مقدمة الكتاب
إنّ هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسّنّة وشرائع الدين وعلم الحلال والحرام، دال على معالي الأمور مرشد لكريم الأخلاق زاجر عن الدناءة ناه عن القبيح باعث على صواب التدبير وحسن التقدير ورفق السياسة وعمارة الأرض وليس الطريق إلى الله واحدا ولا كل الخير مجتمعا في تهجّد الليل وسرد الصيام وعلم الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة وأبواب الخير واسعة وصلاح الدين بصلاح الزمان، وصلاح الزمان بصلاح السلطان، وصلاح السلطان بعد توفيق الله بالإرشاد وحسن التبصير.
وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة وما روى عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مرّ بك، أيها المتزمّت، حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.
واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخّص فيما تشدّدت فيه محتاج إليه، وإنّ الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيهيّأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقّي المتزمّتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك.
وإذا مرّ بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنّك الخشوع أو التخاشع على أن تصعّر خدّك وتعرض بوجهك فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزّور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب. قال رسول الله ﷺ: «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» . وقال أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، لبديل بن ورقاء ،- حين قال للنبيّ ﷺ إنّ هؤلاء لو قد مسّهم حزّ السلاح لأسلموك-: «إعضض ببظر الّلات ، أنحن نسلمه!» . وقال عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه: «من يطل أير أبيه ينتطق به» .
ولم أترخّص لك في إرسال اللسان بالرّفث على أن تجعله هجيّراك على كل حال وديدنك في كل مقال، بل الترخّص منّي فيه عند حكاية تحكيها أو رواية ترويها، تنقّصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض، وأحببت أن تجري في القليل من هذا على عادة السّلف الصالح في إرسال النّفس على السجيّة والرغبة بها عن لبسة الرياء والتصنع. ولا تستشعر أنّ القوم قارفوا وتنزّهت وثلموا أديانهم وتورّعت.
شرعيات
لزيادة القمر إلى أن يصير بدرا أثر في زيادة الدّم والدماغ وجميع الرّطوبات
عامر بن عبد قيس العنبريّ كان يقول: أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهنّ مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحا لم أبال على ما أصبح:
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
قال رجل يوما لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد؟ قال: ما هو؟ قال: يقولون إن الله تعالى يقول: أيّما عبد كانت له إليّ حاجة فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته؛ فقال له: يابن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد الله بن جدعان:
إذا أثنى عليه المرء يوما ... كافه من تعرّضه الثناء
فكيف بأكرم الأكرمين!.
ذكر الظلم في مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب الله المنزّل أنّ الظلم يخرب الديار. فقال ابن عباس: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله، عزّ وجل: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا
قال أبو المعتمر السّلميّ: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط، فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعزّ القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله بتوقّع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط وأكثر الشرّ مع الفقراء والأغنياء لسخف الفقر وبطر الغنى.
عن وهب قال: «إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوة لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهمّ، أعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار» . فيقال: إنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.
أبو الدّرداء قال: أيها الناس: عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم.
قال بعض الحكماء: قد جمع الله لنا أدب الحرب في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
قال الحسن: قد ذكر الله الثقل في كتابه قال: فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا
كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال الله تعالى؛ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ، والمكر قال الله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ، والنّكث قال عزّ وجل: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ
قيل للعتّابيّ: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنة.
قال ابن التّوءم: كلّ من كان جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيّأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكر. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع على جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له.
فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر الله تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين وتعظيم من هو أسنّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لأن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصد إليها. ألا ترى أنّ عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون لله أو لغير الله؛ فإن كانت لله فثوابه على الله؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلّما إلى حاجته وسببا إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إياي طلبا للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارة؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروف؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنّما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه
قال خلّاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن القسّ ، وهو مولى لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مرّ يوما بسلّامة وهي تغنّي، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك في أن تدخل وتستمع؟ فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها ولا تراك، ففعل، ثم غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك في أن أحوّلها إليك؟ فتأبّى. ثم أجاب، فلم يزل به حتى شغف بها وشغفت به، وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوما وقد خلوا: أنا والله أحبّك؛ فقال: وأنا والله أحبّك. قالت: فأنا أحبّ أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله. قالت: وأنا والله أحبّ أن أضع صدري على صدرك؛ قال: وأنا والله. قالت: فما يمنعك؟ والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعة، ثم قال: إني سمعت الله يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) وأنا والله أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة؛ ونهض وعاد إلى طريقته التي كان عليها. وفيه قيل:
لقد فتنت ريّا وسلّامة القسّا ... ولم تتركا للقسّ عقلا ولا نفسا
ومن شعره فيها:
أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أنّي أطيع القلب قالا
حياء منك حتى شفّ جسمي ... وشقّ عليّ كتماني وطالا
وهو القائل:
قد كنت أعذل في السّفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيّام
فاليوم أرحمهم وأعلم أنّما ... سبل الغواية والهدى أقسام
قال الشّعبي: تعايش الناس زمانا بالدّين والتّقوى، ثم رفع ذلك فتعايشوا بالحياء والتذمّم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس إلا بالرغبة والرهبة، وأظنه سيجيء ما هو أشدّ من هذا.
باع عبد الله بن عتبة أرضا بثمانين ألفا، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخرا! فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرا لي عند الله، وأجعل الله ذخرا لولدي، وقسم المال.
قدم ابن جامع مكة بخير كثير؛ فقال ابن عيينة : علام تعطيه الملوك هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء ؟ قالوا: يغنّيهم؛ قال: ما يقول؟ فاندفع رجل يحكيه وقال:
أطوّف بالبيت فيمن يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل
قال: أحسنت، هيه! فقال:
وأسجد بالليل حتّى الصّبا ... ح أتلو من المحكم المنزل
فقال: جزاه الله عن نفسه خيرا! هيه! فقال:
عسى كاشف الكرب عن يوسف ... يسخّر لي ربّة المحمل
فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث ، اللهمّ لا تسخّرها له!.
قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد النبيّ ﷺ إلا كذبة واحدة، كنت أرحّل لرسول الله ﷺ فجاء رجل من الطائف فقلت: الطائفيّة المكيّة، فرحّل بها؛ فقال رسول الله ﷺ: «من رحّل لنا هذا» فقالوا: الطائفيّ؛ فقال: «مروا عبد الله فليرحّل لنا» فعدت إلى الرّحال.
قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك.
وقال رجل لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنمّ عليك من اللسان.
نظر أشعب يوما إلى ابنه هو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بنيّ نظرك هذا يحبل.
ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسلوّ عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميّز أهل الحقّ وأهل الباطل ففي أيّ الفريقين يكون الغناء؟ قالوا: في فريق الباطل؛ قال: فلا حاجة لي فيه.
قال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
وكان يقال: لو نهي الناس عن فتّ البعر لفتّوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيء.
عن الفضيل أنه سمعه يقول: إن الفاحشة لتشيع في الذين آمنوا حتى إذا صارت إلى الصالحين صاروا لها خزّانا.
قال الفضيل : حسناتك من عدوّك أكثر منها من صديقك، لأن عدوّك إذا ذكرت عنده يغتابك وإنما يدفع إليك المسكين حسناته.
مرّ ابن سيرين بقوم فقام إليه رجل فقال: يا أبا بكر، إنا قد نلنا منك فحلّلنا، فقال: إني لا أحلّ لك ما حرّم الله عليك، فأما ما كان إليّ فهو لك.
وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال: بلغني أنك نلت منّي، فقال: نفسي أعزّ عليّ من ذلك.
العتبيّ قال: تنقّص ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال له أبوه: لا تتنقّصه يا بنيّ، فإنّ بني مروان ما زالوا يشتمونه ستّين سنة فلم يزده الله إلا رفعة، وإن الدّين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته.
قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما تقول الناس فيك؛ قال: أفتسمعني أقول فيهم شيئا؟ قال: لا؛ قال: إيّاهم فارحم.
قال رجل لقوم يغتابون ويكذبون: توضّأوا فإنّ ما تقولون شرّ من الحدث.
قال الحسن: لا غيبة إلا لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر.
قال عيسى عليه السلام : لا يسب نبي ولا يحقّر إلا في مدينته وبيته
الأصمعيّ قال: حدّثنا رجل عن عمران بن حدير قال: قرأت على أعرابيّ آخر سورة «براءة» فقال: كان هذا من آخر ما نزل. قالوا: كيف؟ قال: أرى أشياء تقضى وعهودا تنبذ. قال: وقرأت عليه سورة الأحزاب فقال: كأنها ليس بتامّة.
سمع أعرابيّ ابن عباس وهو يقرأ: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يدخلهم فيها؛ فقال ابن عباس: خذها من غير فقيه.
عن الأصمعيّ أنه رثى سفيان بن عيينة فقال: [بسيط]
فليبك سفيان باغي سنّة درست ... ومستبيت أثارات وآثار
ومبتغي قرب إسناد وموعظة .. وأفقيّون من طار ومن طار
أمست مجالسه وحشا معطّلة ... من قاطنين وحجّاج وعمّار
من للحديث عن الزّهريّ حين ثوى أو للأحاديث عن عمرو بن دينار
لن يسمعوا بعده من قال حدّثنا الزّهريّ من أهل بدو أو بإحضار
لا يهنأ الشامت المسرور مصرعه .. من مارقين ومن جحّاد أقدار
ومن زنادقة، جهم يقودهم ... قودا إلى غضب الرحمن والنار
وملحدين ومرتابين قد خلطوا ... بسنّة الله أهتارا بأهتار
عن شقيق البلخيّ أنه أطرى يوما أبا حنيفة رحمه الله بمرو فقال له عليّ بن إسحاق: لا تطره بمرو فإنهم لا يحتملون ذلك؛ فقال شقيق: قد مدحه مساور الشاعر فقال:
إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه
أتيناهم بمقياس صحيح ... تلاد من طراز أبي حنيفه
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه
فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا:
إذا ذو الرّأي خاصم في قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفه
أتيناهم بقول الله فيها ... وآثار مبرّزة شريفه
فكم من فرج محصنة عفيف ... أحلّ حرامه بأبي حنيفه
قال محارب بن دثار: إنما سمّوا أبرارا لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك عليك حقّا، فكذلك لولدك عليك حقّ.
وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقّك عليّ لا يذهب صغير حقّي عليك، والذي تمتّ به إليّ أمتّ بمثله إليك، ولست أزعم أنّا على سواء.
وكان يقال: ابنك ريحانك سبعا، وخادمك سبعا، ثم عدوّ أو صديق.
الرقائق والسلوك
محمد بن كعب قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهّده في الدنيا وفقّهه في الدّين وبصّره عيوبه.
قال سلمان : القصد والدوام وأنت السابق الجواد
كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله: يا بنيّ، إتق الله، فإنه من اتّق الله وقاه، ومن توكّل عليه كفاه، ومن شكره زاده، فلتكن التقوى عماد عينيك وجلاء قلبك، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له.
أبو إدريس الخولاني : المساجد مجالس الكرام
قال يوسف بن أسباط: يجزي قليل الورع من كثير العلم، ويجزي قليل التواضع من كثير الاجتهاد.
عن الحسن قال: ذمّ الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السرّ.
وكان يقال: من أظهر عيب نفسه فقد زكّاها
قال عليّ بن الحسين: لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشرّ ما لا يعلم، ولا يصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشكا أن يفترقا على غير طاعة الله.
في بعض الحديث المرفوع: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه»
في بعض الحديث أنّ عيسى بن مريم لقي رجلا فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبّد. قال: من يعود عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
قال معمر: رأيت قميص أيوب يكاد يمسّ الأرض، فكلمته في ذلك فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في تذييل القميص وإنها اليوم في تشميره.
قال مطرّف: أنظروا قوما إذا ذكروا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وانظروا قوما إذا ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم. كونوا بين هؤلاء وهؤلاء.
قال داوود : يا ربّ كيف أحبّبك إلى خلقك؟ قال: تذكّرهم آلائي.
في بعض كتب بني إسرائيل : كيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ويتقوّون عليه بطعمة الحرام؟ كيف أنوّر صلاتهم وقلوبهم صاغية إليّ من يحادّني وينتهك محارمي؟ أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والعمل من ذلك بعيد؟ أم كيف تزكو صدقاتهم وهي من أموال غيرهم؟ إنما أجزي عليها المغصوبين. وإنّ من علامة رضاي رضا المساكين.
قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تعجبكما زينة ولا ما متّع به، ولا تمدّا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين. ولو شئت أن أزيّنكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أنّ مقدرته تعجز عما أوتيتما فعلت، ولكنّي أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما؛ وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة وإني لأحميهم عيشها وسلوتها كما يجنب الراعي الشفيق إبله مبارك العرّ ، وما ذاك لهوانهم عليّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفّرا لم يكلمه الطمع ولم يطبّعه الهوى. واعلم أنه لن يتزيّن العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا
وفيما قال للحواريّين: بحقّ أقول لكم: إنّ شجر الأرض بمطر السماء تعيش وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة تبصر وتهتدي؛ بحقّ أقول لكم : إنه من ليس عليه دين أروح وأقلّ همّا ممن عليه دين وإن حسن قضاؤه، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح وأقلّ همّا ممن عمل بها وإن حسنت توبته. .. إنّ الجسد إذا صلح كفاه القليل من الطعام، وإنّ القلب إذا صحّ كفاه القليل من الحكمة .. إنكم لا تدركون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تحبّون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنّظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة. طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصره!
عن وهب بن منبّه قال: أجد في الكتاب أنّ قوما يتدّينون لغير العبادة، ويختلون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون مسوك الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل وأنفسهم أمرّ من الصبر، أبى يغترّون! أم إياي يخادعون! أقسمت لأبعثنّ عليهم فتنة يعود الحليم فيها حيران.
قرأت في الإنجيل: «لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسدها السّوس والدود وحيث ينقب السراق، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم.
عن وهب بن منبه قال : لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما السلام ويجعله قربانا، أسرّ ذلك إلى خليل له يقال له: العازر؛ فقال له الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك، ولكنّه يريد أن يجرّبك ويختبرك، وقد علمت أنه لم يبتلك بهذا ليفتنك ولا ليضلّك ولا ليعنتك ولا لينقص به بصيرتك وإيمانك ويقينك، ولا يروّعنّك هذا ولا تسوءنّ بالله ظنّك، وإنما رفع الله اسمك في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعك بقدر ذلك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر إلا فضل صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلا فضل ثوابك، وليس لأهل البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضل شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرم في نفسه وأعدل في حكمه وأعدل في عباده من أن يجعل ذبح الولد الطيّب بيد الوالد النبيّ المصطفى؛ وأنا أعوذ بالله من أن يكون هذا منّي حتما على الله أو ردّا لأمره أو سخطا لحكمه على عباده، ولكن هذا الرجاء فيه والظنّ به. فإن عزم ربك على ذلك فكن عبدا أحسن علمه بك؛ فإني أعلم أنه لم يعرّضك لهذا البلاء العظيم إلا لحسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك للناس إماما؛ ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
لمّا قتل عبد الله بن الزّبير وجد الحجّاج فيما ترك صندوقا عليه فقال حديد، فتعجّب منه وقال: إنّ في هذا شيئا، ففتحه، فإذا صندوق آخر عليه قفل ففتحه فإذا سفط فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث خلفا ، والميعاد خلفا، والمقنب ألفا، وكان الولد غيظا، والشتاء قيظا؛ وغاض الكرام غيضا، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفرة ، في جبل وعر، خير من ملك بني النّضر. حدّثني بذلك كعب الحبر.
قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكى أبي فكتب إلى بكر بن عبد الله يسأله أن يدعو له، فكتب إليه بكر: يحقّ لمن عمل ذنبا لا عذر له فيه، وتوقّع موتا لا بدّ له منه، أن يكون وجلا مشفقا، سأدعو لك، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوّة في عمل، ولا براءة من ذنب، والسلام.
عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدت مالك بن دينار يوما وقيل له: يا أبا يحيى، أدع الله أن يسقينا، قال: تستبطئون المطر! قالوا: نعم؛ قال: إنني والله أستبطىء الحجارة.
عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، إنّ الله يؤتي المال من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يؤتي الإيمان إلا من يحب. فمن ضنّ بالمال أن ينفقه، وهاب العدوّ أن يجاهده، والليل أن يكابده فليكثر من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
عن سليم بن منصور عن أبيه قال: كنت بالكوفة فخرجت في بعض الليل لحاجة وأنا أظنّ أنّي قد أصبحت فإذا عليّ ليل فملت إلى بعض أبوابها أنتظر الصبح فسمعت من وراء الباب كلام رجل وهو يقول: فوعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظرك مستخفّ، ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك شقوتي، وغرّني سترك المرخى عليّ، فعصيتك بجهل وخالفتك بجهل، فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي، فواسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل للمخفّين: جوزوا وللمثقلين: حطّوا؛ أفمع المثقلين أحطّ أم مع المخفّين أجوز؟ ويلي! كلّما كبرت سنّي كثرت ذنوبي؛ ويلي! كلّما طال عمري كثرت معاصيّ فمن كم أتوب! وفي كم أعود! أما آن لي أن أستحي من ربّي؟
عتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله! سبحانك ما أوحش الطريق على من لم تكن أنيسه!.
