بالنظر إلى ما بعد الوباء:

هل البناء على رغبتنا في التغيير

من الممكن أن يُترجم إلى حَيوات أكثر صحة؟

نُشر في 28 إبريل 2020

تُرجم في 3 سبتمبر 2021


إذا علمتنا جائحة فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أي شيء فهو أن الناس لديهم القدرة على تغيير السلوكيات -الغير صحية على وجه الخصوص- المترسخة عندما يكون حجم المخاطر عاليًا بشكلٍ كافٍ. من منّا عَلِم مُسبقًا أن العام 2020 سيكون عامًا بالنسبة لنا لإتقان ممارسة التباعد الجسدي؟ على الرَغم من أننا كنّا نجهل الممارسات الوبائية الصحيحة قبل ثلاثة أشهر فقط -هذه المدة تمثّل الفترة من بداية الوباء إلى وقت كتابة هذه المقالة- ، إلا أننا اعتمدنا هذه العادة الجديدة لتجنّب الإصابة بالفايروس أو نشره. ولكن ماذا عن السلوكيات غير الصحية الأخرى التي لديها القدرة على تقصير فترات الحياة -أعمار الأشخاص- في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية -والبلاد الأخرى- ؟ 


في الأول من يناير 2020، قام البعض منّا بوضع وعود للعام الجديد تهدف إلى تحسين الصحة -مثل-: تناول كميات أقل من الطعام، وفقدان الوزن، وممارسة الرياضة بشكل أكبر، وشرب كميات أقل من الكحول، والتوقف عن استخدام منتجات التبغ، والحصول على مزيد من النوم، والبَدء في التأمّل بانتظام، وجدولة موعد منظار القولون، و هَلُم جرا. هل من الممكن أن يكون هناك أمل في تحقيق الانجذاب لواحدة أو أكثر من هذه السلوكيات الصحية، أيضًا؟

الانتقال من الجهل إلى تغيير السلوكيات -الغير صحية بطبيعة الحال-


أخصائيي علم النفس وطب الإدمان مِّمَّن هُم على شاكلتي يستخدمون نموذجًا معياريًا للتغيير السلوكي ”Model of Behavioral Change OR The Transtheoretical Model (TTM)“ لفَهم كيف ينتقل الأشخاص من عقلية الجهل ”Cluelessness“ إلى عقلية الفعل ”Action“.


كما هو متوقع، نحن -البشر- نمر من خلال المستويات الست للتغيير الموضحة بالأدنى:

  1. مرحلة ما قبل التأمل: (”الحياة قصيرة — لا يوجد شيء يجب علي تغييره.“)

  2. مرحلة التأمل: (”من المفترض أن أفكّر في التغيير.“)

  3. مرحلة الاستعداد: (”وقت القيام بالتغيير اقترب بشكل كبير. هذه خطتي.“)

  4. مرحلة الفعل: (”لقد بدأت بالتغيير. أتمنى أن استطيع الاستمرار.“)

  5. مرحلة المحافظة: (”استطيع جعل هذا التغيير مستمر طالما أنا محتاج له. سأجعله روتينًا.“)

  6. مرحلة التخفيف أو التوقف: (”سوف اعتمد على بديهتي ونصيحة طبية موثوقة لإتخاذ قرار المحافظة على هذا التغيير أو الاستغناء عنه في الوقت المناسب.“)


الشوارع الخالية في نيويورك والعديد من المدن الأمريكية الكبرى الأخرى تشهد على حقيقة أنه فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي، انتقل عدد كبير من الأميركيين بسرعة هائلة من مرحلة ما قبل التأمل إلى مرحلة المحافظة. وبالنظر إلى تكيّفنا مع هذا التغيير الدراماتيكي واستقرار منحنى الوفيات في بعض أجزاء الولايات المتحدة الأميركية، كان من المحتمل أن يكون عدد الوفيات الفعلي بسبب كوفيد-19 جزءًا بسيطًا مما كان يمكن أن يكون لو بقينا على حالنا -دون تباعد اجتماعي-، متخبطين بين مرحلة ما قبل التأمل أو مرحلة التأمل.

