أشياء لا أحد يقولها لك عن الحمل

حامل لأول مرة، يمكنكن رؤية ذلك في مشيتي وأسئلتي واهتمامي بالتفاصيل

الطبية لحالتي وضيقي منها في ذات الوقت، وقلقي المتزايد من كل شيء أكتشفه

لأول مرة في جسدي. قرأت الكتب والمقالات وكل القوائم الإنجليزية التي وقعت

تحت يدي، تعرفن طبعاً الفقر والجفاف في الإنتاج العربي فيما يخص الحمل والتربية سواء الورقي أو الرقمي، لكنني اكتشفت ذلك في ظهيرة أحد الأيام الأولى من حملي، وبقيت أسير من غرفة لأخرى وأنا أمارس كل أنواع التبرم والشكوى واللوم، وهو نوع من الجفاف الذي يدخلك في حالة تعجبية تأملية، كيف لأمر كبير وعظيم ومليء مثل الحمل والتربية أن لا يكون له إنتاج عربي ولو بسيط، ظننت أنني سأجد الكثير من المحتوى الرقمي خاصة مع انتشار الإنترنت والشبكات الاجتماعية والعادات

الجديدة التي جلبتها، ومنها التدوين أو حتى مجرد المشاركة، وظننت أيضاً أن

النساء عموماً والأمهات خصوصاً سيكن مشغولات بالتدوين ومشاركة تجاربهن ومشاكلهن وحلولهن التي وضعنها مثلما يحدث مع اهتماماتهن المشتركة الأخرى،

لكن ظني لم يكن في محله، ولا أريد أن أخوض في الأسباب واللماذات التي في

رأسي، لكني أكاد أختنق من كثرة الأشياء التي فاجأتني واكتشفتها وأكتشفها كل

يوم مع حملي، وليس عن الحمل فقط، بل عني وعن النساء، والأسواق الجشعة،

والأطباء الذين يقررون أنهم يعرفون جسدك أكثر منك، والأمهات، والمجتمع

طبعاً، حين يكون ظريفاً معك وحين يكون جلفاً، والأمهات ياالله، وربما القليل عن

الآباء أو عن الرجال، المهم، أريد أن أحكي، وأحكي، وأحكي، وشعور صغير في داخلي أني لا أريد أن تمر امرأة بما مررت به دون أن تستطيع أن تجد ولو كلمة بسيطة

من امرأة أخرى تشاركها التجربة.

عادي، هذا يصير لكل الحوامل

الطبيبات والأطباء، والأمهات والقريبات والبعيدات

أشياء لا أحد يقولها لك عن الحمل:

1- هل سمعتن عن Pregnancy glow أو بلغتنا وهج الحمل –الترجمة الحرفية

القاصرة- أو بلهجتنا (الحمل محليها) / (صايرة كيوت على الحمل) –ترجمة دقيقة-؟

هذا غير صحيح، لا أظنه يوجد شيء كهذا، الحمل ثقيل ومنهك ومستنزف وكل

لحظة يصبح أثقل، رؤيتك لحامل متجملة ومتأنقة لمدة دقائق معدودة في مناسبة

اجتماعية لا يعني أبداً أن (الحمل محليها)، يعني فقط أنها مثلك تريد أن تظهر

بأجمل حالاتها في المناسبة فقط، الحقيقة أنها في بقية دقائق اليوم ثقيلة ومنهكة

ومستنزفة.

2- أكثر شيء أخافني وقضيت وقتاً طويلاً في محاولة التكيف معه وتهدئة هلعي منه، واكتشفته بفجاجة الواقع، في الحمل جسمك لا يعود جسمك، جسمك لم يعد

تحت سيطرتك، بافتراض أننا نملك مقداراً معيناً من السيطرة على أجسادنا، لا تعودين تعرفينه، ولا تفهمين إشاراته، وكل شيء فيه مقلوب، وفوق هذا يكبر

بمقدار أسرع من قدرتك على الفهم وعلى شراء ملابس داخلية جديدة. وهنا لا

أعني الكيلوات التي يزيدها الحمل وقلق تغير الجسد فقط، أعني الغربة التي أشعر

بها في جسدي، وفقدان السيطرة التام، والتقلبات المرضية والطبيعية التي تثور

فجأة دون إنذار كحرائق صغيرة ولا أملك إلا الركض هنا وهناك لإطفائها والبحث عن شيء يخففها، أولها كان الألم والتضخم والاحتقان الغريب في وقته وشدته في

منطقة الثديين والرحم، كان شبيهاً جداً بالأعراض التي تسبق نزول الدورة، لكنه

جاء قبل وقته المعتاد وبحدة أكبر. علمت فيما بعد أن تلك كانت أولى علامات الحمل، وكانت طبيبة العيادة الخاصة التي راجعتها قد سألتني عدة أسئلة لتحدد إمكانية الحمل من عدمها، ومنها عن انتفاخ واحتقان الثديين والرحم.

يزيد من هذه الغربة أن لا أحد يشير إليها أصلاً، ومهما حاولت صياغة شعوري

لإحداهن بكلمات مفهومة إما لا أستطيع توصيل الفكرة أو أنها تجيبني: عادي

بتتعودين. والإجابة الأسوأ يفوز بها الطب، سواء طبيبات أو أطباء: عادي طبيعي في الحمل/ أغلب الحوامل كذا. سأعود لهذا في وقت آخر.

للأمانة قضيت أشهراً حتى وصلت لمعرفة أن كل هذه المشاعر والانزعاج والهلع

مرده للغربة التي أشعر بها في جسدي، وفقداني لكل الإشارات المألوفة والمفهومة منه، في البداية ظننته هلعاً من مجرد تغير شكل جسدي وضيقي من ملابسي

وضغط البناطيل على منطقة الخصر، وحاولت تهدئة نفسي بتكرار أن كل هذا مؤقت ثم سيعود جسدي لشكله المعتاد مع الرياضة والحمية، لم تنفع كل هذ التهدئات، وكنت لا أحب رؤية اتساع استدارة خصري، ولا أحب رؤية جسدي عموماً، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن أصبحت مهووسة بفحص كل تغير بسيط في جسدي أمام المرآة يومياً، ثم الانزعاج والاكتئاب والشكوى من حالتي، وكل تغير بسيط لا يكاد يرى يتضخم في عينيّ حتى أراه كلما تحركت. كانت مشاعري مضطربة تجاه الحمل، كنت سعيدة بحصوله، لكنني لم أكن سعيدة أبداً بكل التغيرات التي أحدثها حصوله، بل كرهتها وكرهت عدم التحكم وفقدان السيطرة التام على جسدي. كانت إحدى قريباتي الأقدر على التقاط فكرتي من بين كلامي الكثير عن مخاوفي وقلقي في بدايات

الحمل فأخبرتني أنها لم تعان أبداً من الغربة لأنها كانت ترى أن نتيجة هذه

التغيرات هو الأطفال الذين حظيت بهم.

لا أستطيع أن أحدد نقطة معينة تغير فيها شعوري، ولا أدري هل تغير لأنني

فهمت أن ما أشعر به غربة في جسدي؟ أم أن تغير شعوري تجاه تغيرات الحمل

ساعدني في الوصول لفهم لتفسير حالتي ومشاعري المضطربة.



Join