كان يزيد الرّقاشيّ يقول: ويحك يا يزيد! من يصوم عنك! من يصلّي عنك! ومن ذا يترضّى لك ربّك من بعدك! ثم يقول: يا معشر من الموت موعده، والقبر بيته ألا تبكون؟ قال: فكان يبكي حتى تسقط أشفار عينيه.
قالت خنساء: كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكي له اليوم من النار.
قيل للحسن: ما بال المتهجّدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره.
عن عبد الله بن مسعود قال: كونوا ينابيع العلم، مفاتيح الهدى، أحلاس البيوت، جدد القلوب، خلقان الثياب، سرج الليل، تعرفوا في أهل السماء، وتخفوا في أهل الأرض.
قال المنصور عند موته: اللهمّ إن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا أنت، منّا منك لا منّا عليك
عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «توفّي رسول الله ﷺ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها إشرأبّ النفاق بالمدينة وارتدّت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغنائها في الإسلام» . وكانت مع هذا تقول: «من رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان، والله، أحوزيّا نسيج وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها» . وقالت عند قبره: «رحمك الله يا أبت! لقد قمت بالدين حين وهي شعبه وتفاقم صدعه ورجفت جوانبه؛ انقبضت مما أصغوا إليه ، وشمّرت فيما ونوا فيه واستخففت من دنياك ما استوطنوا وصغّرت منها ما عظّموا ورعيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا عنان الأمن واقتعدت مطيّ الحذر، ولم تهضم دينك ولم تشن غدك ففاز عند المساهمة قدحك وخفّ مما استوزروا ظهرك» . وقالت أيضا عند قبره: «نضّر الله وجهك يا أبت! فلقد كنت للدنيا مذلّا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجلّ الرزايا بعد رسول الله ﷺ، رزؤك وأكبر المصائب فقدك، إنّ كتاب الله ليعد بجميل العزاء عند أحسن العوض منك، فأنا أتنجّز من الله موعوده فيك بالصبر عليك، واستعيضه منك بالاستغفار لك؛ عليك سلام الله ورحمته، توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك»
الشيب خطام المنية وبريد الموت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخضبوا بالسّواد، فإنه أنس للنساء وهيبة للعدوّ.
قال ابن مسعود: الدنيا كلّها غموم، فما كان فيها من سرور فهو ربح.
قال محمد بن الحنفية: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا.
وقال بعض الحكماء: مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرّتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
قال سفيان: ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.
وقال آخر: إن الدنيا قد استودقت وأنعظ الناس .
قال وهيب بن الورد: من أراد الدنيا فليتهيّأ للذلّ.
قيل لمحمد بن واسع: إنك لترضى بالدّون؛ فقال: إنما رضي بالدّون من رضي بالدنيا.
قيل لعليّ بن الحسين: من أعظم الناس خطرا؟ فقال: من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.
قال المأمون : لو سئلت الدنيا عن نفسها ما أحسنت أن تصف نفسها صفة أبي نواس في هذا البيت:
إذا اختبر الدنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدوّ في ثياب صديق
قال عمرو بن عبيد للمنصور : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تمخّض عن يوم لا ليلة بعده؛ فوجم أبو جعفر من قوله؛ فقال له الربيع: يا عمرو، غممت أمير المؤمنين؛ فقال عمرو: إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه أن ينصحك يوما واحدا وما عمل وراء بابك بشيء من كتاب الله ولا سنّة نبيّه؛ قال أبو جعفر: فما أصنع؟ قد قلت لك: خاتمي في يديك فتعال وأصحابك فاكفني؛ قال عمرو: أدعنا بعدلك تسخ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مظلمة اردد منها شيئا نعلم أنك صادق.
مقام أعرابيّ بين يدي سليمان قام فقال: إني مكلّمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغلظة فاحتمله إن كرهته، فإنّ وراءه ما تحبّه إن قبلته؛ قال: هات يا أعرابيّ؛ قال: فإني سأطلق لساني بما حرست عنه الألسن من عظتك تأدية لحقّ الله وحقّ إمامتك، إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، فابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربّهم، خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنّهم لن يألوا الأمانة تضييعا والأمة عسفا وخسفا، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإنّ أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أمّا أنت يا أعرابيّ فقد سللت لسانك، وهو أقطع سيفيك؛ فقال: أجل، لك لا عليك.
قال الأوزاعي للمنصور كلاما فيه : فأعيذك بالله أن يخيّل إليك أنّ قرابتك برسول الله ﷺ تنفع مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله ﷺ: «يا صفية عمّة محمد ويا فاطمة بنت محمد، استوهبا أنفسكما من الله إني لا أغني عنكما من الله شيئا» . وكان جدّك الأكبر سأل رسول الله ﷺ إمارة؛ فقال: «أي عمّ نفس تحييها خير لك من إمارة لا تحصيها» ، نظرا لعمه وشفقة عليه أن يلي فيجور عن سنته جناج بعوضة، فلا يستطيع له نفعا ولا عنه دفعا. هذه نصيحتي إن قبلتها فلنفسك عملت، وإن رددتها فنفسك بخست
قال الحسن : صحبت أقواما كانت صحبتهم قرّة العين وجلاء الصدور، وكانوا من حسناتهم أن تردّ عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا عليها، وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم الله عليكم.
قال رجل ليونس بن عبيد: تعلم أحدا يعمل بعمل الحسن؟ قال: والله ما أعرف أحدا يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل: فصفه لنا؛ قال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلّا له.
قال يوسف بن أسباط: لو أنّ رجلا في ترك الدنيا مثل أبي ذرّ وأبي الدّرداء وسلمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا على ترك الحلال المحض، والحلال المحض لا نعرفه اليوم، وإنما الدنيا حلال وحرام وشبهات؛ فالحلال حساب، والحرام عذاب، والشبهات عتاب؛ فأنزل الدنيا منزلة الميتة خذ منها ما يقيمك، فإن كان ذلك حلالا كنت زاهدا فيها، وإن كان حراما لم تكن أخذت منها إلا ما يقيمك كما يأخذ المضطرّ من الميتة، وإن كان عتاب كان العتاب يسيرا.
قال بعضهم : ليس الزهد بترك كلّ الدنيا، ولكن الزهد التهاون بها وأخذ البلاغ منها. قال الله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) فأخبر أنهم زهدوا فيه وقد أخذوا له ثمنا.
أوصى ابن محيريز رجلا فقال: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف وتسأل ولا تسأل وتمشي ولا يمشى إليك، فافعل.
قال أيّوب: ما أحبّ الله عبدا إلّا أحبّ ألّا يشعر به.
جاء شريح بن عبيد إلى أبي عائذ الأزدي فقال: يا أبا عبد الله، لو أحييت سنّة قد تركها الناس: إرخاء طرف العمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان أحسنها! تركها الناس فتركناها، ما أحبّ أن أعرف في خير ولا شرّ.
وقال السريّ: ليس من أعلام الحبّ أن تحبّ ما يبغضه حبيبك.
أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: أمّا زهدك في الدنيا فتعجّلك الراحة لنفسك، وأمّا انقطاعك إليّ فتعزّزك بي، ولكن هل عاديت لي عدوّا أو واليت لي وليّا؟
كان بشر بن الحارث يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبير عمل في الظّاهر إلا بطيب المطعم: إبراهيم بن أدهم وسالم الخوّاص ووهيب المكّي ويوسف ابن أسباط.
ابن عيينة يقول: أربع ليس عليك في واحدة منهنّ حساب: سدّ الجوعة، وبرد العطشة، وستر العورة، والاستكنان؛ ثم تلا: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
بلغني عن يعلى عن سفيان: قال عليّ عليه السلام لرجل: كيف أنتم؟ قال: نرجو ونخاف؛ قال: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف؟ وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو؟.
عن مكحول قال: إن كان الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة. وبلغ الفضيل هذا فقال: سمعتم كلاما أحسن منه!
قال ابن المبارك: ركبت مع محمد بن النّضر الحارثيّ السفينة فقلت: بأيّ شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ فقال: إنما هي المبادرة؛ فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشّعبيّ.
قال أبو حازم: إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يكفيك ففي أدناها ما يكفيك، وإن كنت لا ترضى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك.
نظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال: موعدك الجنّة. ومرّ بالجزّارين فقال له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمين فاشتر منه؛ قال: ليس عندي ثمنه؛ قال: أنا أنظرك؛ ففكّر ساعة ثم قال: أنا أنظر نفسي.
عن أسد بن موسى قال: في الجوع ثلاث خلال: حياة القلب، ومذلّة النفس، ويورث العقل الدقيق السماويّ.
ابن أبي الحواريّ قال: ذكرت لأبي سليمان امرأتي والشغل بها، فقال: إن علم الله من قلبك أنك تريد الفراغ له فرّغك، وإن كنت إنما تريد الراحة منها لتستبدل بها، فهذه حماقة.
أبو سليمان حين أراد الإحرام فلم يلبّ حتى سرنا مليّا وأخذه كالغشي وجعل رأسه عند ركبته فجعل محمله يخفّ ومحملي يثقل حتى سرنا هويّا ، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بلغني أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام «يا موسى مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلّوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنة حتى يسكت» . ويحك يا أحمد بلغني أنه من حجّ من غير حلّه ثم لبّى، قال له تبارك وتعالى: لا لبّيك ولا سعديك حتى تردّ ما في يديك؛ فما يؤمّننا أن يقال لنا ذلك.
قال مكحول: الجنين في بطن أمّه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتمّ، فيأتيه الله برزقه من قبل سرّته، وغذاؤه في بطن أمه في دم حيضها، فمن ثمّ لا تحيض الحامل، فإذا سقط استهلّ استهلالة إنكارا لمكانه، وقطعت سرّته وحوّل الله رزقه إلى ثدي أمه ثم حوّله إلى الشيء يصنع له ويتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال: أين لي بالرزق؟ يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حجرها ترزق حتى إذا عقلت وشببت قلت: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق؟ ثم قرأ: يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ
دخل رجل على داود وهو يأكل خبزا يابسا قد بلّه في الماء بملح جريش ، فقال له: كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعه حتّى أشتهيه.
قال محمد بن واسع: لا يطيب المال إلا من أربع: سهم في فيء المسلمين، أو عطيّة عن ظهر يد، أو إرث بكتاب الله، أو تجارة من حلال
قال سليمان بن المغير: سمعت ثابتا يقول: والله لحمل الكارات أهون من العبادة. قال: ولا يسمّى الرجل عابدا وإن كانت فيه خصلة من كلّ خير حتى يكون فيه الصوم والصلاة، فإنهما من لحمه ودمه.
عن عبد الصمد بن يزيد قال : استخيروا الله ولا تخيّروا عليه، فكم من عبد تخيّر لنفسه أمرا كان هلاكه فيه! أما رأيتموه سأل ربّه طرسوس فأعطيها فأسر فصار نصرانيا؟.
عمر بن عبد العزيز يقول: الصلاة تبلّغك نصف الطريق، والصوم يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه.
ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوب فقال: رحمه الله- ثلاثا- لقد قدم المدينة مرّة وأنا بها، فقلت: لأقعدنّ له، لعليّ أتعلّق عليه بسقطة، فقام من القبر مقاما ما ذكرته قطّ إلا اقشعرّ جلدي.
قال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العمل، فإن قصّر بكم ضعف فكفّوا عن المعاصي.
قال منصور بن عمّار: ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله فلا تأيس، وربما أخذ الله على الصغير فلا تأمن.
وقال الحسن: تتفق دينك في شهوتك سرفا، وتمنع في حق الله درهما، ستعلم يا لكع .
مرّ المسيح بقوم شتموه فقال خيرا، ومرّ بآخرين شتموه فقال خيرا؛ فقال رجل من الحواريّين: كلما زادوك شرّا زدت خيرا، كأنك تغريهم بنفسك! فقال: كل إنسان يعطي مما عنده.
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: يا ابن آدم، لا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك.
قال رجل لأمّ الدّرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قسوة شديدة وأملا بعيدا؛ قال: اطلع في القبور واشهد الموتى.
قال رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتابا أنه معذّب رجلا واحدا لخفت أن أكونه، أو أنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، أو أنه معذّبي لا محالة ما ازددت إلا اجتهادا لئلا أرجع على نفسي بلائمة.
أثنى قوم على عوف بن أبي جميلة، فقال لهم: دعونا من الثّناء، وأمدّونا بالدعاء.
قال المسور بن مخرمة: لقد وارت الأرض أقواما لو رأوني معكم لاستحييت منهم.
قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: عجبت لمن يهلك والنجاة معه؛ قيل: وما هي؟ قال: الإستغفار.
قال عليّ بن الحسين: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
قيل لابن سيرين: ما أشدّ الورع! قال: ما أيسره! إذا شككت في شيء فدعه.
قال رجل لحذيفة: أخشى أن أكون منافقا؛ فقال لو كنت منافقا لم تخش.
قال عبد الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريج بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل أهله إيمانا واحتسابا سلا كما تسلوا البهائم.
قال صالح المرّي لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظة فمصيبتك بنفسك أعظم.
عزّى محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمّن هو في شغل مما دخل عليك، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجابا من الجزع وسترا من النار. فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعا يستتر منه، وما توفيقي إلا بالله. فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحد عن موعظة بفضل لكنته، ولكنّ الله يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
كان أبو بكر رضي الله عنه إذا عزّى رجلا قال: ليس مع العزاء مصيبة ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعد؛ اذكروا فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم الله أجركم
قال رجل لعبيد الله بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث؛ قال: فموت الزوج؟ قال: عرس جديد؛ قال: فموت الأخ؟ قال:قصّ الجناح؛ قال: فموت الولد؟ قال: صدع في الفؤاد لا يجبر.
عقديات
قرأت في كتاب للهند: قلّما يمنع القلب من القول إذا تردّد عليه، فإن الماء ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثّر فيه، وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه، والنّصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ينزع،
أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلا يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سويا. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين: فإن لكم دارا سوى هذه تجازون فيها.
قال الأصمعيّ: ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يعرفوا: رجل رأيته راكبا، أو سمعته يعرب، أو شممت منه رائحة طيبة. وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى يعرفوا: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصر عربيّ بالفارسية، أو رأيته على ظهر الطريق ينازع في القدر.
قدم حمّاد بن أبي سليمان البصرة فجاءه فرقد السّبخيّ وعليه ثياب صوف فقال حماد: ضع نصرانيتك هذه عنك، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم فيخرج علينا وعليه معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلّت له.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: رأيت مشيخة بالمدينة في زيّ الفتيان لهم الغدائر وعليهم المورّد والمعصفر وفي أيديهم المخاصر وبها أثر الحنّاء، ودين أحدهم أبعد من الثريّا إذا أريد دينه.
قال ابن السّمّاك لأصحاب الصوف: والله إن كان لباسكم هذا موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطّلع الناس عليها، وإن كان مخالفا لها فقد هلكتم.
عن الأصمعيّ قال: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشّفون فقال: ما علمت أن القذر من الدّين.
وقال علي : خير هذه الأمة النّمط الأوسط، يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي.
قال حذيفة: خياركم الذين يأخذون من دنياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدنياهم.
قال الحسن : فضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان الله ومنفعة الناس قائد إلى الذنوب، والحفظ الزاكي الواعي لغير العلم النافع مضرّ بالعمل الصالح
عن الشعبيّ قال: قيل لابن عمر: إن الحسين قد توجّه إلى العراق، فلحقه على ثلاث ليال من المدينة وكان عند خروج الحسين غائبا في مال له فقال: أين تريد؟ قال: العراق. وأخرج إليه كتبا وطوامير قال: هذه كتبهم وبيعتهم. فناشده الله أن يرجع فأبى فقال: أما إني سأحدثك حديثا: إنّ جبريل، عليه السلام، أتى النبيّ ﷺ فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة من النبي ﷺ، والله لا تليها أنت ولا أحد من أهل بيتك وما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم فارجع. فأبى فاعتنقه وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
عن السّكن قال: كتب الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يردّ الجواب وقال: قد جرّبنا آل أبي الحسن فلم نجد عندهم إيالة ولا جمعا للمال ولا مكيدة في الحرب.
وقال الشعبي: ما لقينا من آل أبي طالب؟ إن أحببناهم قتلونا، وإن أبغضناهم أدخلونا النار.
ذكر جبّار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان والله إذا وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشرّ أخلف وعفا.
قال المأمون يوما لعليّ بن موسى الرّضى عليهما السلام: بم تدّعون هذا الأمر؟ قال: بقرابة عليّ من النبي ﷺ، وبقرابة فاطمة رضي الله عنها؛ فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خلف رسول الله ﷺ من أهل بيته من هو أقرب إليه من عليّ، ومن هو في القرابة مثله؛ وإن كان بقرابة فاطمة من رسول الله، فإنّ الحقّ بعد فاطمة للحسن والحسين وليس لعليّ في هذا الأمر حقّ وهما حيّان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإنّ عليّا قد ابتزّهما جميعا وهما حيّان صحيحان، واستولى عليّ على ما لا يجب له؛ فما أحار «1» عليّ بن موسى نطقا.
حدّثنا الرّياشيّ قال: سمعت الأصمعيّ ينشد:
وإنّي لأغنى الناس عن متكلّم / يرى الناس ضلّالا وليس بمهتدي
كان مسلم بن أبي مريم- وهو مولى لبعض أهل المدينة وقد حمل عنه الحديث- شديدا على القدريّة ، عائبا لهم ولكلامهم، فانكسرت رجله فتركها ولم يجبرها، فكلّم في ذلك فقال: يكسرها هو وأجبرها أنا! لقد عاندته إذا.