الوباء ليس الخطر الوحيد على صحتنا وحياتنا


لنتوقف لوهله. ألا تتسبب آفات نمط الحياة مثل السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والإدمان والعنف في خسائر بشرية أكبر بكثير من كوفيد-19؟ ألا ترتبط هذه الأمراض البيولوجية النفسية الاجتماعية بحالة اجتماعية اقتصادية متدنية؟ أليست وفيات كوفيد-19 مرتفعة بشكل خاص في الأشخاص الأقل حظًا (أقل من حيث التعليم والمستوى المعيشي) والذين يعانون من مرض مزمن واحد أو أكثر؟


بنظرة سريعة على معدلات الوفيات في الولايات المتحدة الأميركية ومتوسط العمر المتوقع في كل ولاية على حدى تشير، للأسف، إلى أن الإجابة على جميع الأسئلة الثلاثة -السابقة- هي نعم. إن تأثير ”نمط الحياة الصحي أو أسلوب الحياة الصحي" والحالة الاجتماعية الاقتصادية على متوسط العمر المتوقع عالٍ جدًا: يمكن لسكان مقاطعة مارين، كاليفورنيا أن يتوقعوا أن يعيشوا أكثر من عشر سنوات أو أكثر من سكان مقاطعة هارلان، كنتاكي!

ما الذي يُمكّننا من تغيير سلوكياتنا الاجتماعية بهذه السرعة لمحاربة خَصم فايروسي، بينما، بشكل نسبي، نحن نخسر الحرب ضد نمط/أسلوب الحياة والحالة الاجتماعية الاقتصادية أمام أعداء كالسمنة والإدمان والعنف؟ ربما يكون لهذا علاقة بحقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بالأخير -العنف-، تنطبق الكلمات الشهيرة لـ بوگو والت كيلي: "لقد التقينا العدو، وهو ذواتنا.“


الطبيعة البشرية معقدة. فمقارنة بما يبدو عصيًّا على الحل من مصائب نمط الحياة، والتي يمكن تحديدها أو تضخيمها من خلال العوامل الاجتماعية الاقتصادية، يمثّل فايروس كورونا المستجد خصمًا أكثر سهولة. من الممكن أن تؤدي الخبرات العلمية والطبية والتكنولوجية التي تتمتع بها الذهنية العالمية المؤتمنة شديدة الترابط إلى إلحاق الهزيمة بالفايروس. لكن على المستوى الفردي والجماعي، يبدو أننا أقل كفاءة عندما يتعلق الأمر بمواجهة وهزيمة أنماط الحياة العدائية التي نمثلها ”نحن" -بسلوكياتنا-. نبقى غارقين في مرحلة ما قبل التأمل ومرحلة التأمل حتى فوات الأوان. 

لماذا يختار الكثير من المدخنين الإقلاع عن التدخين فقط بعد التشخيص بالإصابة بسرطان الرئة؟ لماذا لا يتوقف بعض مدمني الكحول عن الشرب حتى ظهور الصفار -اليرقان- نتيجة المرحلة الأخيرة من التهاب الكبد الكحولي؟ وكم هي الوقفات التي سنقيمها لضحايا العنف الطائش الموجه للذات أو للآخرين متعهدين بأن الآن وقت الاستيقاظ وإحداث فرق؟


تمامًا كما احتشد مجتمعنا لمواجهة عدوٍ فايروسي ماكر مثل كوفيد-19، بدءًا من الآن من المهم وبنفس القدر بالنسبة لنا تركيز الانتباه على مناقشة اضطرابات نمط الحياة كالسمنة والإدمان والعنف وعلاجها والوقاية منها (وهو الحل الأمثل). يمكننا أن نبدأ بخطوات صغيرة خلال الوقت الحالي من بقاءنا في منازلنا، وذلك من خلال مكافحة نزعات الخمول بممارسة الرياضة اليومية، وتجنّب إغراء النشوة -المرتبطة بمنتجات التبغ والكحول-، والأخذ بعين الاعتبار المحافظة على تناول الأكل الصحي بينما نصارع اغراءات إدارة الضغط/الاجهاد العصبي عن طريق استهلاك الأغذية -المهدئة- الغير الصحية.

معًا -كأفراد، وعائلات، وجماعات، ومجتمع- يجب أن نعقد العزم على إتخاذ إجراءات لتعزيز الصحة. نجاحاتنا في محاربة هذا الوباء الفايروسي يجب أن تلهمنا لمحاربة كل خصم خطير يهدد عافيتنا، وليس فقط أولئك -الخصوم- الذين يشكلون تهديدًا مفاجئًا وفوريًا ومخيفًا.


الناس لديهم القدرة على تغيير السلوكيات -الغير صحية على وجه الخصوص- المترسخة عندما يكون حجم المخاطر عاليًا بشكلٍ كافٍ.

د. ستيفن اديلمان


النص للكاتب: د. ستيفن اديلمان يعمل كمستشار في الطب النفسي لقسم تعاطي الكحول والمخدرات في مستشفى ماكلين. وهو أيضًا أستاذ مساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس. "Steven A. Adelman, MD"


ترجمة النص: نايف العيسى – بكالوريوس صحة عامة/أخصائي تثقيف صحي مصنف ومسجل

تواصل معي