سياسات الصحة العامة 

لتشجيع عادات أكل صحية: 

وجهات نظر حديثة.

نُشر في 23 سبتمبر 2015

تُرجم في 12 سبتمبر 2021

نبذة عن البحث:

هناك حاجة ملحّة لمعالجة الأنماط الغذائية الغير الصحية -unhealthy dietary patterns- على مستوى السكان -population level-. يعتبران النظام الغذائي السيئ وقلة النشاط البدني من العوامل الرئيسية لوباء السمنة -obesity pandemic-، و هما من بين الأسباب الرئيسية للوفيات والإعاقة واللتين يمكن الوقاية منهما -تقريبًا- في كل دول العالم. بينما تكافح البلدان انتشار السمنة المتزايد، لا تزال العديد من خيارات سياسات الصحة العامة المبتكرة إلى حدٍ كبير غير مستكشفة في مجال الحد من الإفراط في تناول الطعام وتحسين جودة النظام الغذائي. هنا نَصِفْ التوجهات الحديثة في عادات الأكل وتَبِعاتها على الصحة العامة، وأوجه الخطر من تناول الأكل غير الصحي، ودَور سياسات الصحة العامة. بالإضافة قمنا بمراجعة سياسات الصحة العامة الحديثة لتعزيز أنماط النظام الغذائي الصحي، بما في ذلك التوصيات والقيود والحوافز الاقتصادية وضوابط التسويق و توفّر المعلومات والاوضاع الافتراضية البيئية.

المقدمة:

على مدى الأربعين سنة الماضية، تغيرت أنماط الأكل العالمية بطرق ملحوظة. انتقلت النُظم الغذائية السكانية -population diets- نحو استهلاك أكبر للأطعمة المعالجة -بشكل نسبي- والأطعمة فائقة المعالجة والتي تكون ذات عناصر غذائية منخفضة وذات سعرات حرارية عالية. كانت هناك زيادة في استهلاك الأطعمة المحضرة خارج المنزل (على سبيل المثال، الوجبات السريعة)، حيث تضاعفت حجم الحصة الغذائية في العديد من هذه الأطعمة، مما يعزز الاستهلاك المفرط -overconsumption- للطعام. كانت هناك أيضًا زيادة في الأطعمة من المصادر الحيوانية، فضلًا عن تناول كميات أكبر من الزيوت والمحليات -بدائل السكر- الغذائية. يستهلك عامة السكان في العديد من البلدان كميات تتجاوز بشكل كبير المستويات الموصى بها من الصوديوم والدهون الغير الصحية والسكريات المضافة. اقترن الاستهلاك المفرط للأطعمة والمشروبات الغير الصحية أيضًا بتناول كميات أقل من المكونات الغذائية الصحية بما في ذلك الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية وقليلة السعرات الحرارية مثل البقوليات والحبوب الخشنة والخضروات الأخرى.


شهدت العقود القليلة الماضية أيضًا زيادة هائلة في استهلاك المشروبات المحلّاة بالسكر -sugar-sweetened beverages (SSBs)-. ففي الولايات المتحدة الأميركية وحدها زاد تناول هذه العصائر ثلاثة أضعاف من عام 1970 إلى عام 2001 بما في ذلك المشروبات الغازية والمشروبات الرياضية ومشروبات الفاكهة ومشروبات الطاقة، وأفاد نصف الأميركيين تقريبًا (48٪) أنهم يشربون مشروبات غازية يوميًا. تظهر التوجهات الحديثة انخفاض تناول المشروبات الغازية في الولايات المتحدة، ولكن تناول المشروبات المحلّاة بالسكر الأخرى، مثل المشروبات الرياضية ومشروبات الطاقة آخذ في الارتفاع مع بقاء المشروبات المحلّاة بالسكر كأكبر مساهم في تناول السكر المضاف في النظام الغذائي الأميركي. دول أخرى مثل جمهورية الصين الشعبية والهند وفيتنام وتايلاند ودول جنوب شرق آسيا تشهد أيضًا ارتفاع سريع في تناول المشروبات المحلّاة بالسكر.


هذه التحولات الغذائية لها تَبِعات وخيمة على الصحة العامة. يُعدان النظام الغذائي وقلة النشاط البدني من بين الأسباب الرئيسية للوفيات والإعاقة واللتين يمكن الوقاية منهما -تقريبًا- في كل دول العالم. يعاني أكثر من ملياري شخص في جميع أنحاء العالم الآن من زيادة الوزن أو السمنة، في حين أن نقص التغذية بين الأمهات والأطفال مسؤول عن 11 بالمئة من إجمالي العبء العالمي للمرض -global disease burden-. ترتبط أنماط النظام الغذائي الغير الصحية، بما في ذلك تناول كميات كبيرة من السكريات المضافة والدهون المتحولة وزيادة تناول الصوديوم، بالسمنة وأمراض القلب والسكري من النوع الثاني والسرطان وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية. علاوة على ذلك، فإن عوامل الخطر المرتبطة بالنظام الغذائي (بما في ذلك انخفاض تناول الفواكه وزيادة تناول الصوديوم) تمثّل 10 بالمئة من سنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة -disability-adjusted life years- في جميع أنحاء العالم . ترتبط المشروبات المحلّاة بالسكر وحدها بالسمنة وزيادة الوزن وتسوس الأسنان وزيادة السعرات الحرارية المتناولة ومرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب.