اجتمع أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد فقال عمرو: إن الله وعد وعدا وأوعد إيعادا وإنه منجز وعده ووعيده. فقال له أبو عمرو: أنت أعجم! لا أقول إنّك أعجم اللسان، ولكنك أعجم القلب! أما تعلم، ويحك! أن العرب تعدّ إنجاز الوعد مكرمة، وترك إيقاع الوعيد مكرمة؟ ثم أنشده: [طويل]
وإنّي وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
كثير عزة : رافضي يقول بالرجعة
قال طلحة بن مصرّف لرجل: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الشّيعة.
سمعت بعض أهل الأدب يقول: ما أشبه تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل للشّعر، فإنه قال يوما: ما سمعت بأكذب من بني تميم! زعموا أنّ قول القائل: [كامل]
بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
إنما هو في رجال منهم؛ قيل له: ما تقول أنت؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء؛ قيل له: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس؛ قيل: فنهشل؟ قال: نهشل أشدّ، وفكّر ساعة ثم قال: نعم، نهشل! مصباح الكعبة طويل أسود فذاك نهشل!.
بيان بن سمعان هو أول من قال بخلق القرآن ، وكان يقول أشار الله إلي بقوله (هذا بيان للناس)
بلغني عن أبي عاصم عن إسماعيل بن مسلم المكّيّ قال: كنت بالكوفة فإذا قوم من جيراني يكثرون الدخول على رجل، فقلت من هذا الذي تدخلون عليه؟ فقالوا: هذا عليّ بن أبي طالب، فقلت: أدخلوني معكم فمضيت معهم وخبأت معي سوطا تحت ثيابي فدخلت فإذا شيخ أصلع بطين، فقلت له: أنت عليّ بن أبي طالب؟ فأومأ برأسه: أي نعم، فأخرجت السّوط فما زلت أقنّعه ! وهو يقول: لتاوى لتاوى، فقلت لهم: يا فسقة! عليّ بن أبي طالب نبطيّ ! ثم قلت له: ويلك! ما قصّتك؟ قال: جعلت فداك، أنا رجل من أهل السّواد أخذني هؤلاء فقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب.
قال بعض الملحدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دليل على حدوث العالم؟ قال: الحركة والسكون، فقال: الحركة والسّكون من العالم، فكأنّك إذا قلت: الدليل على حدوث العالم العالم؛ فقال له: وسؤالك إيّاي من العالم، فإذا جئت بمسألة من غير العالم جئتك بدليل من غير العالم.
جاء رجل ملحد إلى هشام بن الحكم فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عرفت إنصافك فلست أخاف مشاغبتك؛ فقال هشام وهو مشغول بثوب ينشره ولم يقبل عليه: حفظك الله، هل يقدر أحدهما أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؛ قال:
هشام: فما ترجو من اثنين! واحد خلق كلّ شيء أصحّ لك! فقال: لم يكلّمني بهذا أحد قبلك.
قال المأمون : لو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنّا لم نر شيئا من الدّين والدّنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن تفاضل، وليس على هذا بنى الله الدنيا.
عن إبراهيم: في الرجل يرى الضوء بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلا لأوثر به أهل بدر.
قال عليّ عليه السلام: تعلّموا العلم تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحقّ تسعة أعشرائهم لا ينجو فيه إلا كلّ نومة؛ يعني الميّت الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل المذاييع البذر
قال سفيان: حلف أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يقي أحدكم دينه كما يقي نعله.
كان فتى يجالس سفيان الثوريّ ولا يتكلّم، وكان سفيان يحب أن يتكلم ليسمع كلامه، فمرّ به يوما فقال له: يا فتى، إنّ من كان قبلنا مرّوا على خيل وبقينا على حمير دبرة؛ فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إن كنّا على الطريق فما أسرع لحقوقنا بالقوم!
عبد الله بن المبارك عن وهيب قال: جاء رجل إلى وهب بن منبّه فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألّا أخالطهم؛ فقال له وهب: لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعا، وأعمى بصيرا، وسكوتا نطوقا.
أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركب خارجون منها؛ فقال: أخبروني عن هذا الرجل (يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، فقالوا: الناس فيه ثلاثة رجال: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا وأفناء العرب ، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام إذا لقي أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال: ما يسمّى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون؛ قال: فاشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.
عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: «مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض» .
كان يقال: «السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر»
وفي كتاب من كتب العجم أنّ أردشير قال لابنه: «يا بنيّ، إن الملك والدين أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أسّ والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع، يا بني، إجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد وبشرك لأهل الدين وسرّك لمن عناه ما عناك من أرباب العقول» .
وقال الأصمعي في البرامكة:
إذا ذكر الشّرك في مجلس ... أنارت وجوه بني برمك
وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مزدك
وقال آخر:
إن الفراغ دعاني ... إلى ابتناء المساجد
وإنّ رأيي فيها ... كرأي يحيى بن خالد
ونحو قوله: «الحرب أوّلها الكلام» قول حذيفة: إنّ الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى.
عن الأصمعي قال: حدّثني سعيد بن سلم بن قتيبة عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدّق بالطيرة ويعيبها أشدّ العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا بالطّفّ فركبت في إثرها فلقيني هانىء بن عتبة من بني وائل يركض وهو يقول:
والشرّ يلقى مطالع الأكم
ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال وهو للبيد :
ولئن بعثت لهم بغا ... ة ما البغاة بواجدينا
ثم دفعت إلى غلام قد وقع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت له: هل ذكرت من ناقة فارق؟ قال: هنها أهل بيت من الأعراب فانظر. فوجدناها قد نتجت ومعها ولدها.
قال المرقّش :
ولقد غدوت، وكنت لا ... أغدو، على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا ... من، والأيامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا ... شرّ على أحد بدائم
وقال آخر
وليس بهيّاب إذا شدّ رحله ... يقول عداني اليوم واق وحاتم
ولكنه يمضي على ذاك مقدما ... إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم
وقال آخر:
تعلّم أنه لا طير إلّا ... على متطيّر وهو الثّبور
بلى، شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير
كان سلمان يتعوّذ بالله من الشيطان والسلطان والعلج إذا استعرب
أخبار معاوية
قال معاوية: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتها» .
قال الشّعبي فيه: «كان معاوية كالجمل الطّبّ ، إذا سكت عنه تقدّم وإذا ردّ تأخر» . وقول عمر فيه: «احذروا كريم قريش وابن كريمها، من لا ينام إلا على الرضا ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته» .
وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا؟ فقال: «إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا» .
فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: «أسكت، ما أدرك صاحبك شيئا قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني» .
قدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان:
واأبتاه، وبكت، فقال معاوية: «يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا وأظهرنا لهم حلما تحته وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا تكون أم لنا، ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض المسلمين» .
قال معاوية: إني لأكره النكارة في السيد وأحب أن يكون عاقلا متغافلا .[النكارة الخبث]
ويقال في مثل: «ليس أمير القوم بالخبّ الخدع»
قال عديّ بن حاتم: السيد الذليل في نفسه، الأحمق في ماله، المطّرح لحقده، المعنيّ بأمر عامّته.
قيل لعرابة الأوسيّ: بم سدت قومك؟ فقال بأربع: أنخدع لهم عن مالي، وأذلّ لهم في عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم.
قال معاوية : قليل السلطان يغلب كثير الناس
نظر معاوية إلى ابنه يزيد وهو يضرب غلاما له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه فلم ير ضاربا غلاما له بعد ذلك.
قال معاوية: «لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستثيره فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتما وأوسعه حلما حتى يرجع صديقا أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني» .
قال معاوية : المروءة ترك اللذة
خطب معاوية يوما فقال له رجل: كذبت، فنزل مغضبا فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماء، فصعد المنبر فقال: أيها الناس، إنّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته.
هشام بن عروة قال: «صلى يوما عبد الله بن الزّبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: «لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لانجدها في أحد بعده أبدا، والله إن كنا لنفرّقه، وما الليث الحرب «1» على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه، وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر (وأشار إلى أبي قبيس) لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة، قلنا:
أوحش والله الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: كان والله كما قال العذري :
ركوب المنابر وثّابها ... معنّ بخطبته مجهر
تريع إليه هوادي الكلام ... إذا خطل النّثر المهمر
لما أسنّ معاوية اعتراه أرق فكان إذا هوّم أيقظته نواقيس الروم، فلما أصبح يوما ودخل عليه الناس قال: يا معشر العرب، هل فيكم فتى يفعل ما آمره وأعطيه ثلاث ديات أعجّلها له وديتين إذا رجع؟ فقام فتى من غسّان فقال: أنا يا أمير المؤمنين. قال: تذهب بكتابي إلى ملك الروم، فإذا صرت على بساطه أذّنت. قال: ثم ماذا؟ قال: فقط. فقال: لقد كلّفت صغيرا وآتيت كبيرا. فكتب له وخرج، فلما صار على بساط قيصر أذّن، فتناجزت البطارقة واخترطوا سيوفهم فسبق إليه ملك الروم فجثا عليه وجعل يسألهم بحق عيسى وبحقهم عليه لمّا كفّوا، ثم ذهب به حتى صعد على سريره ثم جعله بين رجليه، ثم قال: يا معشر البطارقة، إن معاوية رجل قد أسنّ وقد أرق وقد آذته النواقيس، فأراد أن نقتل هذا على الأذان فيقتل من قبله منّا ببلاده على النواقيس، والله ليرجعنّ إليه بخلاف ما ظنّ. فكساه وحمله فلما رجع إلى معاوية قال: أوقد جئتني سالما؟ قال: نعم، أمّا من قبلك فلا.
وكان يقال: ما ولي المسلمين أحد إلا ملك الروم مثله إن حازما وإن عاجزا. وكان الذي ملكهم على عهد عمر هو الذي دوّن لهم الدواوين ودوّخ لهم العدوّ، وكان ملكهم على عهد معاوية يشبه معاوية في حزمه وحلمه.
قال معاوية: لا ينبغي أن يكون الهاشميّ غير جواد ولا الأمويّ غير حليم ولا الزّبيريّ، غير شجاع ولا المخزوميّ غير تيّاه. فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: قاتله الله! أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم، ويحلم بنو أمية فيتحبّبوا إلى الناس، ويتشجّع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنو مخزوم فيبغضهم الناس.
قدم معاوية من الشام وعمرو بن العاص من مصر على عمر فأقعدهما بين يديه وجعل يسألهما عن أعمالهما إلى أن اعترض عمرو في حديث معاوية، فقال له معاوية: أعليّ تعيب وإليّ تقصد؟ هلمّ حتى أخبر أمير المؤمنين عن عملك وتخبره عن عملي. قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني بعمله وأنّ عمر لا يدع أوّل هذا الحديث حتى يأتي على آخره، فأردت أن أفعل شيئا أقطع به ذلك فرفعت يدي فلطمت معاوية، فقال عمر: تالله ما رأيت رجلا أسفه منك، يا معاوية إلطمه. فقال معاوية: إنّ لي أميرا لا أقضي الأمور دونه. فأرسل عمر إلى أبي سفيان فلما رآه ألقى له وساده ثم قال معتذرا: قال رسول الله، ﷺ: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ثمّ قصّ عليه ما جرى بين عمرو ومعاوية فقال: ألهذا بعثت إليّ؟ أخوه وابن عمه وقد أتى غير كبير، قد وهبت له ذلك.
ذكر بشر بن أرطاة عليا فنال منه فضرب زيد بن عمر- وأمّه ابنة عليّ بن أبي طالب- على رأسه بعصا فشجّه فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى زيد بن عمر: أتدري ما صنعت؟ وثبت على بشر ابن أرطاة وهو شيخ أهل الشام فضربت رأسه بعصا، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى بشر فقال: أتدري ما صنعت؟ وثبت على ابن الفاروق وابن علي بن أبي طالب تسبّه وسط الناس وتزدريه، لقد أتيت عظيما. ثم بعث إلى هذا بشيء وإلى هذا بشيء.
قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذّه؟ قال: العريض الطويل؛ قال: وما هو؟ قال: الحديث الحسن أو ألقى أخا قد نكبه الدهر فأجبره» قال: نحن أحقّ بهما منك؛ قال: إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما.
قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فو الله ما بطن قوم قطّ إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا.
قال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشا:
إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر
وأمنحكم ما لي وتكفر نعمتي ... وتشتم عرضي في مجالسها فهر
إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوب منهم حشوها الغمر
فيكف أداوي داءكم ... يزيدكم غيّا! فقد عظم الأمر
سأحرمكم حتى يذلّ صعابكم ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر
تكلّم رجل عند معاوية فهذر ، فلمّا أطال قال: أأسكت يا أمير المؤمنين؟ قال: وهل تكلّمت!.
رأى رجل رجلا من ولد معاوية يعمل على بعير له، فقال: هذا بعد ما كنتم فيه من الدنيا! فقال: رحمك الله، ما فقدنا إلا الفضول.
لمّا قدم معاوية المدينة منصرفا من مكة، بعث إلى الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزّبير وعبد الله بن صفوان ابن أميّة بهدايا من كسى وطيب وصلات من المال، ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجل منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما خرج الرّسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم؛ قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين؛ قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئا من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائبا. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجز وسقى به اللبن. وأما عبد الله بن جعفر فيقول: يا بديح ! أقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي . وأما عبد الله بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شيء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته : خذوا من رسول معاوية ما بعث به، وصله الله وجزاه خيرا، لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحد، ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود على ابن هند يوما ما. وأما عبد الله بن صفوان فيقول: قليل من كثير، وما كلّ رجل من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها. فرجع رسله من عندهم بنحو ممّا قال معاوية؛ فقال معاوية: أنا بن هند! أعلم بقريش من قريش.
القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة ، فاعتمّ بعمامة سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال: أيّها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إمّا معاتب ليعتب، وإمّا معاقب بذنب، أو مبتلى ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإنّي لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاءون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض عضو منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني. وإنّي وإن كنت عاتبا على خاصّ منكم فإنّي حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت بما ترون، فرحم الله امرأ دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.
دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفّاحة القلب؛ فقال: انبذها عنك ؛ قال: ولم؟ قال: لأنهنّ يلدن الأعداء، ويقرّبن البعداء، ويورثن الضغائن؛ فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فو الله ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته؛ فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حبّبتهنّ إليّ.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ثلاثة من قريش أحسنها أخلاقا وأصبحها وجوها وأشدّها حياء، إن حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقّ أو باطل لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفّان رضي الله عنهم.
السلطانيات والسياسة
قال رجل من النّسّاك لآخر: «إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء»
قيل ليوسف عليه السلام: مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.
روي في الحديث أن زياد بن أبي سفيان كان كاتبا لأبي موسى الأشعري فعزله عمر عن ذلك، فقال له زياد: أعن عجز عزلتني يا أمير المؤمنين أم عن خيانة؟ فقال: لا عن ذاك ولا عن هذا، ولكنّي كرهت أن أحمل على العامّة فضل عقلك.
قال أحد الملوك لكسرى لما أرد الأخير أن ينقض العهد معه : اعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلة من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد حجّة واستظهارا، وأزداد به من الله للنصر والمعونة استيجابا ولا أؤثر على العافية والسلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا،
كانت العرب تقول: «إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه» .
وقرأت في آداب ابن المقفع: «إن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة» .
وقال " ولا تعطينّه المجهود كله في أوّل صحبتك له فلا تجد موضعا للمزيد ولكن دع للمزيد موضعا"
عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان حين وجّهه إلى الشام فقال: يا يزيد، سر على بركة الله. فإذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة، واستظهر بالزاد وسر بالأدلّاء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، واحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة وامنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحّنّ في عقوبة فإن أدناها وجع ولا تسرعنّ إليها وأنت تكتفي بغيرها. واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سرائرهم. ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
قال أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة، سر على بركة الله ولا تنزل على مستأمن ولا تؤمّننّ على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض وقدّم النّذر بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغوا في عقوبة ولا عفو، ولا ترج إذا أمّنت ولا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ولا تعدنّ معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت.
وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر الله لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحا تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذرا من احتيال عدوّك عليك.
وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول الله ﷺ قال لزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: «إذا بعثتك في سريّة فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن الله ينصر القوم بأضعفهم» .
وقرأت في بعض كتب العجم أنّ ملكا من ملوكهم سئل: أيّ مكايد الحرب أحزم؟ فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهار السرور وأمانة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره. وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألّا تحرج هاربا إلى قتال ولا تضيّق أمانا على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية ولا تشدهنّك الغنيمة عن المحاذرة.
وقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوّه على كل حال. يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيدا. ويكره القتال ما وجد بدّا لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال.
في كتاب الأيين : ينبغي على كل حال أن يخلّى بين المنهزمين وبين الذهاب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في محاربتهم. وإن كان العدوّ قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإنّ أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلبا للشيء عند حاجته إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضا لم يستقصوا خبرها. وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند. وإذا كان أكثرهم أغمارا ولم يكن من القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند.
مرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوف ، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا الله، سارق السر يقطعه سارق العلانية!.
قرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: «لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا به، فإنه أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السرّ إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى آثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه،
كان يقال: «لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة» .
«سلطان تخافه الرعيّة خير للرعية من سلطان يخافها»
قرأت في كتاب التاج: «قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: «لا توسعنّ على جندك فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصدا وامنعهم منعا جميلا ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء» .
