طالب العلم الحديث
3
في الآونة الأخيرة، بات طالب العلم الحديث يحرم نفسه من تذوق حلاوة العلم والشرب من ينابيعه الباردة حلوة المذاق
وبات طالب العلم الحديث يرى أن كل السنين التي انقضت من حياته داخل أسوار المدارس والجامعة هي عبارة عن سنين ضاعت من حياته دون فائدة تذكر!
وبات طالب العلم الحديث لا يفتر يذكر لكل من حوله أنه سيتخلص من هم الدراسة وأن الإجازة ستأتي قريبا أو أنه سيتخرج وسيمحو كل ما يتعلق بمقاعد الدراسة من ذهنه!
ومع الأسف أن من يفكر بهذه العقلية محروم، لماذا؟!
تابع معي تكرما..
لأنه ليست لديه غاية!
إن طالب العلم يكون محروما عندما لا تكون لديه غاية!
لأن عدم وجود الغاية يعني عدم وجود معنى للحياة، ومع الأسف أن الكثير منّا لا تجد له غاية واضحة، تكون الرؤية عنده ضبابية، يمضي بلا وجهة ولا عنوان، وهذا الإنسان الذي لا غاية له، تجده غير مستعد لأن يبذل أي مجهود سواء في طلب العلم أو في أي أمر آخر، لأنه لا يجد لذة في بذل الجهود وصعود الجبال الشاهقة، وذلك لأن الحياة عنده بلا طعم ولا لون!
أن تجد غاية تحيا لها، يعني أن تتلون الأشياء، وتصبح كل الثمار ذات طعم طيب حلو المذاق!
وأسمى الغايات، هي رضا الله جل وعز، فهي الغاية التي تجعل لكل شيء معنى، وهي الغاية التي تجعل قلبك مزهرا، وهي الغاية التي تجعل لك في كل خطوة أجرا ورفعة!
هذه الغاية ستجعلك تفكر في كل تفاصيل حياتك، هل هذا يرضي الله؟ هل هذا يقربني إلى الله؟ كيف يكون عملي مقبولا عند الله؟
وستجد أن هذه الغاية تمنعك من فعل ما لا يرضي الله مهما كانت عوائده الدنيوية من أموال وجاه وسلطة، لأنك عندما تترك شيئا لله، يعوضك الله خيرا منه!
وعندما تكون هذه غايتك، سترضى بكل ما يقسمه الله لك، لأنك تعلم أنه لا يكتب لعباده إلا كل خير، ولأنك تعلم أنه علام الغيوب وقاسم الأرزاق!
باختصار أن تكون غايتك رضا الله جل وعز، يعني أن تحظى بالفوز في ديناك وآخرتك-بإذن الله-!
وعلاقة وجود الغاية بطالب العلم، أنه لا يمكن لطالب العلم أن يشعر بقيمة ما يقوم به من طلب للعلم إلا بعد وجود الغاية في حياته، ولنحذر أن تكون غايتنا دنيوية أو في معصية الله..
ذهب الأجر..
هل تعتقد أن السنين التي ما زلت تقضيها أو قضيتها لا أجر لها عند الله؟!
إنك في كل ثانية تقضيها في طريق العلم-خاصة العلم الشرعي- يكرمك الله بالأجر والثواب!
ولكن ليس كل طالب علم يحصل على ذلك الأجر والثواب، فهذا الأجر والثواب مخصوص لمن نوى أنه يطلب العلم لأجل مرضاة الله واتباع أوامره، ولأجل أن يُسخر هذا العلم لخدمة الإسلام والمسلمين!
أما من أهمل وضيع هذه النية، فقد ضيع الكثير الكثير!
دائما وقبل أن تبدأ عامك الدراسي،اكتب في مذكرتك أو في ورقة أو على هاتفك عبارات تذكرك باستحضار النية، وقبل أن تدخل لقاعة الدراسة وقبل أن تفتح كتابا لتذاكر، تصفح ما كتبت وستجد فرقا كبيرا ملموسا في تعلمك ودراستك، وذكر نفسك دوما بأن الله يراك في كل وقت وحين، ويحب الله أن يراك وأنت تتعلم لأجل رضاه ثم لأجل خدمة دينك وأمتك.
وانتبه! عندما تتعب وتجد أنك بذلت جهودا استنزفت كل طاقتك، لا تتلفظ وتُصرِح بذلك احتسب أجرك عند الله، واحذر زلة اللسان التي قد تحرق كل الأجور التي كتبت لك!
تذكر، استحضر النية الطيبة، واحذر زلات اللسان، وإلا ذهب الأجر..
حُرم المتعة!
عندما يكون طالب العلم يريد التخلص من فترة التعلم والتهرب منها بشتى الوسائل ويستمر بالتذمر والتَشكي بلا كلل ولا ملل، فهذا قد حُرم المتعة!
أي متعة هذه؟!
لطلب العلم متعة منقطعة النظير، لا يعرفها إلا من توقف عن التهرب والتذمر، وبدأ يخوض في واحات طلب العلم، تلك الواحات ذات الجو العليل والأشجار المثمرة والبرك المنعشة والمياه العذبة الجميلة!
تلك الواحات التي مهما مكثت بها ستجد أنها تفصح لك عن كنوزها وروعتها، وستجد في كل وقت وحين ما يزيد تمتعك بالبقاء في هذه الواحات شاسعة المساحات لتلقي المزيد والمزيد من العلم!
هل تريد الدخول والتوغل لهذه الواحات المبهرة المخصصة لطلبة العلم؟!
إذا توقف عن التذمر وعن أفكارك السلبية تجاه طلب العلم-الذي يرضي الرحمن-، وانظر لطلب العلم على أنه مرضاة للرب، ثم زيادة لك ورفعة في العقل!
وفي الختام
طالب العلم الحديث محروم من الغاية والأجر والمتعة بسبب أفكاره السوداوية تجاه طلب العلم وبسبب نفوره!
فلا بد لنا من أن نصحح صورة طلب العلم لدينا، ونتذكر أن غايتنا رضا الله، ونحتسب الأجر عند الرحمن، ونستمتع بواحات العلم، لغد أجمل إن شاء الله!
كُتب بقلم مَحمُود عِمَاد خُوجَه
دمتم بخير!