في هذه الورقة، نناقش السبل التي تستغل بها البيئات الغذائية -food environments- الحالية أوجه الخطر البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للاستهلاك المفرط في تناول الطعام. ثم نناقش سياسات الصحة العامة المصممة لتسريع التقدّم في تعزيز العادات الصحية للأكل. ونقوم بتجميع استراتيجيات هذه السياسات -المتعلقة بالصحة العامة- في الفئات التالية: التوصيات والقيود والحوافز الاقتصادية وضوابط التسويق و توفّر المعلومات والاوضاع الافتراضية البيئية. هذه المراجعة تركز فقط على استراتيجيات لتغيير البيئة الغذائية، على الرَغم من أن أسباب السمنة متعددة العوامل (وتشمل معدلات متزايدة من قلة النشاط البدني -physical inactivity-).

أوجه الخطر من تناول الأكل غير الصحي

مكامن الضعف البيولوجية:


كما أورد روبرتو وآخرون في سلسلة مجلة ذا لانسيت العلمية الأخيرة -The Lancet- حول مرض السمنة أنه على الرَغم من أن الأفراد لديهم بعض السيطرة على نظامهم الغذائي إلا أن البيئة الغذائية الحديثة قدمت تدفقًا -يصعب تجنّبه- من الأطعمة المستساغة بشكل كبير والغنية بالسكر والدهون والملح، والتي يبدو أنها تتجاوز الخصائص المجزية في الأطعمة غير المصنعة. هذه المكونات جنبًا إلى جنب مع محسنّات النكهة والإضافات الغذائية والكافيين يتم التلاعب بها لزيادة قيمة المكافأة -العصبية- للأطعمة مما يجعل من الصعب على الجسم تنظيم الاستهلاك الغذائي والوزن. العديد من الأطعمة المصنعة تتم هندستها لزيادة تركيز الكربوهيدرات المكررة مثل الدقيق الأبيض والسكر. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تتم إزالة الألياف والماء والبروتين -أي المكونات التي تساعد على الشعور بالشبع وإبطاء امتصاص السكر في مجرى الدم- من هذه الأطعمة. ونتيجة لهذه المعالجة يزيد معدل امتصاص الجسم للكربوهيدرات المكررة مما يؤدي إلى ارتفاع سريع في نسبة السكر في الدم. أظهرت الأبحاث السابقة أن الأطعمة عالية المعالجة ذات المؤشر السكري -الجلايسيمي- المرتفع تزيد بسرعة نسبة السكر في الدم ويمكن أن تؤدي إلى الجوع الشديد والاستهلاك المفرط للطعام والتفضيل البيولوجي للأطعمة ذات المؤشر السكري -الجلايسيمي- المرتفع مما يؤدي إلى تكرر دورات الاستهلاك المفرط للطعام.


هناك أيضًا أدلة ظهرت مؤخرًا على أن بعض الأطعمة قد تؤدي إلى استثارة استجابات الدماغ التي تحاكي ردود الفعل تجاه المواد المسببة للإدمان مثل المخدرات أو الكحول. تشير أبحاث التصوير العصبي في كل من الجرذان والبشر إلى أن تناول الأطعمة فائقة المعالجة التي تحتوي على نسبة عالية من السكر والدهون والملح يولد استجابات مشابهة للمواد الأخرى المسببة للإدمان. فعلى وجه الخصوص، يكون الأطفال معرضين لخطر بيولوجي يتمثّل في تطوير تفضيلات للأطعمة فائقة المعالجة لأن لديهم تفضيلًا أقوى للأطعمة الحلوة مقارنةً بالبالغين. أخيرًا، التفاعلات البيولوجية البشرية المعقدة تجعل من الصعب إنقاص الوزن ومواصلة خسارته. هذا غالبًا يبقي الناس في حلقة مفرغة حيث يفقدون الوزن في بادئ الأمر إلا أنهم يستعيدونه مع مرور الوقت. صعوبة الحفاظ على فقدان الوزن من الممكن أن تساهم في الشعور بالفشل والذي بدوره يمكن أن يدفع الناس إلى اتباع نُظم غذائية دورية وما يرتبط بها من منتجات تعد بشكل غير صحيح بتغيير سريع ودائم.


مكامن الضعف النفسية:


تشير الأبحاث إلى أن أكثر من نصف قرارات الشراء للمستهلكين في محلات البقالة غير مخطط لها ويتم اتخاذها بشكل فوري في المتجر. وهذا يجعل المستهلكين عرضة للتأثيرات البيئية الغير مباشرة التي تعزز تناول الأطعمة الغير صحية في أماكن مثل محلات البقالة أو المطاعم. ومن الأمثلة على هذه التأثيرات البيئية الأحجام الضخمة للوجبات في المطاعم مما يشجع على الإفراط في تناول الطعام من خلال تغيير معايير الاستهلاك الطبيعية. كذلك وضع المشروبات المحلّاة بالسكر بشكل واضح في محلات البقالة والحلوى في ممرات الخروج -الدفع- مما يجعل هذه السلع بارزة ويزيد من عمليات الشراء الغريزية. وأيضًا التسويق الذي يستهدف الأطفال باستخدام الرياضيين أو الشخصيات المصرح لها والتي يمكنها التأثير على تفضيلات المذاق والوجبات الخفيفة وتشكيل الولاء للعلامة التجارية خلال سنوات الطفولة المبكرة. جزء من المشكلة أن الحوافز غير متوائمة. شركات الأغذية تتعرض لضغوط هائلة لزيادة الأرباح إلى أقصى حد على حساب صحة المستهلكين. وبالتالي، فإن شركات الأغذية تنتج وتروّج الأطعمة المشار إليها أعلاه والتي تستفيد من نقاط الضعف البيولوجية -لدى الأفراد- للمساعدة في بيع المزيد من المنتجات.