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.
كان يقال: «شرّ الأمراء أبعدهم من القرّاء وشرّ القرّاء أقربهم من الأمراء» .
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: «إن مدينة حمص قد تهدّم حصنها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحه» فكتب إليه عمر «أمّا بعد، فحصّنها بالعدل، والسلام» .
كان جعفر بن يحيى يقول: «الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم»
قال عديّ بن أرّطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القرّاء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: ضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا، فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منها؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.
أحضر الرشيد رجلا ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه. قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي فما وجدوا فيه مطعنا.
قال يحيى بن خالد: لست ترى أحدا تكبّر في إمارته إلّا وهو يعلم أن الذي نال فوق قدره، ولست ترى أحدا يضع نفسه في إمارة إلّا وهو في نفسه أكثر مما نال في سلطانه.
ومثله، قيل لعبيد الله بن بسّام: فلان غيرّته الإمارة، فقال: إذا ولي الرجل ولاية فرآها أكثر منه تغيّر، وإذا ولي ولاية يرى أنه أكثر منها لم يتغيّر.
قرأت في كتاب للهند: «إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب «هو المعلم» ، كلما ذهب واحد جاء آخر» .
قال أبرويز لكاتبه : لا تدعن أن ترفع الصغير فإنه يدل على الكبير
قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: «اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منها، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج"
كان يقال: «كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة»
قدّم رجل خصما له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنها له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذا عنيفا، وأن يكن الحق لك عليه أقض عليه ثم أقض عنه.
عند حصار حصن : يكتب على نشّابة : إياكم أهل الحصن والاغترار وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن
في كتاب الآيين: ليكن أوّل ما تحمله معك في الحرب خبزا ثم خبزا. وإياك والمفارش والثياب.
قال: قال شبيب الخارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا أمسى قال لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل.
أوصى بعض الحكماء ملكا فقال: لا يكن العدوّ الذي قد كشف لك عن عداوته بأخوف عندك من الظّنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوّف الرجل السّمّ الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوّف أن يقتله الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكها.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معد يكرب:
أخبرني عن السلاح. قال: سل عمّا شئت منه. قال: الرمح؟ قال: أخوك وربما خانك. قال النّبل؟ قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: التّرس؟ قال: ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر. قال: الدّرع؟ قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّها لحصن حصين. قال: السيف؟ قال: ثمّ قارعتك أمّك عن الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال: الحمّى أضرعتني لك..
لما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال لأبي عون ومن معه من أهل خراسان: إن لي في بقية آل مروان تدبيرا فتأهّبوا يوم كذا وكذا في أكمل عدّة، ثم بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء، فحضر منهم ثمانون رجلا فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولّدهم ثم أذن لهم فدخلوا، فقال الآذن للكلبي: ممن أنت؟ قال: من كلب وقد ولّدتهم. قال: فانصرف ودع القوم. فأبى أن يفعل وقال: إني خالهم ومنهم. فلما استقرّ بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته: أين حمزة بن عبد المطلب؟ ليدخل، فأيقن القوم بالهلكة، ثم خرج الثانية فنادى: أين الحسن بن عليّ؟ ليدخل، ثم خرج الثالثة فنادى: أين زيد ابن عليّ بن الحسين؟ ثم خرج الرابعة فقال: أين يحيى بن زيد؟ ثم قيل:
إئذنوا لهم. فدخلوا وفيهم الغمر بن يزيد وكان له صديقا فأومأ إليه: أن ارتفع. فأجلسه معه على طنفسته وقال للباقين: اجلسوا. وأهل خراسان قيام بأيديهم العمد فقال: أين العبديّ الشاعر؟ فقام وأخذ في قصيدته التي يقول فيها: [كامل]
أما الدّعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أميّة من دعاة النار
فلما أنشد أبياتا منها قال الغمر: يا ابن الزانية. فانقطع العبدي وأطرق عبد الله ساعة ثم قال: إمض في نشيدك. فلما فرغ رمى إليه بصرّة فيها ثلاثمائة دينار، ثم تمثّل بقول القائل «3» : [خفيف]
ولقد ساءني وساء سواي ... قربهم من منابر وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الل ... هـ بدار الهوان والإتعاس
لا تقيلنّ عبد شمس عثارا ... واقطعوا كلّ نخلة وغراس
واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس
ثم قال لأهل خراسان: دهيد . فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم وقال الكلبيّ فقال: أيها الأمير: أنا رجل من كلب لست منهم. فقال:
ومدخل رأسه لم يدنه أحد ... بين القرينين حتى لزّه القرن
ثم قال: دهيد. فشدخ الكلبيّ معهم ثم التفت إلى الغمر فقال: لا خير لك في الحياة بعدهم. قال: أجل، فقتل ثم دعا ببراذع فألقاها عليهم وبسط عليها الأنطاع ودعا بغدائه فأكل فوقهم وإنّ أنين بعضهم لم يهدأ، حتى فرغ ثم قال: ما تهنّأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين إلا يومي هذا. وقام فأمر بهم فجرّوا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثم صلبوا في بستانه. وكان يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرّواق إلى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ الأنوف، فقيل له: لو أمرت، أيها الأمير، بردّ هذا الباب! فقال: والله لرائحتها أحبّ إليّ وأطيب من رائحة المسك. ثم قال :
حسبت أمية أن سترضى هاشم ... عنها ويذهب زيدها وحسينها
كلّا وربّ محمد وإلهه ... حتى تباح سهولها وحزونها
وتذلّ ذلّ حليلة لحليلها ... بالمشرفيّ وتستردّ ديونها
أتي المهديّ برجل من بني أمية كان يطلبه فتمثل بقول سديف شاعرهم:
جرّد السيف وارفع السّوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويّا
لا يغرّنك ما ترى اليوم منهم ... إنّ تحت الضلوع داء دويّا
فقال الأموي: لكن شاعرنا يقول:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
ثم أمر به فقتل
العداوات
قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه: العداوة تتوارث
قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان من عدوّه؟ قال: بأن يزداد فضلا في نفسه.
وكان يقال: احذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز.
قرأت في كتاب للهند: ليس بين عداوة الجوهريّة صلح إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صبّ عليها.
قرأت في كتاب للهند: العدوّ إذا أحدث صداقة لعلة ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد باردا.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله.
في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم.
قال أبو حازم: لا تناصبنّ رجلا حتى تنظر إلى سريرته؛ فإن تكن له سريرة حسنة فإن الله لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئة فقد كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي الله لم تقدر.
قيل لأيوب النبيّ عليه السلام: أيّ شيء كان أشدّ عليك في بلائك؟
قال: شماتة الأعداء.
أغير على رجل من الأعراب فذهب بإبله فقال: [وافر]
لا والذي أنا عبد في عبادته ... لولا شماتة أعداء ذوي إحن
ما سرّني أنّ إبلي في مباركها ... وأنّ شيئا قضاه الله لم يكن
حكم
قال أبو حارثة المدييّ: النظر في العواقب تلقيح العقول.
قال سلمان : القصد والدوام وأنت السابق الجواد
قيل لشيخ: من أنت؟ قال: أنا ابن تجربة الدهر ومن بلا تلوّنه ، فقلت له: ما أفادك الدّهر؟ قال: العلم به
العادة طبيعة ثانية
«الرّشف أنقع» . يريدون أن الشراب الذي يترشّف رويدا رويدا أقطع للعطش وإن طال على صاحبه.
سئل بعض الحكماء: ما العقل؟ فقال: «الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان» .
وكان يقال: «كفى مخبرا عما مضى ما بقي، وكفى عبرا لأولي الألباب ما جرّبوا» .
وكان يقال: «كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب» .
ويقال: «من لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه»
وقال بعضهم "ظن الرجل قطعة من عقله"
وقال غيره "ظن العاقل كهانة"
وقال آخر يصف عاقلا:
بصير بأعقاب الأمور كأنما
يرى بصواب الرأي ما هو واقع
لا أجلب لعظيم العار من إفراط الفخر والأنفة ، ولا أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى واللجاج
لا محبة مع هزء
لا صحة مع نهم
ولا ثناء مع كبر
ولا صداقة مع خب
ولا رئاسة مع غرارة وعجب
ولا صواب مع ترك المشاورة
رئي الجرّاح بن عبد الله في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري. واشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم أشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.
وقال حبيب بن المهلّب: ما رأيت رجلا في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحدا. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: صدق، إنّ للسلاح فضيلة أما تراهم ينادون عند الصّريخ: السلاح السلاح ولا ينادون: الرجال الرجال؟
قال عمر بن الخطاب رحمه الله لعمرو بن معد يكرب : أخبرني عن الحرب. قال: مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عرف ومن ضعف عنها تلف.
قال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة وأراد توجيههم: أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة عليّ بن أبي طالب. وأما البصرة فعثمانيّة تدين بالكفّ وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى. وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، عداوة لنا راسخة وجهلا متراكما. وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر وصدورا سليمة وقلوبا فارغة لم تتقسّمها الأهواء ولم تتوزّعها النّحل ولم تشغلها ديانة ولم يتقدّم فيها فساد وليست لهم اليوم همم العرب ولا فيهم كتحازب الأتباع بالسادات وكتحالف القبائل وعصبيّة العشائر، ولم يزالوا يذالون ويمتهنون ويظلمون ويكظمون ويتمنّون الفرج ويؤمّلون الدول وهم جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أفواه منكرة، وبعد فكأني أتفاّل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق.
كان يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
قال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة ؟ فقال: كنا مائة كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقلّ فنذلّ. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ولستم بأكثر منهم عددا ولا مالا؟ قال: كنا نصبر بعد اللقاء هنيهة.
عن الأصمعيّ قال: كان يقال: ما أعطي أحد قطّ النّصف فأباه إلا أخذ شرا منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلها إلا دخلتني له هيبة ولا ردّها إلا اختبأتها في عقله.
وقال العباس بن عبد المطلب :
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدّما
تركناهم ولا يستخلّون بعدها ... لذي رحم يوما من الدهر محرما
قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.
وقال ابن عباس: «الهوى إله معبود» وقرأ: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ
تعجيل اليأس أحد الظفرين
قال ابن عباس : كل صواب نافع وليس كل خطأ ضار
يقول أنوشروان : سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة بين الرغبة والرهبة وسس سفلة الناس بالإخافة
لما صرف أهل مزّة الماء عن أهل دمشق ووجهوه إلى الصحارى كتب إليهم أبو الهندام: إلى بني استها أهل مزّة، ليمسّيني الماء أو لتصبّحنكم الخيل. فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهندام: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد» .
رأي الشيخ خير من مشهد الغلام
قال أعرابي: ما غبنت قطّ حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا حتى أشاورهم.
الأصمعي قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق؟ فقيل: وما يكون خيرا من الحق؟ قال: التحاطّ والهضم، فإنّ أخذ الحق كله مرّ.
قال بعضهم: العيش كله في كثرة المال وصحة البدن وخمول الذكر..
في الحديث «لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن اقصد تبلغ»
قال الأصمعيّ: رأيت أعرابية ذات جمال رائع تسأل بمنى فقلت: يا أمة الله، تسألين ولك هذا الجمال! قالت: قدّر الله فما أصنع؟ قلت: فمن أين معاشكم؟ قالت: هذا الحاجّ نتقمّمهم ونغسل ثيابهم. فقلت: فإذا ذهب الحاجّ فمن أين؟ فنظرت إليّ وقالت: يا صلب الجبين! لو كنا إنما نعيش من حيث نعلم لما عشنا.
ثلاثة من عازّهم عادت عزّته ذلّة: السلطان. والوالد، والغريم.
سمر المنصور ذات ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسيرهم وأنهم لم يزالوا على استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين فكانت هممهم من عظيم شأن الملك وجلالة قدره قصد الشهوات وإيثار اللذات والدخول في معاصي الله ومساخطه جهلا منهم باستدراج الله وأمنا لمكره، فسلبهم الله العزّ ونقل عنهم النعمة.
قال زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألّا يقع فيه.
قالت قريبة: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذّلّة.
وقرأت في كتاب للهند أن الريح العاصف تحطم دوح الشجر ومشيّد البنيان ويسلم عليها ضعيف النبت للينه وتثّنيه. ويقال في المثل: «تطأطأ لها تخطئك»
قال زيد بن عليّ بن الحسين حين خرج من عند هشام مغضبا: ما أحبّ أحد قطّ الحياة إلا ذلّ
إفراط العقل مضرّ بالجدّ
كان يقال: المنظر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسّرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجة إلى الجدّ.
قال رجل للأحنف: «تسمع بالمعيديّ لا أن تراه» ؛ فقال: ما ذممت منّي يا بن أخي؟ قال: الدّمامة وقصر القامة؛ قال: لقد عبت عليّ ما لم أؤامر فيه
من سنّ سنّة فليرض بأن يحكم عليه بها. ومن سأل مسألة فليرض من العطيّة بقدر بذله.
كان يقال: من التوقّي ترك الإفراط في التوقّي.
قال سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء: الغضبان والغيران والسكران
قرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئنّ إليه؛ وواصل العاقل غير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ واهرب من اللئيم الأحمق.
صحبة الأشرار ربما أورثت سوء ظنّ بالأخيار.
قال الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلّا عند الغضب، ولا الشجاع إلّا في الحرب، ولا الأخ إلّا عند الحاجة إليه.
السلوك
يقال. ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنبا.
قيل لعطاء بن مصعب: كيف غلبت على البرمكة وعندهم من هو آدب منك؟ قال: ليس للقرباء ظرافة الغرباء، كنت بعيد الدار، غريب الاسم، عظيم الكبر، صغير الجرم، كثير الالتواء، شحيحا بالإملاء؛ فقرّبني إليهم تباعدي منهم، ورغّبهم فيّ رغبتي عنهم.
قال النظام : طول النظر في المرآة وكثرة الضحك تفسد العقل وتخلقه !
يقال: أربع لا يأنف منهنّ الشريف: قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وقيامه على فرسه وإن كان له مائة عبد، وخدمته العالم ليأخذ من علمه.
عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيء بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك ودفعه؛ فقال مصعب: أخبرني بذلك الثّقة؛ فقال الأحنف: كلّا أيها الأمير، إن الثقة لا يبلّغ.
قال الأعشى:
ومن يطع الواشين لا يتركوا له .. صديقا وإن كان الحبيب المقرّبا
قال ذو الرياستين: قبول السّعاية شرّ من السّعاية، لأن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دلّ على شيء كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته وإن كان صادقا للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة،
كان بين حاتم طيء وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: والله لأفسدنّ ما بينهما؛ قالوا:
لا تقدر على ذلك؛ قال: بلى، فقلّما جرت الرجال في شيء إلا بلغته؛ فدخل عليه أوس؛ فقال: يا أوس، ما الذي يقول حاتم؟ قال: وما يقول؟
قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللّعن، صدق! والله لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلس واحد، ثم خرج وهو يقول :
يقول لي النعمان لا من نصيحة ... أرى حاتما في قوله متطاولا
له فوقنا باع كما قال حاتم ... وما النّصح فيما بيننا كان حاولا
ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوس؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكور أخسّهم أفضل منّي، ثم خرج وهو يقول:
يسائلني النعمان كي يستزلّني ... وهيهات لي أن أستضام فأصرعا
كفاني نقصا أن أضيم عشيرتي ... بقول أرى في غيره متوسّعا
فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.
وشى واش برجل إلى الإسكندر؛ فقال له: أتحبّ أن أقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا؛ قال: فكفّ عن الشرّ يكفّ عنك الشّرّ.
من نم فقد سحر
العتبي: سمعت أبي يحدّث عن ناس من أهل الشام: أن أخوين كان لأحدهما زوجة، وكان يغيب ويخلفه الآخر في أهله، فهويته امرأة الغائب، فأرادته على نفسها فامتنع؛ فلما قدم أخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة تراود في كلّ حين! فقال: أخي وابن أمّي! وإني لا أفضحه! ولكن لله عليّ ألّا أكلّمه أبدا؛ ثم حجّ وحجّ أخوه والمرأة؛ فلما كانوا بوادي الدّوم «4» هلك الأخ ودفنوه وقضوا حجّهم ورجعوا؛ فمرّوا بذلك الوادي ليلا، فسمعوا هاتفا يقول:
أجدّك تمضي الدّوم ليلا ولا ترى ... عليك لأهل الدّوم أن تتكلّما
وبالدّوم ثاو لو ثويت مكانه ... ومرّ بوادي الدّوم حيّا لسلّما
فظنّت المرأة أنّ النّداء من السماء، فقالت لزوجها: هذا مقام العائذ، كان من أخيك ومنّي كيت وكيت؛ فقال: والله لو حلّ قتلك لوجدتني سريعا، ففارقها وضرب خيمة على قبر أخيه، وقال:
هجرتك في طول الحياة وأبتغي. كلامك لما صرت رمسا وأعظما
ذكرت ذنوبا فيك كنت اجترمتها .. أنا منك فيها كنت أسوا وأظلما
ولم يزل مقيما حتى مات ودفن بجنب أخيه، فالقبران معروفان.
قال الحسن بن علي في مدح صاحب له : كان لا يقول حتى يرى قاضيا عدلا وشهودا عدولا.
المدائنيّ قال: أحدث رجل في الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فلما سلّم عمر قال: أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلّى، فلم يقم أحد، فقال جرير بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إعزم على نفسك وعلينا أن نتوضّأ ثم نعيد الصلاة، فأمّا نحن فتصير لنا نافلة، وأما صاحبنا فيقضي صلاته، فقال عمر: رحمك الله، إن كنت لشريفا في الجاهلية فقيها في الإسلام.
