مختارات ديوان الأعشى
فَلَعَمرُ مَن جَعَلَ الشُهورَ عَلامَةً
قَدَراً فَبَيِّنَ نِصفَها وَهِلالَها
ما كُنتَ في الحَربِ العَوانِ مُغَمَّراً
إِذ شَبَّ حَرُّ وَقودِها أَجزالَها
فَتىً لَو يُنادي الشَمسَ أَلقَت قِناعَها
أَوِ القَمَرَ الساري لَأَلقى المَقالِدا
وَيُصبِحُ كَالسَيفِ الصَقيلِ إِذا غَدا
عَلى ظَهرِ أَنماطٍ لَهُ وَوَسائِدا
يَرى البُخلَ مُرّاً وَالعَطاءَ كَأَنَّما
يَلَذُّ بِهِ عَذباً مِنَ الماءِ بارِدا
فَإِن تُصبِحوا أَدنى العَدُوُّ فَقَبلَكُم
مِنَ الدَهرِ عادَتنا الرِبابُ وَدارِمُ
وَسَعدٌ وَكَعبٌ وَالعِبادُ وَطَيِّئٌ
وَدُودانُ في أَلفافِها وَالأَراقِمُ
فَما فَضَّنا مِن صائغ بَعدَ عَهدِكُم
فَيَطمَعَ فينا زاهِرٌ وَالأَصارِمُ
وَلَن تَنتَهوا حَتّى تَكَسَّرَ بَينَنا
رِماحٌ بِأَيدي شُجعَةٍ وَقَوائِمُ
فَلا يَنبَسِط مِن بَينِ عَينَيكَ ما اِنزَوى
وَلا تَلقَني إِلّا وَأَنفُكَ راغِمُ
فَأُقسِمُ بِاللَهِ الَّذي أَنا عَبدُهُ
لِتَصطَفِقَن يَوماً عَلَيكَ المَآتِمُ
سَأوصي بَصيراً إِن دَنَوتُ مِنَ البِلى
وَصاةَ اِمرِئٍ قاسى الأُمورَ وَجَرَّبا
بِأَن لا تَبَغَّ الوُدَّ مِن مُتَباعِدٍ
وَلا تَنأَ عَن ذي بِغضَةٍ إِن تَقَرَّبا
فَإِنَّ القَريبَ مَن يُقَرِّبُ نَفسَهُ
لَعَمرُ أَبيكَ الخَيرَ لا مَن تَنَسَّبا
أَلا قُل لِتَيّا قَبلَ مِرَّتِها اِسلَمي
تَحِيَّةَ مُشتاقٍ إِلَيها مُتَيَّمِ
عَلى قيلِها يَومَ اِلتَقَينا وَمَن يَكُن
عَلى مَنطِقِ الواشينَ يَصرِم وَيُصرَمِ
أَجِدَّكَ لَم تَأخُذ لَيالِيَ نَلتَقي
شِفاءَكَ مِن حَولٍ جَديدٍ مُجَرَّمِ
تُسَرُّ وَتُعطى كُلَّ شَيءٍ سَأَلتَهُ
وَمَن يُكثِرِ التَسآلَ لا بُدَّ يُحرَمِ
فَما لَكَ عِندي نائِلٌ غَيرُ ما مَضى
رَضيتَ بِهِ فَاِصبِر لِذَلِكَ أَو ذَمِ
إِذا حاجَةٌ وَلَّتكَ لا تَستَطيعُها
فَخُذ طَرَفاً مِن غَيرِها حينَ تُسبَقُ
فَذَلِكَ أَحرى أَن تَنالَ جَسيمَها
وَلَلقَصدُ أَبقى في المَسيرِ وأَلحَقُ
وَإِنّي لَتَرّاكُ الضَغينَةِ قَد أَرى
قَذاها مِنَ المَولى فَلا أَستَثيرُها
وَقورٌ إِذا ما الجَهلُ أَعجَبَ أَهلَهُ
وَمِن خَيرِ أَخلاقِ الرِجالِ وُقورُها
وَقَد يَئِسَ الأَعداءُ أَن يَستَفِزَّني
قِيامُ الأُسودِ وَثبُها وَزَئيرُها
إِذا اِحمَرَّ آفاقُ السَماءِ وَأَعصَفَت
رِياحُ الشِتاءِ وَاِستَهَلَّت شُهورُها
تَرَي أَنَّ قَدري لا تَزالُ كَأَنَّها
لِذي الفَروَةِ المَقرورِ أُمٌّ يَزورُها
نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَيلَ مُرتَفِقا
أَرعى النُجومَ عَميداً مُثبَتاً أَرِقا
أَسهو لِهَمّي وَدائي فَهيَ تُسهِرُني
بانَت بِقَلبي وَأَمسى عِندَها غَلِقا
يا لَيتَها وَجَدَت بي ما وَجَدتُ بِها
وَكانَ حُبٌّ وَوَجدٌ دامَ فَاِتَّفَقا
لا شَيءَ يَنفَعُني مِن دونِ رُؤيَتَها
هَل يَشتَفي وامِقٌ ما لَم يُصِب رَهَقا
صادَت فُؤادي بِعَينَي مُغزِلٍ خَذَلَت
تَرعى أَغَنَّ غَضيضاً طَرفُهُ خَرِقا
أَلا حَيِّ مَيّاً إِذ أَجَدَّ بُكورُها
وَعَرِّض بِقَولٍ هَل يُفادى أَسيرُها
فَيا مَيُّ لا تُدلي بِحَبلٍ يَغُرَّني
وَشَرُّ حِبالِ الواصِلينَ غَرورُها
خالَطَ القَلبَ هُمومٌ وَحَزَن
وَاِدِّكارٌ بَعدَما كانَ اِطمَأَنّ
فَهوَ مَشغوفٌ بِهِندٍ هائِمٌ
يَرعَوي حيناً وَأَحياناً يَحِنّ
خُلِقَت هِندٌ لِقَلبي فِتنَةً
هَكَذا تَعرِضُ لِلناسِ الفِتَن
سَأوصي بَصيراً إِن دَنَوتُ مِنَ البِلى
وَكُلُّ اِمرِئٍ يَوماً سَيُصبِحُ فانِيا
بِأَن لا تَأَنَّ الوُدَّ مِن مُتَباعِدٍ
وَلا تَنأَ إِن أَمسى بِقُربِكَ راضِيا
وَإِن بَشَرٌ يَوماً أَحالَ بِوَجهِهِ
عَلَيكَ فَحُل عَنهُ وَإِن كانَ دانِيا
يَلُمنَ الفَتى إِن زَلَّتِ النَعلُ زَلَّةً
وَهُنَّ عَلى رَيبِ المَنونِ خَواذِلُ
يَقُلنَ حَياةٌ بَعدَ مَوتِكَ مُرَّةٌ
وَهُنَّ إِذا قَفَّينَ عَنكَ ذَواهِلُ
لَعَمرُكَ ما شَفَّ الفَتى مِثلُ هَمِّهِ
إِذا حاجَةٌ بَينَ الحَيازيمِ جَلَّتِ
وَرُبَّ بَقيعٍ لَو هَتَفتُ بِجَوِّهِ
أَتاني كَريمٌ يَنفُضُ الرَأسَ مُغضَبا
وَمَن يُطِعِ الواشينَ لا يَترُكوا لَهُ
صَديقاً وَإِن كانَ الحَبيبَ المُقَرَّبا
إِذا ما رَآني مُقبِلاً شامَ نُبلَهُ
وَيَرمي إِذا أَدبَرتُ ظَهري بِأَسهُمِ