مكامن الضعف الاجتماعية والاقتصادية:


تستغل البيئات الحديثة أيضًا نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية تجاه استهلاك نُظم غذائية غير صحية. ففي العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، أدى ارتفاع دخل الأسرة والتوسع الحضري السريع وزيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة إلى زيادة الطلب على الأطعمة الجاهزة غير الصحية. وعلى سبيل المثال، في الفترة من 1999 إلى 2012 زاد نصيب الفرد من استهلاك الأغذية المصنعة بمقدار 3.2 ضعفًا في جمهورية الصين الشعبية و 3.6 ضعفًا في فيتنام. وفي البلدان المرتفعة الدخل تميل الأطعمة غير الصحية إلى أن تكون غير مكلفة نسبيًا مقارنة بالخيارات الصحية، كما أن الأحياء ذات الدخل المنخفض مشبعة بالخيارات غير الصحية. وعلى سبيل المثال أيضًا، المطاعم والأطعمة الأخرى الجاهزة للأكل سريعة ومريحة مما يجعلها جذابة بشكل خاص للعائلات ذات الوقت والموارد المحدودة. إلا أن هذه الأطعمة تميل إلى أن تكون أقل صحة من الوجبات المعدّة في المنزل. بالإضافة إلى ذلك، وجدت الأبحاث التي أجريت على السكان ذوي الدخل المنخفض في الولايات المتحدة أن الأميركيين ذوي العرق الأسود والعرق اللاتيني غالبًا ما يكونون أكثر من غيرهم أهدافًا لأساليب التسويق الشرسة من قِبل صانعي المواد الغذائية.

سياسات لتسريع التقدم في الأكل الصحي

فهمنا لنقاط الضعف البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية قد ألقى الضوء على الطرق التي تقلل بها البيئات الغذائية قدرة الناس على اتخاذ خيارات غذائية مسؤولة تعكس أهدافهم طويلة المدى في التمتع بصحة جيدة. لذلك، قد تلعب السياسات -المتعلقة بالصحة العامة- دورًا مهمًا في مواءمة اختيارات الناس الغذائية بشكل أفضل مع رغباتهم في عيش حياة صحية. فالأساليب السكانية التقليدية المتبعة والقائمة على الأدلة لتحسين الصحة العامة تركّز على تحديد حالات التعرض -لمؤثرات سلبية- في البيئة والتي يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحية سلبية وتصميم التدخلات أو السياسات التي تحد من التعرض للمخاطر -بوجهٍ عام-. السياسات الحالية القائمة على الأدلة تندرج عادةً تحت واحدة من ست فئات تختلف في الفعالية والجدوى:

  1. التوصيات (على سبيل المثال، التطعيمات الضرورية للأطفال من أجل الذهاب إلى المدرسة وقوانين الهواء الخالي من التدخين) — يتم تصميم هذه السياسات اللازمة للصناعات أو الأفراد للحماية من الآثار الضارة لمادة أو بيئة غير صحية.


  2. القيود (على سبيل المثال، حظر بيع الكحول للقصّر) — يتم تصميم هذه السياسات للحد من الوصول إلى مادة أو بيئة غير صحية.

  3. الحوافز الاقتصادية (مثل ضريبة الإنتاج على السجائر) — تهدف هذه السياسات إلى مواءمة حوافز الأسعار بشكل أفضل مع النتائج الصحية، وتشجيع استهلاك أعلى للمنتجات الصحية وتقليل استهلاك المنتجات غير الصحية.

  4. ضوابط التسويق (على سبيل المثال، تنظيم إعلانات التبغ) — تحاول هذه السياسات تقييد الإعلان عن مادة أو بيئة غير صحية والترويج لها.

  5. توفير المعلومات (على سبيل المثال، الحملات التثقيفية للترويج للفواكه والخضروات وضرورة وجود ملصقات تحذيرية على منتجات التبغ) — تزوّد هذه السياسات الأشخاص بمعلومات صحية مهمة، بما في ذلك تشجيع السلوكيات الصحية والتحذير من مخاطر مادة أو بيئة غير صحية.

  6. الاوضاع الافتراضية البيئية (على سبيل المثال، تغيير الطبق الجانبي الافتراضي في المطعم من البطاطا المقلية إلى السلطة) — تحافظ هذه السياسات على حرية الأفراد في تعريض أنفسهم لمادة أو بيئة غير صحية، ولكنها تسهّل عليهم تجنبها.

في القسم التالي، نراجع السياسات الحكومية لتعزيز الأنظمة الغذائية الصحية التي تتناسب مع الفئات الست المذكورة أعلاه.