عون بن عبد الله بن عتبة كان يقول: يا بنيّ كن ممّن نأى به عمّن نأى عنه يقين ونزاهة، ودنا به ممن دنا منه لين رحمة، ليس نأيه تكبرا ولا عظمة، ولا دنوّة بخدع ولا خلابة، يقتدي بمن قبله، وهو إمام من بعده، لا يعجل فيمن رابه ويعفو إذا تبين له، ينقص في الذي له ويزيد في الذي عليه، لا يعزب حلمه ولا يحضر جهله، الخير منه مأمول والشرّ منه مأمون، إن رجي خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون، إن عصته نفسه فيما كرهت لم يطعها فيما أحبت، يصمت ليسلم ويخلو ليغنم وينطق ليفهم ويخالط ليعلم.
عن وهب بن منبّه قال: وجدت في حكمة داود: ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحلّ ويحمد فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات وفضل بلغة واستجمام للقلوب. وينبغي للعاقل أن لا يرى إلا في إحدى ثلاث خصال: تزوّد لمعاد، أو مرمّة لمعاش، أو لذّة، في غير محرّم. وينبغي للعاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شانه.
عن غالب أنه سأل ابن سيرين عن هشام بن حسان قال: توفّي البارحة، أما شعرت؟ فجزع واسترجع، فلما رأى ابن سيرين جزعه قرأ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها
كان ابن سيرين ينشد:
نبّئت أنّ فتاة كنت أخطبها
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطّول
وقال أيضا:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا
ولو رضيت رمح استه لاستقرّت
وكان ابن سيرين يضحك حتى يسيل لعابه.
كان يقال: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.
قال الحسن: ليس بين العبد وبين ألّا يكون فيه خير إلّا أن يرى أن فيه خيرا
قال زياد: أيّ الناس أنعم؟ قالوا: معاوية. قال: فأين ما يلقى من الناس! قالوا: فأنت. قال: فأين ما ألقى من الثغور والخراج! قالوا: فمن؟ قال: شابّ له سداد من عيش، وامرأة قد رضيها ورضيته، لا يعرفنا ولا نعرفه، فإن عرفناه أفسدنا عليه دينه ودنياه.
سمع الأحنف رجلا ينازع رجلا في أمر فقال له الأحنف: لا أحسبك إلا ضعيفا فيما تحاول، فقال الرجل: ما على ظنّك خرجت من عند أهلي، فقال الأحنف لأمر ما قيل: إحذروا الجواب.
قال بعضهم: من عاب سفلة فقد رفعه، ومن عاب شريفا فقد وضع نفسه.
عبد الله بن داود يقول: رأيت الأعمش يضمّ كفّيه ثم يضرب بهما صدره ويقول: أسكن.
قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجل بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله.
قال أكثم بن صيفيّ: الانقباض من الناس مكسبة للعداوة، وإفراط الأنس مكسبة لقرناء السّوء.
قال مسعر: ما نصحت أحدا قطّ إلّا وجدته يفتّش عن عيوبي.
عن ابن عمر، قال: الحياء والإيمان مقرونان جميعا فإذا رفع أحدهما ارتفع الآخر.
من سنّ سنة فليرض أن يحكم عليه بها، ومن سأل مسألة فليرض بأن يعطى بقدر بذله.
قال أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في المكاره.
كان يقال: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه.
قال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفيّ ورجل متّهم برأي الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الرّبا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر هذا.
وكان إمام مسجد الحرام لا يقول: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللهبيّين.
قال يحيى بن خالد : الشريف إذا تقّرأ تواضع والوضيع إذا تقرأ تكبّر
قال عروة بن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف.
قال بزرجمهر: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة
قال الحجاج: لما تبوّأت الأمور منازلها قالت الطاعة: أنزل الشام، قال الطاعون: وأنا معك. وقال النفاق: أنزل العراق، قالت النعمة: وأنا معك. وقالت الصحة: أنزل البادية، قالت الشّقوة: وأنا معك.
يقال: التواضع مع السخافة والبخل أحمد من السخاء والأدب مع الكبر، فأعظم بنعمة عفّت من صاحبها بسيّئتين، وأقبح بسيئة حرمت صاحبها حسنتين.
قال عبد الله بن شدّاد: أربع من كنّ فيه فقد برىء من الكبر: من اعتقل العنز، وركب الحمار ، ولبس الصوف، وأجاب دعوة الرجل الدّون.
قال عبد الله بن مسعود: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسّلام، وأن ترضى بالدّون من المجلس.
ابن أبي الزّناد عن أبيه أن العبّاس بن عبد المطّلب لم يمرّ قطّ بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلّا ترجّلا حتى يجوزهما إجلالا له أن يمرّ وهما راكبان وهو يمشي.
قال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: «قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإنّ إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتي» فقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة
فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره
كان إبراهيم يقول بعد أن عفا عنه المأمون : والله ما عفا عني المأمون صلة لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاء لحق عمومتي، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن يفسدها بي.
إياك والسرار ، فإنه يخيّل إلى كل من رآه أنه المراد به
وقال عمرو بن العاص: «ما استودعت رجلا سرّا فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدرا حين استودعته» . وقال:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّها ... فسرّك عند الناس أفشى وأضيع
قال الشعبي: حضرت شريحا ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجها فأرسلت عينيها فبكت فقلت: يا أبا أمية، ما أظنها إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إنّ إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون
أراد الحسن البصريّ الحجّ، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
شهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه، والله، ما أجاز شهادتك. قال: وما يمنعه من ذلك وقد قذفت ألف محصنة.
ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أفّ لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا! وكفّ عن القتل.
عن الأصمعي عن عثمان الشحّام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال له: أخرجت علينا يا شعبي؟ قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: لله أبوك. ثم أرسله.
قال معاوية: ثلاث من السؤدد: الصّلع، واندحاق البطن، وترك الإفراط في الغيرة.
العرب تقول: «سيد معمّم» يريدون أنّ كل جناية يجنيها أحد من عشيرته معصوبة برأسه.
قال الأحنف: الكامل من عدّت هفواته.
قال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفرّ من الشرف والشرف يتبعه.
كان يقال: أكرم الصّفايا أشدّها ولها إلى أولادها، وأكرم الإبل أحنّها إلى أوطانها، وأكرم الأفلاء أشدّها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلف الناس للناس
كان عمرو يقول: عليكم بكل أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور.
وفي كتاب الهند : لا ينبغي أن يكون الفاضل من الرجال إلا مع الملوك مكرّما أو مع النّسّاك متبتّلا، كالفيل لا يحسن أن يرى إلا في موضعين: في البرّيّة وحشيّا أو للملوك مركبا
كان يقال: من سرّه أن يعيش مسرورا فليقنع، ومن أراد الذكر فليجهد.
قال عمر بن الخطاب: أشيعوا بالكنى فإنها منبّهة.
قال بعضهم: وددت أنّ لي مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشيء. قيل له: فما تصنع به؟ قال: لكثرة من يخدمني عليه.
قتيبة بن مسلم قال: أرسلني أبي إلى ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة فقال: قل له قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبّوا أن تحضر المسجد فيمن يحضر، قال: فأتيته فأبلغته فقال يا جارية: غدّيني، فجاءت بأرغفة خشن فثردتهنّ في مريس ثم برقتهنّ فأكل. قال قتيبة: فجعل شأنه يصغر في عيني ونفسي، ثم مسح يده وقال: الحمد لله، حنطة الأهواز وتمر الفرات وزيت الشام، ثم أخذ نعليه وارتدى، ثم انطلق معي وأتى المسجد الجامع فصلّى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا تقوّضت إليه، فاجتمع الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ماذا صار أمرهم؟ قالوا: إلى كذا وكذا من إبل، قال: هي عليّ، ثم قام.
عن الأصمعي قال: كتب محمد بن كعب فانتسب وقال: القرظيّ فقيل له: أو الأنصاريّ. فقال: أكره أن أمنّ على الله بما لم أفعل.
قال يزيد بن معاوية: ثلاث تخلق العقل وفيها دليل على الضّعف: سرعة الجواب؛ وطول التمنّي، والاستغراب في الضحك.
المدح وافد الكبر
قيل لرجل من العرب: من السيد عندكم؟ قال: الذي إذا أقبل هبناه وإذا أدبر اغتبناه.
قال ابن شبرمة القاضي لابنه: يا بنيّ، لا تمكّن الناس من نفسك، فإنّ أجرأ الناس على السباع أكثرهم لها معاينة.
كان يقال: إصفح أو اذبح.
الأصمعيّ قال: كان الأحنف إذا أتاه إنسان أوسع له، فإن لم يجد موضعا تحرّك ليريه أنه يوسع له.
.قال ابن عباس: لجليسي عليّ ثلاثّ: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدّث.
وقال الأحنف: ما جلست مجلسا فخفت أن أقام عنه لغيري. وكان يقول: لأن أدعي من بعيد فأجيب أحبّ إليّ من أن أقصى من قريب.
كان يقال: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة.
قال عمرو بن العاص: ثلاثة لا أملّهم: جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابتي ما حملت رجلي. وزاد آخر: وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
قال مطرّف: لا تطعم طعامك من لا يشتهيه، يريد: لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه.
وقال سعيد بن سلم: إذا لم تكن المحدّث أو المحدّث فانهض.
ونحوه قول ابن مسعود: حدّث القوم ما حدّجوك بأبصارهم.
قال زياد مولى عيّاش بن أبي ربيعة: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما رآني زحل عن مجلسه وقال: إذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه شرف المجلس.
وقال ابن عباس: ما أحد أكرم عليّ من جليسي، إن الذباب يقع عليه فيشقّ عليّ.
ذكر الشّعبيّ قوما فقال: ما رأيت مثلهم أشدّ تناوبا في مجلس ولا أحسن فهما عن محدّث.
قال إبراهيم: إذا علم الثقيل أنه ثقيل فليس بثقيل.
كان العرب تكره أن يزيد منطق الرجل على عقله
قال سليمان بن عبد الملك: زيادة منطق على عقل خدعة، وزيادة عقل على منطق هجنة، وأحسن من ذاك ما زيّن بعضه بعضا.
قال عمر بن الخطاب رحمه الله: رحم الله امرأ أمسك فضل القول وقدّم فضل العمل.
قال رجل لسعيد بن جبير: المجوسيّ يوليني خيرا فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه؛ فقال سعيد: سألت ابن عبّاس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه مثله.
قال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحيي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي جاهلا، وعند مسألتي حاجة لنفسي.
وإنّي لأستبقي امرأ السّوء عدّة ... لعدوة عرّيض من الناس عائب
أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب
الصداقة
عن بلال بن سعد قال: أخ لك كلّما لقيك أخبرك بعيب فيك خير لك من أخ لك كلّما لقيك وضع في كفّك دينارا.
قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصحبة من مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح.
كتب رجل إلى صديق له: قد عرضت قبلك حاجة، فإن نجحت بك فالفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعتذر فالخير مظنون بك والعذر مقدّم لك.
قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البارّ عوضا من الرّحم المدبرة.
كتب عمر إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أنّ يتزاوروا ولا يتجاوروا.
وقال أكثم بن ضيفيّ: تباعدوا في الدّيار تقاربوا في المودّة.
قيل لأعرابيّ: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوّك وعدوّ عدوّك.
يقال: القرابة محتاجة إلى المودّة، والمودّة أقرب الأنساب. والبيت المشهور في هذا:
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعا ... وإذا المودّة أقرب الأنساب
الأصمعيّ قال: أخبرنا العجليّ قال بعض الأدباء لابنه: يا بنيّ، إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق فأمّا العدوّ فلا يهمنّك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار كثير العثار .
عن الأوزاعيّ عن يحيى بن كثير: أنّ داود النبيّ عليه السلام قال لابنه سليمان عليه السلام: يا بنيّ، لا تستبدلنّ بأخ لك قديم أخا مستفادا ما استقام لك، ولا تستقلّنّ أن يكون لك عدوّ واحد، ولا تستكثرنّ أن يكون لك ألف صديق.
وكان يقال: أعجز الناس من فرّط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
«المرء كثير بأخيه»
قال أبو الجرّاح العقيلي: وجدت أعراض الدّنيا وذخائرها بعرض المتالف إلّا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلّة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا الأدب.
قال أيوب السّختيانيّ: إذا بلغني موت أخ لي فكأنّما سقط عضو منّي.
الحسن بن عليّ يقول: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا،وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّه على هدى أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية.
عن الأصمعيّ عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئا أبلغ في خير أو شرّ من صاحب.
قال محمد بن كعب القرظيّ لعمر بن عبد العزيز: إنّ فيك عقلا وإنّ فيك جهلا، فداو بعض ما فيك ببعض، وآخ من الإخوان من كان ذا معلاة في الدّين ونيّة في الحقّ، ولا تؤاخ منهم من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى حاجته منك ذهب ما بينك وبينه. وإذا غرست غراسا من المعروف فلا تبقين أن تحسن تربيته.
في كتاب للهند: رأس المودّة الاسترسال .
وقال أكثم بن صيفيّ : من تراخى تألّف ، ومن تشدّد نفّر، والشرف التغافل.
وقال حاتم: العاقل فطن متغافل.
وصف أعرابيّ رجلا قال: كان والله يتحسّى مرارة الإخوان ويسقيهم عذبه.
أخ لك ما تراه الدّهر إلّا ... على العلّات بسّاما جوادا
قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف يكفر، ولم ير كتقارب القلوب.
الحسن: أحبّوا هونا فإنّ أقواما أفرطوا في حب قوم فهلكوا. وكان يقال: من وجد دون أخيه سترا فلا يهتكه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لطليحة الأسديّ: قتلت عكّاشة بن محصن! لا يحبّك قلبي! قال: فمعاشرة جميلة يا أمير المؤمنين، فإنّ الناس يتعاشرون على البغضاء.
قال أسماء بن خارجة : إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.
في كتاب للهند : ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.
قال بعض الخلفاء لرجل: إني لأبغضك؛ قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من فقد الحبّ المرأة، ولكن عدل وإنصاف.
من جمع لك مع المودّة الصادقة رأيا حازما، فاجمع له مع المحبة الخالصة طاعة لازمة.
قال معاذ بن جبل: إذا آخيت أخا فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوّا فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينكما.
قال ابن سيرين : لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملنّ كتابا إلى أمير حتى تعلم ما فيه.
وكان يقال: يستحسن الصبر عن كلّ أحد إلّا عن الصديق.
قال ابن المقفّع: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامّة بشرك وتحيّتك، ولعدوّك عدلك، وضن «3» بدينك وعرضك عن كلّ أحد.
قال أبو الدّرداء: معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كلّه!.
التجنّي وافد الصّرم
كان يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.
وقال أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب. وهذا نحو قول الآخر:
ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودّع رجلا وعيناه تهملان وهو يقول:
وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزيئة مال أو فراق حبيب
قال بعضهم: الهدّية إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودقّت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع.
شكا عثمان عليّا إلى العباس رضي الله عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاق، إن عاش عقّه وإن مات فجعه.
المروءة
قيل لابن هبيرة: ما المروءة؟ قال: إصلاح المال، والرّزانة في المجلس، والغداء والعشاء بالفناء.
قرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة: الزيارة في الرّحل ، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.
قال معاوية لعمرو: ما ألذّ الأشياء؟ فقال عمرو: مر أحداث قريش أن يقوموا، فلما قاموا قال: إسقاط المروءة.
كان عروة ابن الزبير يقول لولده: يا بنيّ، إلعبوا، فإنّ المروءة لا تكون إلا بعد اللعب..
قال محمد بن عمران التّيمي: ما شيء حملا عليّ من المروءة، قيل: وأيّ شيء المروءة؟ قال: لا تعمل شيئا في السرّ تستحي منه في العلانية
قال ميمون ابن ميمون: أوّل المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودّد، والثالث قضاء الحوائج. وقال: من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه.
قال مسلمة بن عبد الملك: مروءتان ظاهرتان: الرّياسة والفصاحة.
كان الرجل إذا أراد أن يشين جاره طلب الحاجة إلى غيره.
كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد اخترتني جارا فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم عليّ حكم الصبيّ على أهله.
الشرف في السرف
قال الأحنف: اثنان لا يجتمعان أبدا: الكذب والمروءة.
قال القينيّ: أصدق في صغار ما يضرّني لأصدّق في كبار ما ينفعني.
كان إبراهيم إذا لم يعجبه رجل قال : ما هو بأعجب الناس إلي
الحلم
احلم تسد
قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدّب غلمانك ولا تضربهم، قال: هم أمناؤنا على أنفسنا فإذا نحن أخفناهم فكيف نأمنهم.
قال الأحنف: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات وربّ غيظ قد تجرّعته مخافة ما هو أشدّ منه.
قال عليّ بن أبي طالب : أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ الناس أنصاره على الجهول.
جعل رجل جعلا لرجل على أن يقوم إلى عمرو بن العاص يسأله عن أمّه، فقام إليه وهو يخطب على منبر تنّيس، فقال له: أيها الرجل أخبرنا من أمّك، فقال: كانت امرأة من عنزة أصيبت بأطراف الرّماح فوقعت في سهم الفاكه بن المغيرة فاشتراها أبي فوقع عليها، إنطلق وخذ ما جعل لك على هذا.
كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنها انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنها سمع أكثر مما يكره،
قاتل الأحنف في بعض المواطن قتالا شديدا، فقال له رجل: يا أبا بحر، أين الحلم قال: عند الحبى.
أغضب زيد بن جبلة الأحنف، فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصبا، فقيل للأحنف: أين الحلم اليوم! فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هذا به.
كان يقال: آفة الحلم الضّعف.
قال الأحنف: أصبت الحلم أنصر لي من الرجال.
قال أبو اليقظان: كان المتشمّس بن معاوية عمّ الأحنف يفضل في حلمه على الأحنف قبل، فأمره أبو موسى أن يقسم خيلا في بني تميم فقسمها، فقال رجل من بني سعد: ما منعك أن تعطيني فرسا ووثب عليه فمرش وجهه، فقام إليه قوم ليأخذوه، فقال: دعوني وإياه، إني لا أعان على واحد، ثم انطلق به إلى أبي موسى، فلما رآه أبو موسى سأله عما بوجهه فقال: دع هذا ولكن ابن عمّي ساخط فاحمله على فرس، ففعل.
قال الأحنف: لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى الفقهاء في الفقه.
شتم رجل الأحنف وجعل يتبعه حتى بلغ حيّه، فقال الأحنف: يا هذا، إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره.
شتم رجل الحسن وأربى عليه، فقال له: أمّا أنت فما أبقيت شيئا، وما يعلم الله أكثر.
عن الأصمعي قال: لا يكاد يجتمع عشرة إلا وفيهم مقاتل وأكثر ويجتمع ألف ليس فيهم حليم.
أغلظ عبد لسيده، فقال: إني أصبر لهذا الغلام على ما ترون لأروض نفسي بذلك، فإذا صبرت للمملوك على المكروه كانت لغير المملوك أصبر.
دخل رجل على الشعبيّ ومعه في البيت امرأة فقال: أيكم الشعبيّ؟ قال الشعبيّ: هذه.
دخل النعمان ابن بشير العرس وطويس يقول:
أجدّ بعمرة غنيانها ... فتهجر أم شأنها شانها
وعمرة أم النعمان، فقيل له: أسكت أسكت، فقال النعمان: إنه لم يقل بأسا وإنما قال:
وعمرة من سروات النّسا ... تنفح بالمسك أردانها
لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلا من بني تميم فعابه بخراسان وشنّع عليه، فلما قفل لقيه التميميّ فقال: أصلح الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأمورا، فقال: يا أخا بني تميم أو حدّثتك نفسك أنّي وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذاك، قال: إن لنفسك عندك قدرا!.
الغضب غول الحلم.
أتى عمر بن عبد العزيز رجل كان واجدا عليه، فقال: لولا أني غضبان لعاقبتك، وكان إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه، كراهة أن يعجل عليه في أوّل غضبه
قال لقمان الحكيم: ثلاث من كنّ فيه فقد استكمل الإيمان: من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
إياك وعزّة الغضب فإنها مصيّرتك إلى ذلّ الاعتذار
قال رجل من قريش لشيخ منهم: علّمني الحلم، قال: هو، يا ابن أخي، الذلّ، أفتصبر عليه؟
وقال الأحنف: ما يسرّني بنصيبي من الذلّ حمر النّعم، فقال له رجل: أنت أعزّ العرب فقال: إن الناس يرون الحلم ذلا فقلت ما قلت على ما يعلمون.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أربع خلال إن أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به عنك من الدّنيا: حسن خليقة، وعفاف طعمة ، وصدق حديث، وحفظ أمانة.
قال أبو الدّرداء: إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم.
قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ: قلت لأبي: لم تجلس إلى فلان وقد عرفت عداوته؟ فقال: أخبى نارا وأقدح عن ود.
وقال عقال بن شبّة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغل فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت: أبعد ما قال لنا ما قال! قال: يا بنيّ، أفأوسّع جرحي!.
قال ابن الحنفيّة: قد يدفع باحتمال مكروه ما هو أعظم منه.
قال الحسن: حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.
قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل، فالتفت إليّ أبي فقال: يا بنيّ نزّه سمعك عن استماع الخنى كما تنزّه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولقد نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو ردّت كلمة جاهل في فيه لسعد رادّها كما شقي قائلها.
عاب رجل رجلا عند بعض الأشراف فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأنّ الطالب للعيوب إنّما يطلبها بقدر ما فيه منها.
قال بعض الشعراء.
وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب
مرّ رجل بجارين له ومعه ريبة، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من الرّيبة؟ فقال الآخر: غلامي حرّ لوجه الله شكرا له إذا لم يعرّفني من الشرّ ما عرّفك.
لقي بكر بن عبد الله أخا له فقال: إذا أردت أن تلقى من النّعمة عليك أعظم منها عليه وهو أشكر للنّعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرما وهو أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوك لك ستره ولا يذنب ذنبا إلا رأيته ولا يقول هجرا إلا سمعته فأنت تحبّه على ذلك وتوافقه وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظنّ به السوء فأنت تبغضه، أعدلت بينهما؟ قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راء من الناس إلا كذلك؟ إنا نعرف الحقّ في الغيب من أنفسنا فنحبّها على ذلك، ونتظنّن الظّنون على غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو أكبر منك سنّا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك، ثم انظر أيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك له سترا أو تبدي له عورة!.
قال أبو الدرداء: لا يحرز الإنسان من شرار الناس إلا قبره.
الكرم
قال ابن عائشة: كان عمرو بن معاوية العقيليّ يقول: اللهم بلّغني عثرات الكرام.
ألام وأعطي والبخيل مجاوري .. إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي
ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرضى للجميع.
قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلاف؛ فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول الله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
كان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأ.
قال جعفر بن محمد: إنّ الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.
قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسّع لي في المجلس، ورجل اغبرّت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عنّي إلا الله جلّ وعزّ؛ قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكّر بمن ينزله، ثم رآني أهلا لحاجته فأنزلها بي.
وقال سلّم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه
ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.
سأل أعرابيّ قوما، فرقّ له رجل منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقا أياما ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابيّ:
تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه ... رأى أنّه لا يستقيم له السّرو
قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئا؟ قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيبا من معروفك.
قال رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسريّ؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب، فقال رجل من القوم: أوله أيّها الأمير معروفا ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه
قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظّمه وإذا ستره تمّمه.
المنة تهدم الصنيعة
قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصطنعه إليه.
قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشا من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من ألّذ اللّذّة الإفضال على الإخوان
قال عديّ بن حاتم لابن له حدث: قم بالباب فامنع من لا تعرف وأذن لمن تعرف، فقال: لا والله، لا يكون أوّل شيء وليته من أمر الدنيا منع قوم من الطعام.
قال أسماء بن خارجة: ما أحبّ أن أردّ أحدا عن حاجة؛ فإنه لا يخلوا من أن يكون كريما فأصونه، أو لئيما فأصون منه نفسي.
وعد الكريم نقد
وعد عبد الله بن عمر رجلا من قريش أن يزوّجه ابنته؛ فلما كان عند موته أرسل إليه فزوّجه إياها، وقال كرهت أن ألقى الله عز وجلّ بثلث اتّفاق.
قال أحمد بن يوسف: أوّل المعروف مستخفّ، وآخره مستثقل؛ يكاد أوّله يكون اللهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: ربّ الصّنيعة أشدّ من ابتدائها.
عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب أسهل منها عند الشيوخ؛ ثم قرأ قول يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ، وقول يعقوب: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
قال أبو عبّاد الكاتب: لا تنزل مهمّ حوائجك بالجيّد اللسان، ولا المتسرّع إلى الضمان، فإنّ العجز مقصور على المتسرّع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة لسانه ظنّ أنّ في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه. وقال أيضا: عليك بذي الحصر البكيّ ، وبذي الخيم الرضيّ، فإنّ مثقالا من شدّة الحياء والعيّ، أنفع في الحاجة من قنطار من لسان سليط ذكيّ، وعليك بالشّهم النّدب الذي إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.
قال مطرّف بن عبد الله لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعة فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال.
قال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإنّ الصابر هو الشاكر، والجازع هو الكافر .
قال أعرابيّ: ما زال فلان يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مال أورث المحامد.
كان يقال: أوّل منازل الحمد السلامة من الذمّ.
أحيوا المعروف بإماتته
قيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان.
في كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج؛ فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.
شر الإخوان من تُكلف له
الأصمعيّ قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى؟ قال: بأنّا لا نتكلّف ما ليس عندنا.
قال رجل : حرصك على كرامتي يكفيك مؤنة التكلف
الشجاعة
استشار قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة. تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين ، وربّت عجلة تعقب ريثا ، واتّزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.
وسمعتهم عائشة يكبّرون يوم الجمل فقالت: لا تكثروا الصياح فإن كثرة التكبير عند اللقاء من الفشل.
قال أبو مسلم صاحب الدّعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنها سبب الظّفر، واذكروا الضغائن فإنها تبعث على الإقدام،
كتب أنو شروان إلى مرازبته: عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن بالله تعالى.
العرب تقول : الشجاع موقى
كان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول: يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر.
عن محمد بن سيرين قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل خراسان فبيّتهم العدوّ ليلا وفرّقوا جيوشهم أربع فرق واقبلوا معهم الطبل ففزع الناس وكان أوّل من ركب الأحنف فأخذ سيفه وتقلّده ثم مضى نحو الصوت وهو يقول:
إنّ على كل رئيس حقّا ... أن يخضب الصّعدة أو تندقّا
ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحاب الطبل الصوت انهزموا. ثم حمل على الكردوس الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم العدوّ فاتبعوهم يقتلونهم، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لها مرو الرّوذ
قال ابن المقفع: الجبن مقتلة والحرص محرمة فانظر فيما رأيت وسمعت: من قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا؟ وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب إليك بالشره والحرص؟
قال هشام لمسلمة: يا أبا سعيد، هل دخلك ذعر قطّ لحرب أو عدوّ قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة ولم يغشني فيها ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه البسالة.
كان في بني ليث رجل جبان بخيل فخرج رهطه غازين وبلغ ذلك أناسا من بين سليم وكانوا أعداء لهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفرّ فلم يجد مفرّا، ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه فلما رأى ذلك جلس ثم نثل كنانته وأخذ قوسه وقال
ما علّتي، وأنا جلد نابل ... والقوس من نبع لها بلابل
يرزّ فيها وتر عنابل ... إن لم أقاتلكم فأميّ هابل
أكلّ يوم أنا عنكم ناكل ... لا أطعم القوم ولا أقاتل
الموت حقّ والحياة باطل
ثم جعل يرميهم حتى ردّهم، وجاءهم الصريخ وقد منع الحيّ، فصار بعد ذلك شجاعا سمحا معروفا.
الحسد
قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك أنسيت إخوة يوسف؟
كان يقال: إذا أردت أن تسلم من الحاسد فعمّ عليه أمورك.
إذا أراد الله أن يسلّط على عبده عدوّا لا يرحمه سلّط عليه حاسدا.
قال الأصمعيّ: رأيت أعرابيا قد أتت له مائة وعشرون سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.
قال الأحنف: لا صديق لملول ولا وفاء لكذوب، ولا راحة لحسود ولا مروءة لبخيل ولا سؤدد لسيّء الخلق.
مرّ قيس بن زهير ببلاد غطفان فرأى ثروة وجماعات وعددا فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسرّ الناس! فقال له: يا أخي، إنك لا تدري، إنّ مع الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإنّ مع القلّة التحاشد والتناصر.
كان يقال: اثنان لا يتّفقان أبدا: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان أبدا: الحرص والقحة
لكلّ حريق مطفىء: للنار الماء، وللسمّ الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، ونار الحقد لا تخبو.
قال رجل لشبيب بن شيبة: والله أحبّك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي بجار ولا أخ ولا قرابة ! يريد أن الحسد موكّل بالأدنى فالأدنى.
قال رجل لشهر بن حوشب ؛ إني لأحبّك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله ووزيرك على دين الله ومؤنتي على غيرك!
اللباس
نظر معاوية إلى النخّار العذريّ الناسب في عباءة فازدراه في عباءة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلّمك وإنما يكلّمك من فيها.
قال الأحنف : استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال
قال أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج إلى المسجد عرف جيرانه ذاك بطيب ريحه.
قال أبو الضّحى: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال.
قال عكرمة: كان ابن عباس يطلي جسده بالمسك فإذا مرّ بالطريق قال الناس: أمرّ ابن عباس أم مرّ المسك؟.
النساء
قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النّكاح وحسّنوا الأخلاق.
قال آخر: لذّة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبّتها.
قال عمرو بن بحر: قرأ قارىء: (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) إلى قوله تعالى (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) قال إسماعيل بن غزوان: لا والله ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة
رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرة فيها صبيّ وتحته مضرّبات حرير، وعند رأسه كيس فيه مائة دينار ورقعة فيها: هذا الشقيّ ابن الشقيّة، ابن السّكباج والقلية ، ابن القدح والرّطليّة ؛ رحم الله من اشترى له بهذا الذهب جارية تربيه؛ وفي آخر الرّقعة: هذا جزاء من عضل ابنته
عن وهب بن منبّه قال: عاقب الله المرأة بعشر خصال: شدّة النّفاس، وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدّين لا تصلّي أيّام حيضها، ولا يسلّم على النساء، وليس عليهنّ جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهنّ نبيّ، ولا تسافر إلا بوليّ.
وكان يقال: ما نهيت امرأة قطّ عن شيء إلّا أتته.
الأصمعيّ قال: خاصم رجل امرأته إلى زياد، فكأن زيادا شدّد عليه، فقال الرجل: أصلح الله الأمير، إنّ خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه، وإن شرّ نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحدّ لسانها وتعقم رحمها؛ فقال: اسفع بيدها
سفيان الثوريّ يقول: إذا أردت أن تتزوّج فأهد للأمّ.
كان صخر بن الشريد أخو الخنساء خرج في غزوة فقاتل فيها قتالا شديدا، فأصابه جرح رغيب ، فمرض فطال به مرضه وعاده قومه، فقال عائد من عوّاده يوما لامرأته سلمى : كيف أصبح صخر اليوم؟ قالت: لا حيّا فيرجى ولا ميّتا فينسى، فسمع صخر كلامها فشقّ عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم غير معتذرة إليك. ثم قال عائد آخر. لأمّه: كيف أصبح صخر اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد الله صالحا ولا يزال بحمد الله بخير ما رأيناه سواده بيننا. فقال صخر:
أرى أمّ صخر ما تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان
فأيّ امرىء ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلّا في أذى وهوان
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان
لعمري لقد أنبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان
فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلّقها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها ، ثم نكس من طعنته فمات.
وقال ابن المقفّع: إيّاك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهنّ إلى أفن ، وعزمهنّ الى وهن . واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب، خير لك من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا تثق به عليهنّ، فإن استطعت ألّا يعرفن عليك فافعل. ولا تملّكنّ امرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها أن تشفع عندك لغيرها. ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملهنّ؛ واستبق من نفسك بقيّة، فإنّ إمساكك عنهنّ وهنّ يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار. وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنّ الى السّقم.
زوّج عامر بن الظّرب ابنته من ابن أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمّها: مري ابنتك ألّا تنزل مفازة إلا ومعها ماء فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا ملّ البدن ملّ القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا شهرا حتى جاءته مشجوجة ؛ فقال لابن أخيه: يا بنيّ ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كانت نفرت من غير أن تنفّر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاق، ففراق الخلع أحسن من الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فردّ عليه صداقه وخلعها؛ فهو أوّل من خلع من العرب.
قال الفرافصة الكلبيّ لابنته حين جهّزها إلى عثمان رضي الله عنه: يا بنيّة إنك تقدمين على نساء قريش وهنّ أقدر على الطّيب منك، فلا تغلبي على خصلتين: الكحل والماء، تطهّري حتى يكون ريحك ريح شنّ أصابه المطر.
كان الزّبرقان بن بدر إذا زوّج ابنة له دنا من خدرها وقال: أتسمعين؟ لا أعرّفنّ ما طلبت، كوني له أمة يكن لك عبدا.
قال أبو الأسود لابنته: إيّاك والغيرة فإنها مفتاح الطّلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطّيب، وأطيب الطّيب إسباغ الوضوء ؛ وكوني كما قلت لأمك في بعض الأحايين:
خذي العفو منّي تستديمي مودّتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنّي وجدت الحبّ في الصدر والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
عيّرت نوار- امرأة الفرزدق- الفرزدق بأنه لا ولد له؛ فقال الفرزدق:
إنّ تميما قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانا وهو في الناس واحد
فولد بعد ذلك ولده: سبطة ولبطة وحبطة وغيرهم.
عن الزّياديّ قال: كنت مئناثا ، فقيل لي: استغفر إذا جامعت، فولد لي بضعة عشر ذكرا.
وطلّق رجل من الأعراب امرأة وندم فقال:
لا يقربنّ ثلاثا منكم أحد ... إني وجدت ثلاثا أشأم العدد
تجهّزي للطّلاق وارتحلي ... ذاك دواء الجوامح الشّمس
لليلتي حين بنت طالقة ... ألذّ عندي من ليلة العرس
عن عيسى بن عمر قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بني مضر كان أسنّ منه: أفلا تكسعها بالمحرجات! (يعني الطلاق) ؛ فقال: قاتلك الله! ما أعلمك من شيخ!.
