شُعل من حولنا، ومهما عُرضت علينا الملذات والمضيعات، لا بد أن نصمد، لا بد أن نتحمل ونصبر، لأن الخروج من كهف الحياة الدنيا والوصول لنعيم الآخرة برضا الله تعالى سبحانه هو أملنا وغايتنا!

كيف نغيّر حالنا؟!

أعلم أنك الآن تحترق بسبب التمسك بالشعلة خاصتك، وأنك حرمت نفسك من الكثير من الملذات لأنك تمتلك غاية عظيمة..

لذا دعنا نخفف عن بعضنا بتذكر بعض تفاصيل المنهج العظيم الذي وهبه الله لنا، والتي تعيننا إن شاء الله على التخفيف من شدة الفتن ومواجهتها، وتثبتنا على الطريق القويم..

-تذكر عظمة الخالق سبحانه، وأنه قادر على كل شيء، والاعتصام به والتذلل إليه، وأنه سبحانه {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖوَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (سورة البقرة:117)


- الدعاء، كما جاء في كثير من الآيات القرآنية، اذكر منها: 

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚإِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } (سورة آل عمران:8)

ولو تأملت عزيزي القارئ، نحن نحرك ألسنتنا في كل صلاة، ونستمع للإمام عندما يقرأ في الركعات قوله تعالى {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (سورة الفاتحة:6)


-البدء بأنفسنا أولا!
نحن نريد أن ننتصر في الحرب التي يشنها أعداء الإسلام على ديننا، فكيف ننتصر ونحن مقصرون مع أنفسنا؟
كيف ننتصر ونحن لا نحاول أن نتقرب إلى الله ونلتزم بالعبادات؟
كيف ننتصر ونحن لا نتعلم ونتثقف في مختلف العلوم خاصة الشرعية؟
كيف ننتصر ونحن لا نطبق منهج الله؟!
فنجد منا من يكذب ويخون ويغتاب ويأمر بالمنكر وينهى عن المعروف!

بداية التغيير تبدأ من أنفسنا، والله جل وعز يقول {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (سورة الرعد:11)

وبعد أن نغير ما بأنفسنا، نبدأ بالعمل الجماعي بالأقرب ثم الأقرب، وبذلك نطبق قوله عز وجل {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)

هل يستطيع الفرد تغيير المجتمع؟

نعم، ولو تفكرنا في حياة الأنبياء والرسل، نجد أنهم يبدأون لوحدهم، ثم الأقربين لهم، ثم ينشرون دعوتهم للكل، ويبذلون كل طاقتهم وجهدهم للوصول للغاية!

بدأ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بنفسه، ثم بأقرب الناس إليه، إلى أن وصلت دعوته للجن والإنس!

لذلك لا تعتقد بأنك لا تستطيع أن تغير، إبدأ بنفسك، ثم بالأقربين، وستجد أن الأقربين يغيرون من هم حولهم، وينتشر التغيير في أرجاء المجتمع بتوفيق الله!

وفي الختام..

تمسك بشعلتك جيدا بإحدى يديك، وبالأخرى تمسك جيدا بالخريطة!
تحمل واصبر فإن الغاية عظيمة وتحتاج منّا أن نصبر ونتحمل ونستبسل، وبتوفيق الله وحوله والاستعانة به نكون ممن يبدأ التغيير بما يرضي الله سبحانه، ذلك لغد أجمل إن شاء الله!


كُتِب بقلم مَحمُود بن عِمَاد خُوجَه

شرفني على مواقع التواصل أسفل هذا النص
وإن أعجبتك التدوينة لا تنس أن تضغط زر الإعجاب 

وأن تشاركها مع من تحب..
دمتم بخير !