التوصيات:

التوصيات الحكومية تميل إلى أن تكون فعالة في تغيير كل من السلوكيات الصناعية والفردية باعتبارها الأداة المتاحة الأكثر تقييدًا في مجال السياسات. ومع ذلك، قد يكون سَنُها أكثر صعوبة من السياسات الأقل تقييدًا لأنها تحد من الحرية -الشخصية-. ومن الأمثلة على التوصيات الحكومية الفعالة، مرسوم مجلس الصحة بمدينة نيويورك لعام 2006 الذي يحظر على المطاعم الطهي باستخدام الدهون غير المشبعة -trans fats-. وتم تمرير المرسوم بناءً على المنشورات العلمية التي تثبت وجود ارتباط بين استهلاك الدهون غير المشبعة وأمراض القلب والأوعية الدموية والمخاوف من أن الدهون المتحولة تمثل خطرًا أكبر على الصحة مقارنةً بالأنواع الأخرى من الدهون "السيئة" مثل الدهون المشبعة. وبذلك تمكنّت المطاعم من التحول إلى زيوت الطهي الأخرى دون شكوى تذكر من العملاء. لقد كان بإمكان مدينة نيويورك اتباع خيارات أخرى لتغيير السلوك مثل تشجيع المطاعم على التوقف طواعية عن استخدام الدهون المتحولة أو طلب تسمية الدهون غير المشبعة في قوائم المطاعم. مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجيات لم تكن لتزيل الدهون المتحولة تمامًا من طعام المطاعم بشكل فعال مثل التوصية القانونية. 


القيود:

يمكن للحكومات أن تَسُن سياسات لا تفرض وصايات على الجميع، ولكنها تقيّد فقط المنتجات في الأماكن الممولة من القطاع العام (بما في ذلك الإدارات الحكومية والمدارس والمستشفيات والسجون). على سبيل المثال، قد يطلبون من هذه الأماكن تقديم الطعام الذي يتبع الإرشادات الغذائية الوطنية فقط، أو الحد من بيع منتجات معينة (مثل الكحول أو المشروبات المحلّاة بالسكر). تتضمن أمثلة السياسة الحديثة حظر العام 2011 على بيع المشروبات المحلّاة بالسكر في الممتلكات التابعة لمدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، بالإضافة إلى حظر المشروبات المحلّاة بالسكر في جميع المؤسسات الغذائية داخل مستشفى الأطفال في ولاية أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية. ارتبط هذا الأخير بانخفاض في مبيعات المشروبات الغازية وزيادة مبيعات الحليب والعصير والماء والقهوة، دون خسارة في الإيرادات في المواقع الغير مخصصة لعمليات البيع. 


قد تقيّد السياسات أيضًا مبيعات المواد أو المكونات الغير الصحية للفئات السكانية المعرضة للمخاطر بشكل خاص، مثل الأطفال. ومن الأمثلة الأكثر شيوعًا هي تطبيق حد أدنى للسن القانونية لشراء الكحول والتبغ. وفي مجال الطعام، أصبحت ليتوانيا في عام 2014 أول دولة في الاتحاد الأوروبي تحظر مبيعات مشروبات الطاقة لأي شخص يقل عمره عن 18 عامًا، وهو إجراء يتم اتباعه على مستوى الولاية والمستوى المحلي في الولايات المتحدة الأميركية. بعض العلماء اقترح سياسات من شأنها أن تضع حدًا لنصيب الفرد من كمية المنتج الذي يمكن للمرء شراؤه (على سبيل المثال، علبة واحدة من المشروبات المحلّاة بالسكر  بسعة 500 مل لكل عملية شراء) أو تقييد المبيعات لمواقع أو ساعات معينة ضمن موقع شراء معين.


كما تم سن سياسات للتأثير -بشكل إيجابي- على بيئات الغذاء المدرسية. حيث يقضي الأطفال وقتًا في المدارس أكثر من أي بيئة أخرى بعيدة عن المنزل، وتؤثر الممارسات المدرسية على النظام الغذائي للأطفال وحالة الوزن. في عام 2010، سَنّت الولايات المتحدة الأميركية سياسة لتحديث معايير التغذية الفيدرالية لجميع الأطعمة والمشروبات في المدارس، والتي تتطلب حصصًا أكثر من الفواكه والخضروات والحد من السعرات الحرارية والدهون المشبعة والصوديوم وتقييد الوصول إلى الحلوى والمشروبات المحلّاة بالسكر. كما حظرت كلّا من بيرو وأوروغواي وكوستاريكا "الوجبات السريعة" في المدارس العامة منذ عام 2012، والبرامج في بلدان مثل البرازيل وإثيوبيا وملاوي والسنغال حدّثت سياسات الشراء لزيادة كمية الأطعمة المدرسية التي يتم جلبها من المنتجين المحليين. وفي عام 2014، أصدرت المملكة المتحدة معايير جديدة للأغذية المدرسية، والحد من الأطعمة المقلية والحلويات والتأكيد على المياه والحبوب الكاملة والفواكه والخضروات. على الرَغم من أن الأبحاث قد وثّقت الروابط بين سياسات الغذاء في المدرسة والتحسينات في جودة النظام الغذائي وانخفاض زيادة الوزن بين الأطفال إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لتوضيح كيفية تأثير هذه التغييرات على جودة النظام الغذائي للأطفال (داخل المدرسة وخارجها) بالإضافة إلى وزنهم بمرور الوقت.