الأصمعيّ قال: تزوّج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابّة طريّة، من أمرها ومن أمرها، ويدلّسون له عجوزا، فلما دخل بها نزع نعليه، وهم يظنّون أنه يضربها، فقلّدها إياهما وقال: لبّيك اللهمّ لبّيك، هذه بدنة ؛ فأسكتوه وافتدوا منه.
عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة من خمس عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتع، وإذا اقتحمت العقبة الأخرى حسلت
الأصمعيّ قال: قال رجل: بنات العمّ أصبر، والغرائب أنجب ، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجميّة
بلغني أن رجلا شاور حكيما في التّزوّج فقال له: افعل، وإيّاك والجمال الفائق، فإنه مرعى أنيق، فقال: ما نهيتني إلّا عما أطلب، فقال: أما سمعت قول القائل:
ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا ... إلا وجدت به آثار منتجع «
خطب رجل إلى ابن عبّاس يتيمة له؛ فقال ابن عبّاس: لا أرضاها لك؛ قال: ولم، وفي حجرك نشأت؟ قال: لأنها تتشوّف وتنظر. قال: وما هذا! فقال ابن عبّاس: الآن لا أرضاك لها.
قال رجل للحسن: إن لي بنيّة وإنها تخطب، فممّن أزوّجها؟ فقال:
زوّجها ممن يتقي الله، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
قال ابن شبرمة: ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحة، ولا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم.
أبو الحسن: قالت امرأة لابنتها عند هدائها: اقلعي زجّ رمحه، فإن أقرّ فاقلعي سنانه، فإن أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فإن أقرّ فاقطعي اللّحم على ترسه، فإن أقرّ فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار
عن الحسن قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: النساء عورة فاستروها بالبيوت، وداووا ضعفهنّ بالسكوت.
وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتاب، واستعينوا عليهنّ بالعري ، وأكثروا لهنّ من قول لا، فإنّ نعم تغريهنّ على المسألة.
قال الأصمعيّ: قيل لعقيل بن علّفة وكان غيورا: من خلّفت في أهلك؟ فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهنّ فلا يمزحن، ويعريهنّ فلا يمرحن.
عبدالله بن الحارث بن نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلّد لا يموت إلى يوم القيامة؛ يعني من الشياطين. قالوا: وابن المذكّرة من النساء والمؤنّث من الرجال أخبث ما يكون، لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمّه.
الحارث ابن كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة، فمشّها في عرضة الدار عشرة أشواط فإنّ رحمها ينزل فلا تكاد تخلف.
أنجب النساء الفروك
قيل للحجّاج: أيمازح الأمير أهله؟ قال: ما تروني إلا شيطانا! والله لربّما قبّلت أخمص إحداهنّ.
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضّرائر: كيف تقدر على مجمعهنّ؟ قال: كان لنا شباب يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مال يصبّرهنّ لنا، ثم بقي لنا خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش.
المال
قال عليّ عليه السلام: كلمات لو رحّلتم المطيّ فيهنّ لا تصيبوهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرجونّ عبد إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم. واعلموا أنّ منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وفي كتاب للهند: العالم إذا اغترب فمعه من علمه كاف، كالأسد معه قوّته التي يعيش بها حيث توجّه.
وكان يقال: العلم أشرف الأحساب، والمودّة أشدّ الأسباب
قال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابا، وكلّ عزّ لم يؤكّد بعلم فإلى ذلّ ما يصير.
وقال ابن المقفّع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنّك ذلك، فإنّ زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إن أكرموك لدين أو أدب.
كان يقال: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدّين والعرض.
قال رسول الله ﷺ: ما عال مقتصد.
قال أبو الدّرداء: حسن التقدير في المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبّا منثورا وقال: إنّ فقه الرجل رفقه في معيشته
كان يقال: لا تصن كثيرا عن حقّ ولا تنفق قليلا في باطل.
يقال: حفظ المال أشدّ من جمعه.
قال الحسن: إذا أردتم أن تعلموا من أين أصاب المال فانظروا فيم ينفقه فإنّ الخبيث ينفق سرفا.
قال بعض المتكلمين في ذمّ الغنى: ألم تر ذا الغنى ما أدوم نصبه، وأقلّ راحته، وأخسّ من ماله حظّه، وأشدّ من الأيام حذره، وأغرى الدّهر بثلمه ونقضه، ثمّ هو بين سلطان يرعاه، وحقوق تسترثيه، وأكفاء يتنافسونه، وولد يودّون فراقه، قد بعث عليه الغنى من سلطانه العناء، ومن أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذمّ، ومن الولد الملامة، لا كذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم له الجسد، ورضي بالكفاف فتنكّبته الحقوق.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من تجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه فليتحوّل منه إلى غيره.
وقال: فرّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين ولا تلثّوا بدار معجزة .
وقال: بع الحيوان أحسن ما يكون في عينك.
وقال الحسن: الأسواق موائد الله في الأرض فمن أتاها أصاب منها.
عن الزّبيري قال: مرّ رسول الله، ﷺ، برجل يبيع شيئا، فقال: «عليك بالسّوم أوّل السوق فإن الرّباح مع السماح»
عن الأصمعيّ أنّ أبا سفيان بن العلاء باع غلاما له بثلاثين ألفا فقال عمر بن أبي زائدة: هذا أحمق، قالوا: كيف؟ قال: لأنّه لم يبلغ ثلاثين ألفا حتى أعطي قبل ذلك عشرون ألفا فكيف انتظر ولم يغتنمها.
عن سعيد بن المسيّب قال: إن الله إذا أبغض عبدا جعل رزقه في الصيّاح.
قال قائل في الدار: ليكن أوّل ما تبتاع وآخر ما تبيع.
دخل ابن التوءم على بعض البصريين وهو يبني دارا كثيرة الذرع، واسعة الصحن، رفيعة السّمك، عظيمة الأبواب، فقال: إعلم أنك قد ألزمت نفسك مؤنة لا تطاق، وعيالا لا يحتمل مثلهم، ولا بد لك من الخدم والسّتور والفرش على حسب ما ابتليت به نفسك، وإن لم تفعل هجّنت رأيك.
عن نافع عن ابن عمر أنّه كان لا يرى بالمكايسة والمماكسة في الشراء والبيع بأسا.
عن أبي بردة قال: أتى عمر غلاما له يبيع الحلل فقال له: إذا كان الثوب عاجزا فانشره وأنت جالس وإذا كان واسعا فانشره وأنت قائم. قال: فقلت له: الله الله يا عمر. قال: إنما هي السّوق.
قال ميمون بن ميمون: من اشترى الأشياء بنعت أهلها غبن
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: يا ابن آدم، لا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك.
قال يزيد بن عمير الأسيّدي لبنيه: يا بنيّ، تعلّموا الردّ فإنه أشدّ من الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيل وهو غني خير له من أن يقال: سخيّ وهو فقير.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أعلمتم أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه.
وقال آخر في كلام له: كلّ ممنوع مستغنى عنه بغيره، وكلّ مانع ما عنده ففي الأرض غنى عنه.
قد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
«تنزل المعونة على قدر الموونة» .
قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبد إلا وبينه وبين رزقه حجاب، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوز من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة، ولو صبرت لكان خيرا لها. ولقد بلغني أن الإنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذ ناحية يقول: لو صرت إليّ لكفيتك.
وقال بعض المفسّرين في قول الله عزّ وجلّ: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
قال: بالقناعة.
وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنيّ إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال.
قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: حرفة يقال فيها خير من مسألة الناس.
الخطب
خطب المنصور بحمد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أشهد أن لا إله إلا الله وثب رجل من أقصى المسجد فقال أذكّرك من تذكر، فقال المنصور: سمعا لمن فهم عن الله وذكّر به وأعوذ بالله أن أكون جبّارا عصيّا وأن تأخذني العزة بالإثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وأنت والله أيها القائل ما أردت بها الله ولكن حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بقائلها لو هممت، فاهتبلها ويلك إذ عفوت؛ وآياكم معشر الناس وأختها؛ فإن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انبثّت فردّوا الأمر إلى أهله يصدروه كما أوردوه؛ ثم رجع إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لما أتى يزيد بن أبي سفيان الشام واليا لأبي بكر رضي الله عنه، خطب فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج عليه، فقال: يا أهل الشّام، عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا، ومن بعد عيّ بيانا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه.
صعد ثابت قطنة منبرا بسجستان فحمد الله ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول:
فإلّا أكن فيكم خطيبا فإنّني ... بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
فقيل له: لو قلتها على المنبر كنت أخطب الناس.
وارتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعة ثم قال: والله ولا أجمع عليكم عيّا ولؤما، من أخذ شاة من السّوق فهي له وثمنها عليّ.
وارتج على خالد بن عبد الله القسريّ فقال: إنّ هذا الكلام يجيء أحيانا ويعزب أحيانا، وربما طلب فأبى وكوبر فعسا ، فالتّأنّي لمجيّه، أيسر من التّعاطي لأبّيه؛ وقد يختلط من الجريء جنانه ، وينقطع من الذّرب لسانه، فلا يبطره ذلك ولا يكسره؛ وسأعود إن شاء الله.
وارتج على معن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: فتى حروب لا فتى منابر.
صعد روح بن حاتم المنبر، فلما رأى جمع الناس حصر ، فقال: نكّسوا رؤوسكم وغضّوا أبصاركم، فإنّ أوّل مركب صعب، وإذا يسّر الله فتح قفل تيسّر.
العلم
قال يونس بن حبيب: علمك من روحك، ومالك من بدنك.
«ليس الملق من أخلاق المؤمن إلّا في طلب العلم» .[موضوع]
قال ابن عبّاس: دللت طالبا، فعزرت مطلوبا
وكان يقال: أوّل العلم الصّمت والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العقل، والخامس نشره
قال الحسن: من أحسن عبادة الله في شبيبته لقاه الله الحكمة في سنّه، وذلك قوله: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني فليفعل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه وإن لم يعرفني.
قال إبراهيم بن المنصور: سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس
قال الحسن. من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سرباله، فقطّعوا سرابيل الحياء، فإنّه من رقّ وجهه رق علمه؛
قال الخليل؛ منزلة الجهل بين الحياء والأنفة.
قال الفضيل : ارحموا عالما ضاع بين جهّال
ويقال: أحقّ الناس بالرحمة عالم يجوز عليه حكم جاهل.
قال المسيح عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تلقوا اللؤلؤ إلى الخنازير،فإنّها لا تصنع به شيئا، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإنّ الحكمة أفضل من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شرّ من الخنازير.
قيل للحسن: الحرفة في أهل العلم: ولغيرهم الثّروة، فقال: إنّك طلبت قليلا في قليل فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل من الناس ولو نظرتم في من احترف من أهل الجهل لوجدتموهم أكثر
قال الثّوريّ: من طلب الرّياسة بالعلم سريعا فاته علم كثير؛
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
قال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ القطر عن الصّفا.
يقال: العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا.
قال عمر بن الخطّاب: لا أدركت لا أنا ولا أنت زمانا يتغاير الناس فيه على العلم كما يتغايرون على الأزواج.
قال سلمان: علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه.
قال آخر: ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأنّي لست أعلم.
كان يقال: لا تقل فيما لا تعلم فتتّهم فيما تعلم.
وكان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنّفس حرون، فإذا كان قائد بلا سائق بلدت وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا وشمالا، فإذا اجتمعا أنابت طوعا وكرها.
قال أيّوب: لا يعرف الرجل خطأ معلّمه حتّى يعرف الاختلاف.
ويقال: غريزة العقل أنثى وما يستفاد من العلم ذكر ولن يصلحا إلّا معا.
قال المسيح عليه السلام: إن أبغض العلماء إلى الله رجل يحبّ الذّكر بالمغيب، ويوسّع له في المجالس، ويدعى إلى الطعام، وتفرغ له المزاود بحقّ أقول لكم: إنّ أولئك قد أخذوا أجورهم في الدنيا، وإنّ الله يضاعف لهم العذاب يوم القيامة.
يقال: إذا أردت المحبة من الله فكن عالما كجاهل.
قال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره ووطئنا الحسناء ولبسنا اللين وأكلنا الطّيب حتى أجمنا ، ما أنا اليوم إلى شيء أحوج منّي إلى جليس أضع عنّي مؤونة التحفّظ فيما بيني وبينه.
قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبهتي في التراب لله أو أجالس قوما يلتقطون طيّب الحديث كما يلتقط طيّب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله.
قال عامر بن عبد قيس: ما آسى على شيء من العراق إلا على ظمأ الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان لي منهم الأسود بن كلثوم.
كان يقال: محادثة الرجال تلقح ألبابها.
قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بقي من لذة الدنيا تلذّه؟ قال: محادثة أهل العلم، وخبر صالح يأتيني من ضيعتي.
قال الشّعبيّ: ما رأيت مثلي، وما أشاء أن ألقى رجلا أعلم منّي بشيء إلا لقيته.
في كتاب كليلة: رأس العقل التمييز بين الكائن والممتنع، وحسن العزاء عما لا يستطاع.
كان يقال: طالب العلم وعامل البرّ كآكل الطعام إن أخذ منه قوتا عصمه، وإن أسرف في الأخذ منه بشمه ، وربما كانت فيه منيّته، وكآخذ الأدوية التي قصدها شفاء، ومجاوزة القدر فيها السّمّ المميت.
يقال: كلّ شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التّجارب.
قال عمر بن الخطاب: تعلّموا العربية فإنها تزيد في المروءة،
قال أبو مسهر: ما حدّثت رجلا قطّ إلا حدّثني إصغاؤه: أفهم أم ضيّع.
كان يقال: إذا أردت أن تكون عالما فاقصد لفنّ من العلم، وإذا أردت أن تكون أديبا فخذ من كل شيء أحسنه.
قال أنو شروان للموبذ : ما رأس الأشياء؟ قال: الطبيعة النقيّة تكتفي من الأدب برائحته ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذر في السّباخ ضائعا، كذلك الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تغلب السّباخ طيّب البذر إلى العفن، كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها؛ قال كسرى؛ قد صدقت وبحق قلّدناك ما قلّدناك.
عن ابن عمر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق؛ وسنة ماضية؛ ولا أدري.
قريش بن أنس قال: سمعت الخليل بن أحمد يقول: اسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء، فقال: ما أفسدها للجاهل!.
قال الشّعبيّ: لو أن رجلا حفظ ما نسيت كان عالما
هشام بن حسّان قال: كان الحسن يحدّثنا اليوم بالحديث ويردّه الغد ويزيد فيه وينقص إلا أن المعنى واحد.
قال حذيفة بن اليمان: إنّا قوم عرب فنقدّم ونؤخّر ونزيد وننقص، ولا نريد بذلك كذبا.
قال بعضهم: إنّي لأسمع الحديث عطلا فأشنّفه وأقرّطه وأقلّده فيحسن، وما زدت فيه معنى، ولا نقصت منه معنى.
إزدحم الناس يوما على باب ابن عيينة أيام الموسم وبالقرب منه رجل من حاجّ خراسان قد حطّ بمجمله فديس وكسر ما كان معه وانتهب كعكه وسويقه، فقام يسير إلى سفيان يدعو ويقول: إني لا أحلّ لك ما صنعت؛ فقال سفيان: ما يقول؟ فقال: بعضهم: يقول لك: زدنا في السّماع رحمك الله.
قيل لرقبة: ما أكثر شككّ! فقال: محاماة عن اليقين
قال ابن شبرمة: إذا سرّك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيرا، ويصغر في عينك من كان في عينك عظيما فتعلّم العربيّة، فإنها تجريك على المنطق وتدنيك من السّلطان.
قال مسلمة بن عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه. وقال عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس.
قال أبو الأسود: إني لأجد للّحن غمزا كغمز اللحم.
سمع أعرابيّ واليا يخطب فلحن مرّة أو اثنتين، فقال: أشهد أنك ملكت بقدر.
أمّ الحجّاج قوما فقرأ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) وقرأ في آخرها (أنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ) بنصب أنّ، ثمّ تنبّه على اللام في لخبير وأنّ «إنّ» قبلها لا تكون إلا مكسورة فحذف الّلام من «لخبير» فقرأ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ خَبِيرٌ.
قال أبو زيد: قلت للخليل بن أحمد: لم قالوا في تصغير واصل أويصل ولم يقولوا وويصل؟ فقال: كرهوا أن يشبّه كلامهم بنبح الكلاب.
سمع أعربيّ أبا المكنون النحويّ في حلقته وهو يقول في دعاء الإستسقاء: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا مجلجلا مسحنفرا هزجا سحّا سفوحا طبقا غدقا مثعنجرا؛ فقال الأعرابيّ: يا خليفة نوح، هذا الطوفان وربّ الكعبة، دعني آوي إلى جبل يعصمني من الماء
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : .. وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء
قال الحجّاج لمؤدّب بنيه: علّمهم السّباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.
وقال عبد الملك لمؤدّب ولده: علّمهم الصدق كما تعلّمهم القرآن، وجنّبهم السّفلة فإنّهم أسوأ الناس رعة وأقلّهم أدبا، وجنّبهم الحشم فإنّهم لهم مفسدة؛ وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا؛ علّمهم الشّعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصّوا الماء مصّا ولا يعبّوه عبّا؛ وإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليه.
وقال آخر لمؤدّب ولده: لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإنّ اصطكاك العلم في السمع وازدحامه في الوهم مضلّة للفهم.
قال لقمان: ضرب الوالد ولده كالسّماد للزرع.
