مفاهيم حول منظومة الابتكار
شهدت العشر سنوات الماضية، اهتماما كبيرا، ومتواصلا بمنظومة الابتكار، الأمر الذي دفعه ليحقق تطورا كبيرا، وذلك على الصعيدين الإقليمي والعالمي، والمملكة، كإحدى الدول المتطورة في قطاع الابتكار واكبت هذا التطور والانتشار اللافت، حيث ياتي ذلك نسبة للدور الكبير الذي يضطلع به الابتكار، اقتصاديا وتنمويا، في مختلف مجتمعات دول العالم.
وما يؤكد مواكبة المملكة لتطور منظومة الابتكار ومجتمع الابتكار عالميا، أنها قد استطاعت أن تحقق تقدمًا لافتًا، في مؤشر الابتكار العالمي 2020، الذي قامت بإصداره المنظمة العالمية للملكية الفكرية، قبل شهرين، تقريبا، في نسخته الثالثة عشر، حيث حلَّت المملكة في المرتبة 66 عالمياً في مؤشر الابتكار العالمي من بين 131 دولة للعام، وهذا يؤكد على أن بيئة الابتكار في المملكة ظلت تواكب مراحل تطوره عالميا، وذلك من حيث المفاهيم، والممارسة العملية.
وذهبت المملكة، لأبعد من ذلك، لتحقق مركزا متقدما في تقرير التنافسية العالمي (GCR) للعام 2020م، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، حيث صُنِّفت المملكة ضمن الدول العشر الأوائل عالميًا في المهارات الرقمية بين مؤشر السكان النشطين، وذلك نسبة لتطورها الكبير في مجال بنيات المعلومات، والاتصالات، بجانب المهارات الرقمية الوطنية التي تتمتع بها، وهذا دليل عملي على سيرها بخطوات متسارعة نحو التحول الرقمي المصحوب بمؤشرات الابتكار .
والابتكار، كما عرّفه الكثير من المفكرين والاقتصاديين، يهدف إلى إيجاد أفكار جديدة وخلّاقة، يمكن تطبيقها على أرض الواقع، سواءً كانت في شكل سلع، أو خدمات، وذلك بما يفيد مختلف أفراد المجتمع، سواء كان المنتج تُستخدم في مراحل إنتاجه المختلفة التقينات، أم لم تُستخدم، المهم أنه يقوم على فكرة مبتكرة وجديدة، تقدم حلولا إبداعية، تلبي رغبات واحتياجات المجتمعات.
وهذا يعني أن الابتكار الإبداعي، كفكر وممارسة ليس بالأمر الجديد، فقد كان موجودا قبل ظهور التقنيات الحديثة، لأنه ليس شرطا أن كل عمل ابتكاري يكون تقنيا، حيث ظل الإنسان، ومنذ مئات السنين، يخترع ويبتكر أفكارا، ويحولها إلى منتجات تحقق له، أو تلبي له احتياجاته البسيطة وبطرق وأساليب جديدة، لا يستخدم فيها أي نوع من أنواع التقنية.
وكمثال لذلك، قد تبتكر شركة ما، منتجا جديدا تستخدم في تطويره ونموه التقنيات الحديثة، ولكنها عند الترويج له، أو توزيعه، قد تستخدم، طرقا وأساليب، مبتكرة وجديدة، لكنها لا تستعين فيها بأي نوع من أنواع التقنيات الحديثة، ورغم ذلك، قد تحقق الشركة من وراء ذلك النجاح المطلوب.
ونجد أن الابتكار بالفهوم الحديث الذي شهد دخول التقنيات الحديثة، قد يكون حديثا إلى حد ما، لذا فقد قامت هذه التقنيات بدور كبير في التطور والانتشار السريع الذي شهدته منظومة الابتكار، حيث سهّلت كثيرا من الأساليب والطرق التي يتم اتباعها، في مختلف مجالات وأشكال الابتكار، من حيث الممارسة والتطبيق.
ومن أمثلة ذلك، تقديم خدمات بطرق وأساليب جديدة ومبتكرة، منها منصات التطبيقات الذكية، كتطبيق "نوتا نوتا"، الذي يقدم تجربة تصنيع عطر شخصي، بطريقة مبتكرة وذكية، وكذلك تطبيق "مرني" الذي يوفر خدمات السيارات على الطريق، وعلى مدار 24 ساعة، وفق أسلوب مبتكر ، يختزل كثيرا من الجهد والوقت.
فضلا عن ذلك، فإن، بيئة المجتمع، الثقافية والاجتماعية، وعاداته وتقاليده، وما يحيط بهذه البيئة من أنشطة اقتصادية وتجارية مختلفة، فإنها تؤثر بشكل كبير في منظومة الابتكار، وتكون بمثابة البوصلة التي توجهه إلى المجالات التي يركز من خلالها أبحاثه وإنتاجه.
وبالنظر إلى بيئة الابتكار في المملكة، فإنها تجد رعاية واهتماما كبيرا، من القطاعين العام والخاص، ومما يشجع ذلك، أن نسبة الشباب تقارب 60 في المائة من إجمالي عدد السكان، وتتوفر لدينا قدرات ومقومات ابتكارية واعدة، لكنها في حاجة إلى مزيد من الجهود الاحترافية، التي توفر المناخ البيئي المناسب والمشجع، لظهور وتنمية مزيد من الابتكارات، فمنظومة الابتكار بالمملكة ينتظرها مستقبل مشرق وواعد.
ومنظومة الابتكار بمنصاتها وأنشطتها ودورها المعروف، لها دور آخر، يتعلق بالجانب المعنوي، والفكري وهو من الأدوار المؤثرة والفعّالة، ويتمثل في بث روح التشاركية، العمل بروح الفريق الواحد، تعزيز التفكير الإيجابي، بث أفكار جديدة ترتقي بروح المنافسة وتنافسية الأسعار، إضافة إلى إضفاء الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد، بالانتماء إلى كياناتهم ومؤسساتهم.
وانطلاقا من الدور الاقتصادي والتنموي، فإن منظومة الابتكار، بصورة عامة لا تتوقف فقط على الأفكار الإبداعية الجديدة، والتي تحولها إلى منتج، أو خدمة مفيده، أو تعمل على تطوير ونمو الموجود منها، ولكن أيضا تعمل المنظومة على توقع احتياجات المجتمعات مستقبلا، بجانب القدرة على استكشاف فرص جديدة في مختلف المجالات، بما يحقق رغبات وتطلعات المجتمع، مع ضرورة أن يحقق كل ماهو جديد ومستحدث، الفائدة للأفراد والمجتمع.