الحوافز الاقتصادية:

بدافع من سياسات التسعير الناجحة لمكافحة التبغ، كان هناك اهتمام متزايد بدور الحوافز الاقتصادية (الضرائب والإعانات)، لتحويل أنماط استهلاك الأغذية والمشروبات نحو أنظمة غذائية صحية أكثر. ركّزت معظم الأدلة البحثية حتى الآن على بيانات الأسعار. تشير النتائج إلى أن تغيير أسعار أطعمة ومشروبات معينة يغيّر الاستهلاك، حيث ترتبط التغيرات الأكبر في الأسعار بتغييرات ذات مغزى أكبر في الاستهلاك. وقد ركّزت العديد من الدراسات الحديثة أيضًا على الارتباط بين ضرائب المشروبات الغازية على مستوى الولاية والبيانات الفردية، حيث أظهرت أن ضرائب المبيعات الصغيرة (1 بالمئة إلى 7 بالمئة) كان لها تأثير ضئيل على الاستهلاك الكلي للمشروبات الغازية أو على الوزن أو السمنة. العديد من الأماكن فرضت ضرائب خاصة على الأطعمة ذات القيمة الغذائية المنخفضة، بما في ذلك المشروبات الغازية والوجبات السريعة مثل رقائق البطاطا والحلوى والمواد عالية الدهون. في الولايات المتحدة الأميركية، 29 ولاية تفرض ضريبة مبيعات على الحلوى بينما تفرض 34 ولاية ضريبة مبيعات على المشروبات الغازية على الرَغم من عدم استخدام أي من الأموال الناتجة عن هذه الضرائب لجهود الوقاية من السمنة. تختلف ضرائب المبيعات على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأميركية وبينها، مع وجود ضرائب أعلى على آلات البيع مقارنة بمحلات البقالة.


بالإضافة إلى ضرائب المبيعات، أصدرت مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا ضريبة انتقائية على المشروبات المحلّاة بالسكر (0.01 دولار أميركي للأونصة [ما يقارب 30 مليليتر]) في عام 2014، وهي الأولى من نوعها في الولايات المتحدة الأميركية. وفي عام 2014، سَنّت الولايات المتحدة المكسيكية بيزو واحد (0.08 دولار أميركي) لكل لتر ضريبةً إنتاج على ضرائب البيع بالتجزئة وضريبة المبيعات 8 بالمئة على الوجبات السريعة (الأطعمة مرتفعة السعرات الحرارية والأطعمة غير الأساسية)، مما أدى إلى مقترحات مماثلة في بلدان أميركا اللاتينية الأخرى. وعندما سَنّت الدنمارك ضريبة الدهون المشبعة في عام 2012، محاكاة ما قبل الضرائب قدّرت أن ضريبة الدهون المشبعة من الممكن أن تقلل من استهلاك الدهون المشبعة بنسبة 8 بالمئة بين السكان. جمعت الضريبة 216 مليون دولار كإيرادات على الرَغم من إلغائها في وقت لاحق بسبب الضغوط من تجار التجزئة والمستهلكين.


تشير هذه النتائج مجتمعة إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي الضرائب الصغيرة أو الإعانات إلى تغييرات كبيرة فيما يخص انتشار السمنة على الرَغم من أن الضرائب الصغيرة قد تولّد إيرادات حكومية كبيرة. ومع ذلك، تدخلات التسعير التي لا بأس بها قد أظهرت تأثيرات قابلة للقياس على مخرجات الوزن لا سيما في الفئات السكانية الحساسة للسعر مثل الأطفال والبالغين ذوي الدخل المنخفض. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيف أن تحولات محددة في السياسات -بما في ذلك حجم الضرائب أو الإعانات والبنود المحددة الخاضعة للضريبة أو المدعومة وتصميم الضرائب أو الدعم- يغيّر السلوك ويؤثر على الوزن والمخرجات الصحية الأخرى. أيضًا هناك حاجة إلى البحث لفهم بشكل أفضل تأثيرات البدائل الغذائية والأكل التعويضي -يقوم به من يعاني من اضطرابات الأكل كمحاولة تناول أكل صحي لتعويض سلوكيات الأكل السلبية- والتغييرات طويلة المدى في السلوك استجابةً لتدخلات التسعير.


ضوابط التسويق:

في الوقت الحالي، معظم التسويق للأطعمة والمشروبات التي تستهدف الأطفال هو للمنتجات التي تحتوي على نسبة عالية من السكر أو الدهون أو الصوديوم. لقد وثّق بحث سابق أن التسويق يؤثر على تفضيلات الأطفال الغذائية وطلبات الشراء والمعتقدات والاستهلاك الغذائي. لهذا السبب، تفرض العديد من البلدان قيودًا على التسويق للصغار. في أكثر من 60 دولة حول العالم يوجد حاليًا بعض اللوائح الخاصة بالإعلان التلفزيوني للأطعمة والمشروبات للأطفال. وبدأت بعض الدول أيضًا في حظر الإعلانات التلفزيونية للأطفال، لكن من الصعب تقييم تأثير هذا الحظر. حظرت أستراليا الإعلانات التلفزيونية التي تستهدف الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 13 عامًا أو أقل، بينما تحظر السويد والنرويج ومنطقة كوبيك في كندا الآن جميع الإعلانات التلفزيونية التي تستهدف الأطفال بغض النظر عن المنتج المعني. كوريا الجنوبية بعد أن قامت بتقييد الإعلانات التلفزيونية للأطعمة الغنية بالطاقة والفقيرة بالمغذيات التي تستهدف الأطفال في عام 2010، استخدمت شركات الأغذية الكورية إعلانات تلفزيونية أقل بكثير عن هذه الأطعمة التي تستهدف الأطفال. قدّرت الدراسات السابقة أن حظر الإعلانات التلفزيونية عن الطعام للأطفال في الولايات المتحدة يمكن أن يقلل من انتشار السمنة، على الرَغم من أن تقدير حجم هذه الآثار يتطلب حسابًا أفضل للعلاقة غير الخطية بين تقليل السعرات الحرارية وفقدان الوزن. كما أن تعهدات صانعي الأغذية بالحد من الإعلانات التلفزيونية للأطفال منتشرة على نطاق واسع على الرغَم من أن الأدلة تشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود للحد من تعرّض الأطفال للتسويق وأيضًا الحد من قوة التسويق الموجّه للأطفال.


السياسات الأخرى للحد من تسويق المواد الغذائية للأطفال تشمل منع الإعلان عن الأطعمة والمشروبات الأقل صحة وتسويقها في المدارس وإزالة الألعاب في وجبات الوجبات السريعة للأطفال (على سبيل المثال، حظرت تشيلي وبيرو ألعاب الوجبات السعيدة).في البلدان ذات الدخل المرتفع، تُركّز معظم جهود السياسات الجارية حاليًا على الإعلان التلفزيوني وتسويق المنتجات داخل المدرسة لمعالجة تسويق الأغذية. ففي الولايات المتحدة الأميركية، تمثل قضايا حرية التعبير التجاري عائقًا رئيسيًا أمام سَن القوانين التي من شأنها الحد من الإعلان عن المواد الغذائية. ركزت معظم الأبحاث حول تسويق المواد الغذائية حتى الآن على الإعلان التلفزيوني ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم نطاق وتأثير استراتيجيات التسويق المتعددة وجهود التسويق الموجهة إلى مجموعات سكانية فرعية دون غيرها مثل الفئات ذات الدخل المنخفض أو الأطفال.


توفير المعلومات:

غالبًا ما تُقَابل السياسات التي تُعلّم الجمهور بمقاومة أقل من بعض التدخلات الأكثر تقييدًا التي وصفناها سابقًا. هناك مجموعة متنوعة من الجهود الإلزامية والتطوعية جارية لتضمين ملصقات السعرات الحرارية في قوائم المطاعم والملصقات الموجودة في على مقدمة مغلفات الأطعمة المعبأة والتي من شأنها أن تزوّد المستهلكين بالمعلومات التغذوية الأساسية. على سبيل المثال، أقرت الولايات المتحدة الأميركية قانونًا يتطلب وضع علامات على قوائم الطعام في سلاسل المطاعم الكبيرة. فالبحث عن تأثير تصنيف السعرات الحرارية في المطاعم على المستهلك من حيث اختيارات الأطعمة والاستهلاك الغذائي متفاوت حيث وجدت بعض الدراسات أن الملصقات شجعت على اختيارات منخفضة السعرات الحرارية بينما لم تلاحظ دراسات أخرى أي تأثير على خيارات الطعام. وتشير الحالة الحالية للأدلة إلى أن تصنيف السعرات الحرارية يعزز خيارات الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية لبعض المستهلكين، في بعض الأحيان، في بعض المطاعم. بوجه خاص، بعد أن تنفذ الولايات المتحدة الأميركية تصنيف السعرات الحرارية على المستوى الوطني سوف تكون هناك حاجة لدراسات طويلة المدى لتحديد تأثير تصنيف السعرات الحرارية على المدى الطويل.


كان هناك أيضًا اهتمام متزايد بوضع الملصقات على مقدمة مغلفات الأطعمة المعبأة لتحسين فهم المستهلك للملف التغذوي للأغذية و أو تحسين صحة خياراتهم الغذائية. في عام 2014، أقرت الإكوادور سياسة إلزامية لوضع علامات كالعلامات الضوئية -أخضر وأحمر وأصفر- على الأطعمة المعبأة بينما يتم استخدام خطط وضع العلامات الطوعية في دول مثل الدنمارك والنرويج والسويد وسنغافورة. في المملكة المتحدة، بعض الشركات المصنعة للأغذية تبنت نظامًا متعددًا لوضع العلامات الضوئية على الأطعمة والمشروبات المعبأة للإشارة إلى ما إذا كانت المنتجات تحتوي على مستويات منخفضة (خضراء) أو معتدلة (صفراء) أو عالية (حمراء) من الصوديوم والسكر والدهون غير الصحية. إحدى الدراسات التي أجريت على تدخل لوضع العلامات المشابهة لإشارات المرور الضوئية في كافيتيريا مستشفى بالولايات المتحدة الأميركية وجدت أن مبيعات العناصر الحمراء انخفضت وزادت العناصر الخضراء على مدار عامين وتم المحافظة على نفس تلك النتائج بعد عامين. ودراسة أخرى وجدت أن ترجمة تصنيف السعرات الحرارية إلى أرقام مكافئة لمدة النشاط البدني اللازم لحرق الكمية المعادلة من السعرات الحرارية على المشروبات المحلّاة بالسكر (على سبيل المثال، عرض عدد دقائق التمرين المطلوبة لحرق الكمية المعادلة من السعرات الحرارية في منتج ما) قد تقلل من مشتريات المشروبات المحلّاة بالسكر بين المراهقين. تشير هذه النتائج إلى أن بعض خطط وضع العلامات التصنيفية -على الأطعمة والمشروبات- قد تكون طريقة سهلة وفعالة من حيث التكلفة لتشجيع شراء منتجات أكثر صحة. نفذت هولندا جنبًا إلى جنب مع العديد من البلدان الأخرى رمز علامة "الاختيارات" والذي يتم استخدامه كعلامة على أرفف محلات البقالة للإشارة إلى المنتجات التي تلبي الإرشادات الغذائية للصحة على النحو الذي حددته لجنة علمية دولية مستقلة. على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث حول تأثير أنظمة وضع العلامات على العبوات أو علامات الرفوف فقد وجدت بعض الدراسات أنها يمكن أن تشجع على شراء منتجات أكثر صحة. ومن المهم للبحث المستقبلي تقييم التصميم الأمثل لملصقات التغذية وكيف تؤثر على عادات الشراء وتناول الطعام.