كانت العرب تسمّي الرجل، إذا كان يكتب ويحسن الرّمي ويحسن العوم وهي السّباحة ويقول الشّعر، الكامل.
وكان يقال: عقل الرجل مدفون تحت لسانه.
وقال يزيد بن المهلّب: أكره أن يكون عقل الرجل على طرف لسانه. يريد أنه لا يكون عقله إلا في الكلام.
من لم يحسن الاستماع لم يحسن القول
الشعر واللغة
قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ فقال: ما بلّغك الجنّة، وعدل بك عن النار
قال معاوية لصحار العبدي : ما تعدّون البلاغة فيكم؟ قال: الإيجاز؛ قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا تبطىء، وتقول فلا تخطىء، ثم قال: أقلنني يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألّا تبطىء ولا تخطىء.
قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئا ما بكت الشباب، وما بلغت ما هو أهله.
قال الأصمعيّ: كان رجالات قريش من العرب تستحب من الخاطب الإطالة ومن المخطوب إليه الإيجاز.
تكلّم صعصعة بن صوحان عند معاوية فعرق؛ فقال معاوية: بهرك القول! فقال صعصعة: إنّ الجياد نضّاحة للماء.
أبلغ الكلام ما سابق معناه لفظه.
قال الأصمعيّ: البليغ من طبّق المفصل وأغناك عن المفسّر.
خير الكلام ما لم يحتج بعده إلى الكلام.
قال المدائني: كتب قتيبة بن مسلم إلى الحجّاج يشكو قلّة مرزئته من الطعام وقلّة غشيانه النساء وحصره على المنبر؛ فكتب إليه: استكثر من الألوان لتصيب من كلّ صحفة شيئا، واستكثر من الطّروقة «3» تجد بذلك قوّة على ما تريد، وأنزل الناس بمنزلة رجل واحد من أهل بيتك وخاصّتك، وارم ببصرك أمامك تبلغ حاجتك.
قال يونس بن حبيب: ليس لعيّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو بلغ يأفوخه أعنان السّماء.
ذكر أعرابيّ رجلا يعيا فقال: رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة فلان بين فكّيه.
كان يقال: إذا فاتك الأدب فالزم الصّمت.
قال بعضهم: لا يجترىء على الكلام إلا فائق أو مائق
عن مالك بن دينار أنه قال: لو كانت الصحف من عندنا لأقللنا الكلام.
قال حاتم طيء: إذا كان الشيء يكفيكه التّرك فاتركه.
قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك فيها نفسك إلى القول، فإنّ للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب.
سئل بعض الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة فأدّاها بألفاظ قليلة، أو أخذ معاني قليلة فولّد فيها ألفاظا كثيرة.
كان العباس بن زفر لا يكلّم أحدا حتى تنبسط الشمس، فإذا انفتل «2» عن صلاته ضرب الأعناق وقطع الأيدي والأرجل. وكان جرير لا يتكلّم حتى تبزغ الشمس، فإذا بزغت قذف المحصنات.
ويقال: إنه لم يستدع شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشّرف العالى، والمكان الخضر الخالي أو الحالي.
وقال عبد الملك بن مروان لأرطاة بن سهيّة: هل تقول الآن شعرا؟قال: ما أشرب، ولا أطرب، ولا أغضب؛ وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه.
وقيل لكثيّر: ما بقي من شعرك؟ فقال: ماتت عزّة فما أطرب، وذهب الشّباب فما أعجب، ومات ابن ليلى فما أرغب- يعني عبد العزيز بن مروان- وإنما الشعر بهذه الخلال.
وقيل لبعضهم: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب.
عامة
قالت عائشة رضي الله عنها: لا سهر إلا لثلاثة: مصلّ أو عروس أو مسافر.
قيل لمزبد: أيسرّك أنّ هذه الجنة لك؟ قال: وأضرب عشرين سوطا. قالوا: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون شيء إلا بشيء.
كان يقال: لا تستشر معلّما ولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء. [العبارة فيها مجازفة]
يقال: إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء.
إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليها، فقال: يا أمير المؤمنين، إفصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور . فقضى عليها عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.
قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد الله الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجا من شبه وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إنّ أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته.
ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته؟ قالوا: لا. قال: فوالله لا تخرجون أو تؤدّوها. فلم يبرحوا حتى أدّوها.
قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين، قال: إني لا أصل إلى ذلك. قال: فاستعملني على البصرة؛ قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي بألفين؛ قال: ذاك لك. فقيل له: ويحك! أرضيت بعد الأوليين بهذا! قال: اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه.
أخذ عبد الله بن علي أسيرا من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشامي فوقع العمود بين يدي الغلام ونفرت دابة عبد الله فضحك وقال: إذهب فأنت عتيق استك. فالتفت إليه وقال: أصلح الله الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه؟ قال: لا، قال هذا والله الإدبار. قال: وكيف ذاك؟ قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
قال بكر لتميم : أساجلك العداوة ما بقينا / وإن متنا نورثها بنينا . فلم تزل العداوة فيهم إلى اليوم
لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقا فقد أخطأ أبوك، وإن كان باطلا فقد خالفته. فكتب إليه الوليد: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ
أخذ الحكم بن أيوب الثّقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنّة الخوارج، فقال له الحكم: إنك خارجي منافق وشتمه، ثم قال: ائتني بمن يكفل بك. قال: ما أجد أحدا أعرف بي منك. قال: وما علمي بك وأنا من أهل الشام وأنت من أهل العراق. قال إياس: ففيم هذه الشهادة منذ اليوم. فضحك وخلّى سبيله.
كتب يزيد بن معاوية إلى المدينة: أمّا بعد، «فإنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال. إني والله قد لبستكم فأخلفتكم ورقعت بكم فاخترقتكم ثم وضعتكم على رأسي ثم على عيني ثم على فمي ثم على بطني. وايم الله لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنّكم وطأة أقلّ بها عددكم وأذلّ غابركم وأترككم أحاديث تنسخ بها أخباركم مع أخبار عاد وثمود. ثم تمثّل:
لعل الحلم دلّ عليّ قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوجّ عليّ ومستقيم
قال ابن شهاب: من قدم أرضا فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي من وبائها.
وقال معاوية لقوم قدموا عليه: كلوا من فحا أرضنا «أي التوابل» فقلّما أكل قوم من فحا أرض فضرّهم ماؤها.
قال: معاوية: أغبط الناس عندي سعد مولاي، وكان يلي أمواله بالحجاز، يتربّع جدّة ويتقيّظ الطائف ويتشتّى مكة.
.
لما احتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلوا وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر إلى سعد في بعثة روّاد يرتادون منزلا برّيّا فإن العرب لا يصلحها إلا ما يصلح الإبل والشاء.
قال رجل لآخر: أبوك الذي جهل قدره وتعدّى طوره فشقّ العصا وفرّق الجماعة، لا جرم لقد هزم ثم أسر ثم قتل ثم صلب. قال الآخر: دعني من ذكر هزيمة أبي ومن صلبه، أبوك ما حدّث نفسه بشيء من هذا قطّ.
أتى قوم عباديّا فقالوا: نحبّ أن تسلف فلانا ألف درهم وتؤخره بها سنة، قال: هاتان حاجتان وسأقضي لكم إحداهما، وإذا أنا فعلت فقد أنصفت، أنا أؤخرّه ما شاء.
بلغني أن رجلا من الزّهاد مرّ في زورق، فلما نظر إلى بناء المأمون وأبوابه صاح: واعمراه! فسمعه المأمون فدعا به فقال: ما قلت؟ قال: رأيت بناء الأكاسرة فقلت ما سمعت، قال المأمون: أرأيت لو تحوّلت من هذه المدينة إلى إيوان كسرى بالمدائن هل كان لك أن تعيب نزولي هناك؟ قال: لا، قال: فأراك إنما عبت إسرافي في النفقة، قال: نعم، قال: فلو وهبت قيمة هذا البناء لرجل أكنّت تعيب ذلك؟ قال: لا، قال: فلو بنى هذا الرجل بما كنت أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بي؟ قال: لا، قال: فأراك إنما قصدتني لخاصّتي في نفسي لا لعلة هي في غيري، ثم قال له: هذا البناء ضرب من مكايدنا نبنيه ونتّخذ الجيوش ونعدّ السلاح والكراع وما بنا إلى أكثره حاجة، فلا تعودنّ إليّ فتمسّك عقوبتي، فإن الحفيظة ربما صرفت ذا الرأي إلى هواه، فاستعمله.
قال الجاحظ: تمشّى قوم إلى الأصمعيّ مع رجل اشترى منه ثمرة نخله، فناله فيها خسران وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعيّ: أسمعتم بالقسمة الضّيزى ! هي ما تريدون شيخكم عليه، اشترى منّي على أن يكون الخسران عليّ والربح له! اذهبوا فاشتروا لي طعام السّواد على هذا الوجه والشرط. ثم قال: هاهنا واحدة هي لكن دوني، ولا بدّ من الاحتمال لكن إذا لم تحتملوا لي، هذا ما مشيتم معه إلا وأنتم توجبون حقّه وتحبّون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي توجبون لقد كنت أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرّنني بحقّ؛ فهلمّ فلنتوزّع هذا الخسران بيننا بالسوء؛ فقاموا ولم يعدوا، وأيس التاجر فخرج له من حقّه.
أبو الحسن المدائنيّ قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمّها: حتى أسأل عنك، فانصرف فسأل عن أكرم الحيّ عليها، فدلّ على شيخ فيهم كان يحسن المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم إنّ العجوز شمّرت فسألته عنه فقال: أنا ربّيته، قالت:
كيف لسانه؟ قال: مدره قومه وخطيبهم . قالت: كيف شجاعته؟ قال: حامي قومه وكهفهم. قالت: فكيف سماحته؟ قال: ثمال قومه وربيعهم . فأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلّم! ما جار ولا خار . ثم جلس، فقال: ما أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرّك فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنّها ولا أطنّها، ولا بربرها ولا فرفرها.
فنهض الفتى خجلا فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انحزل فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازورّ ولا اقطوطى . قالت العجوز: وجّه إليه من يردّه، لو سلح لزوّجناه.
قال إياس: لست بخبّ والخبّ لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع أبي ويخدع الحسن.
عن عوانة قال: إذا كنت من مضر ففاخر بكنانة وكاثر بتميم وألق بقيس، وإذا كنت من قحطان فكاثر بقضاعة وفاخر بمذحج وألق بكلب، وإذا كنت من ربيعة ففاخر بشيبان وألق بشيبان وكاثر بشيبان.
قالوا: والضأن تضع مرة في السنة وتفرد ولا تتئم ، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر وأقل، والنّماء والبركة والعدد في الضّأن؛
ويقال: الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل، والبراذين ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر، والدّلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن الذّرّ.
ذكور كلّ شيء أحسن من إناثه إلّا التّيوس
قالوا: ومن الحيات ما يقتل ولا يخطىء: الثّعبان والأفعى والهنديّة؛ فأما سوى هذه فإنما يقتل بما يمدّه من الفزع، لأنه إذا فزع تفتّحت منافسه فوغل السّم إلى مواضع الصّميم وعمق البدن، فإن نهشت النائم والمغمى عليه والطّفل الصغير والمجنون الذي لا يعقل لم تقتل.
دخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك؟ قال: سلوليّ رسول محاربيّ إلى باهليّ؛ فضحك قتيبة.
قال بعضهم : أصبح الطائي إذا فعل خيرا قال أنتم من حي لا يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل
عن أنس بن مالك قال: بعثني أبو موسى الأشعريّ من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف يصلح أهل بلد جلّ أهله هذان الحيّان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكر وبخل تميم.
قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر إلّا أخذ عن يساره إلّا أن يترك عزمه أو سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على وحشيّة ، وأنحى على شؤمى يديه.
مضحكات
شرد بعير لهبنّقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من وجد بعيري فهو له؛ فقيل له: وما ينفعك من هذا؟ قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة الوجدان.
خطب والي اليمامة فقال: إن الله لا يقارّ على المعاصي عباده، وقد أهلك أمّة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم؛ فسمّي مقوّم الناقة.
قال أبو كعب القاصّ في قصصه: ليس فيّ خير ولا فيكم، فتبلّغوا بي حتى تجدوا خيرا منّي.
وقال هو أو غيره في قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإنّ يوسف لم يأكله الذئب؛ قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
ويقول: وما الدنيا! أخزى الله الدنيا! إنما مثلها مثل أير حمار، بينا هو قد أنعظ إذ طفىء.
استشار داوود الأحمق رجل في حمل أمّه إلى البصرة، وقال: إن حملتها في البرّ خفت عليها اللّصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها الغرق؛ فقال: خذ بها سفتجة
قيل لأعرابيّ: كيف برّك بأمّك؟ قال: ما قرعتها سوطا قطّ.
أغمي على رجل من الأزد فصاح النساء واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء فوجده حيّا بعد: فقال أخوه: اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي.
قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الإلتفات وسرعة الجواب.
ومن القبائل المشهور فيها الحمق ال…
كان بهلول المجنون يتغنّى بقيراط ولا يسكت إلا بدانق
نزل يهوديّ على أعرابيّ فمات عنده، فقام الأعربيّ يصلّي عليه فقال: اللهم إنه ضيف وحقّ الضيف ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب.
قيل لمعلّم بن معلّم: مالك أحمق؟ قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زنا. قال بعض الشعراء
فإن كنت قد بايعت مروان طائعا .. فصرت إذا بعد المشيب معلّما
أتت جارية أبا ضمضم فقالت : إنّ هذا قبّلني؛ فقال: يا فتى، أذعن لها بحقّها، قبّليه عافاك الله كما قبّلك، فإن الله يقول: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ
سقط أعرابيّ من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى الجابر يستوصفه؛ فقال: خذ تمرا جيّدا فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمن ثم اضمده عليه؛ قال: أي بأبي أنت من داخل أم من خارج؟ قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو من داخل أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنّه أنفع.
مات ابن صغير لأعرابيّ، فقيل له: نرجو أن يكون لك شفيعا؛ فقال:
لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه المسكين أن يقوم بأمر نفسه.
الأصمعيّ عن أبيه: قلت لأعرابيّ: أفيكم زنا؟ قال: بالحرائر؟ ذاك عند الله عظيم، ولكن مساعاة بهذه الإماء. [المساعاة الزنا بالإماء].
قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية، فسمعته يقول: قولوا له: إنّي نائم- يريد: سأنام-؛ فقلت: معي خبيص ؛ فقال: مكانك حتى أخرج إليك.
ردود وأجوبة
قيل لأعرابيّ:كيف تقول: استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل: ولم؟ قال: لأن العرب لا تستخذي.
قال عبد الله بن طاهر ذات يوم لرجل أمره بعمل: إحذر أن تخطىء فأعاقبك بكذا. (لأمر عظيم) قلت له: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابه على الإصابة!.
قال المنصور لرجل: ما بالك؟ قال: ما يكفّ وجهي ويعجز عن برّ الصّديق فقال: لقد تلطّفت للسؤال، ووصله.
قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجما لا تنطق؟ قال: أشكو إليك ثقل الشّرف؛ قال: أعينوه على حمله.
لا يقطع سرى الليل بمثل الحديث فيه
دخل يونس بن حبيب المسجد يهادى بين اثنين من الكبر فقال له رجل كان يتّهمه على مودّته: بلغت ما أرى يا أبا عبد الرحمن! قال: هو ما ترى فلا بلغته. ونحوه قول الشاعر: يا عائب الشيب لا بلغته
ومرّ شيخ من العرب بغلام فقال له الغلام: أحصدت يا عمّاه فقال: يا بنيّ وتختضرون
قال المدائنيّ: قال معاوية لابن عبّاس؛ أنتم، يا بني هاشم، تصابون في أبصاركم؛ فقال ابن عباس؛ وأنتم، يا بني أمية، تصابون في بصائركم.
وقال له معاوية: ما أبين الشّبق في رجالكم! فقال: هو في نسائكم أبين.
دخل أعرابيّ على عبد الملك بن مروان؛ فقال له:
يا أعرابيّ، صف الخمر فقال:
شمول إذا شجّت وفي الكأس مزّة ... لها في عظام الشاربين دبيب
تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب
فقال: ويحك يا أعرابيّ! لقد اتّهمك عندي حسن صفتك لها: قال: يا أمير المؤمنين، واتهمك عندي معرفتك بحسن صفتي لها.
قال محمد بن واسع : إنك لتعرف فجور الفاجر في وجهه
الطعام
إذا كنت بطينا فعد نفسك من الزمنى
قال الأعشى : والبطنة يوما تسفه الأحلاما
عن الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك . يعني حتى تتغذّى.
كان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.
قال لقمان لابنه: يا بنيّ، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش. يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.
العتبيّ قال: قلت لرجل من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من أن فقهاءكم أظرف من فقهائنا، وعوامّكم أظرف من عوامّنا، ومجانينكم أظرف من مجانيننا، قال: وما تدري لم ذاك؟ قلت لا؛ قال: من الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلوّ جوفه!
العرب تقول: «العاشية تهيج الآبية» . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل، إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.
قيل لجالينوس: إنك تقلّ من الطّعام؛ قال: غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا، وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل.
قال العمّيّ : من احتمى فهو على يقين من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية. :)
وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنّما الطبيب من خلّاه وما يريد وساس بدنه
كانت الحكماء تقول: إياك وشرب الدواء ما حملت صحّتك داءك.