على الرغم من أن الهدف الأساسي لسياسات التغذية والتصنيف القائمة -للأغذية والمشروبات- هو توعية المستهلكين إلا أن أكبر آثارها على الصحة العامة قد تحدث من خلال توفير حوافز للمصنّعين لإعادة صياغة المنتجات (على سبيل المثال، تقليل السعرات الحرارية و تقليل أحجام الحصص التغذوية). على سبيل المثال، تم تقليل الدهون غير المشبعة في بعض الأطعمة المعلّبة بعد إدراجها الإلزامي في ملصق حقائق التغذية في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيف يحفّز وضع العلامات على إعادة صياغة المنتج بين صانعي الأغذية. بالإضافة إلى ملصقات التغذية، من المجالات الناشئة للبحث المستقبلي والمهمة للسياسات يتمحور حول وضع ملصقات تحذيرية على بعض المشروبات التي تحتوي على سكر مضاف. تم تقديم تشريعات مؤخرًا في نيويورك وكاليفورنيا على مستوى الولاية بهدف تثقيف المستهلكين حول الإثبات العلمي الذي يربط استهلاك المشروبات المحلّاة بالسكر بزيادة الوزن ومرض السكري وتسوس الأسنان. يمكن للحكومات أيضًا تثقيف الجمهور من خلال الإرشادات الغذائية الوطنية. على الرغَم من الاعتراف بكُلٍّ من السكر والكافيين -المكونان الرئيسيان للمشروبات المحلّاة بالسكر- على أنهما خَطرين صحيين محتملين إلا أن القليل من الحكومات حول العالم لديها توصيات كَمية أو توصيات قوية لتقليل استهلاكهما. 


إن تضمين قيود على السكر المضاف في الإرشادات الغذائية الوطنية لتعكس الأدلة العلمية الحالية سيكون خطوة أولى نحو معالجة هذه المشكلة. بشكل تقليدي، عملت مجموعات الاهتمام القوية على إبطاء إجراءات المنظمات الحكومية وغير الحكومية (مثل منظمة الصحة العالمية) في معالجة التقليل من السكر المضاف. ومع ذلك في عام 2014، أصدرت منظمة الصحة العالمية مسودة المبادئ التوجيهية للحد من السكريات إلى 5 بالمئة من إجمالي السعرات الحرارية اليومية بينما في عام 2015 أصدرت اللجنة الاستشارية للمبادئ التوجيهية الغذائية الأميركية تقريرًا علميًا يوصي بأن تقيّد الحكومة الفيدرالية السكريات المضافة إلى أقل من 10 بالمئة من إجمالي السعرات الحرارية اليومية. كلا المجموعتين من التوصيات هي حاليًا في شكل مسودة. هناك طريقة أخرى لتثقيف الجمهور من خلال الحملات الإعلامية والتي يمكن أن ترفع الوعي وتزيد المعرفة وتحفّز نوايا سلوكية أكثر صحة. العديد من المبادرات الحكومية أطلقت مثل هذه الحملات لإطلاع الجمهور على الأمراض المزمنة المتعلقة بالنظام الغذائي. ففي عام 2008، أطلقت الحكومة الأسترالية حملة “المقارنة“ أو ”Measure-Up“ لربط محيط الخصر بمخاطر الأمراض المزمنة. وأظهر التقييم زيادة الوعي العام بالصلة بين محيط الخصر والأمراض المزمنة لكن لم ينتج عنه تغييرات في تناول الفاكهة والخضروات أو النشاط البدني. وبالمثل، أطلقت إدارة الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا حملة ”كيس السكر“ أو "Sugar Pack" للتسويق الصحي في عام 2011 لتثقيف الجمهور حول الحد من تناول السعرات الحرارية الزائدة من المشروبات المحلّاة بالسكر. أظهر التقييم زيادة المعرفة والنية -المبلّغ عنها ذاتيًا- لتقليل استهلاك المشروبات المحلّاة بالسكر مما سيمكن إتمام استراتيجية شاملة للوقاية من السمنة.


الاوضاع الافتراضية البيئية:

يمكن لاستراتيجيات ”الندج أو الوكز" الإلزامية أو الطوعية —مناهج العلوم السلوكية التي تتضمن تغييرات بيئية صغيرة لا يلاحظها أحد عادة— أن تكمّل سياسات الصحة العامة التقليدية وتمهد لتصميم سياسات جديدة لزيادة الفعالية. تتمثل إحدى مزايا هذه الأنواع من التدخلات في أنها مصممة لتكون بسيطة وفعالة من حيث التكلفة. جزء من سبب جاذبية مثل هذه التدخلات هو أنها لا تعتمد على الأشخاص الذين يقومون بتغييرات متعبة أو يفهمون المعلومات الصحية المعقدة. على سبيل المثال في عام 2015، أسقطت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة الكبرى ماكدونالدز ووينديز وبرگر كينج المشروبات الغازية من قوائم الطعام الخا صة بالأطفال مما أدى إلى تحويل المشروبات الافتراضية إلى خيار صحي. بالتزامن مع مجهودات السياسات الرئيسية -في مجال الصحة العامة- فإن هذه الأنواع من التنبيهات الطوعية لديها القدرة على تقليل استهلاك المشروبات الغازية بين الأطفال. 


قد تغيّر السياسات أيضًا البيئة الغذائية الافتراضية من خلال زيادة الوصول إلى الأطعمة الصحية من خلال أسواق المزارعين والباعة المتنقلين للأغذية الصحية. محاولات حث المستهلكين على اتخاذ خيارات غذائية صحية من خلال إشارات بيئية دقيقة مثل حجم الحصة التغذوية الأصغر والالتزام المسبق باختيارات غذائية صحية من خلال طلب الطعام في وقت مبكر أظهرت بعض الإمكانات لتقليل استهلاك السعرات الحرارية. ومع ذلك، فإن هذه الأنواع من الاستراتيجيات تمثل عادة سياسات "p" صغيرة يجب أن تتخذها الشركات أو المؤسسات طواعية. أحد الأمثلة على السياسات الحكومية المصممة لتغيير حجم الحصة التغذوية الكبير الافتراضي في المطاعم كان مقترحًا عام 2012 في مدينة نيويورك للحد من حجم جزء من المشروبات المحلاة بالسكر والمباعة في أماكن خدمات الطعام إلى 16 أوقية سائلة (حوالي 500 مليلتر). تم إلغاء هذه السياسة لأن مجلس إدارة مدينة نيويورك للصحة لم يكن لديه السلطة القانونية لسنّها لكنها تظل خيارًا سياسيًا قابلاً للتطبيق. على الرَغم من عدم وجود نقص في الأفكار الإبداعية لاستخدام ”الندج أو الوكز" لتحسين البيئة الغذائية. تجربة عشوائية محكمة حديثة لم تجد أي آثار طويلة المدى للتدخل التحفيزي -”الندج أو الوكز“- داخل إحدى المدارس. وبما أنه يوجد عدد قليل من التقييمات الأخرى لمثل هذه التدخلات على المدى الطويل فذلك يعني أن هناك حاجة لمزيد من التجارب طويلة المدى.

الافاق المستقبلية

معظم بيئات الطعام في جميع أنحاء العالم تجعل من الصعب اتباع نظام غذائي صحي. بالنظر إلى حجم جائحة السمنة والتغيرات العالمية السريعة في أنماط النظام الغذائي غير الصحي فمن غير المرجّح أن تتحسن عادات الأكل للسكان بشكل عام دون تدخلات كبيرة في مجال السياسات. تكرارًا للنتائج السابقة، نرى الحاجة إلى جهود منهجية واسعة النطاق لمعالجة النُظم الغذائية غير الصحية. يجب على صانعي السياسات أيضًا إدراك العبء المزدوج -Double Burden- لنقص التغذية والسمنة لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مع وضع كلتا القضيتين في الاعتبار عند تصميم السياسات. علاوة على ذلك، فإن مستويات التمويل لتقييم تأثير السياسات الغذائية الرئيسية منخفضة للغاية في البلدان ذات الدخل المرتفع ولا يوجد بشكل أساسي أي تمويل للتقييم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. هناك حاجة إلى جهود جديدة لإنشاء أساليب أكثر شمولاً وصرامة لتقييم البرامج والسياسات الهادفة إلى تحسين النظام الغذائي إلى جانب التغذية الراجعة -feedback- لتحسين فعالية وكفاءة السياسات المنفذة. لزيادة قاعدة الأدلة العلمية هناك حاجة ماسة في هذا المجال لفحص الآثار طويلة المدى للسياسات في أماكن مختلفة وبين طبقات مختلفة من السكان وكذلك فحص أفضل الممارسات للتنفيذ. سيتطلب التغلب على وباء السمنة طلب التغيير من المجتمع المدني واتخاذ إجراءات وابتكارات من صانعي الأغذية والأهم من ذلك تنفيذ السياسات من الحكومات والمؤسسات.


العديد من خيارات سياسات الصحة العامة المبتكرة إلى حدٍ كبير غير مستكشفة…


ترجمة النص: نايف العيسى – بكالوريوس صحة عامة/أخصائي تثقيف صحي مصنف ومسجل


تواصل معي