Designed by Freepik
الرياضة مداواة فكرية كما وجدتها
في طفولتي كان أقراني الصغار في بيت جدتي لأُمي معظمهم ذكور. فحينما يلعبون كرة القدم كانوا يطلبون مني اللعب كحارس مرمى، ليس لمهارتي بل ليتساوى عدد الفريقين.
كان هجوم الكُرة نحوي يسبب لي هلعًا. حينما تأتيني مرميّة تجري بسرعة البرق، كنت أخاف منها وأهرب. كحارس، كنت السبب الأول في خسارة الفريق. وكنت أحزن وأعِدُ فريقي بإمساكها في المرة القادمة ولا أفعل.
هذه هي علاقتي مع كرة القدم، علاقة فشلٍ وكُره. مع ذلك فأنا نشأت في بيئة رياضية، كممارَسَة وتشجيع.
أبي مفعمٌ بحب الرياضة.
حرِص على العمل في بيئة تتناسب مع شغفه، فخدَم في القطاع الرياضي معظم سنين عمله، لَعِب وحكّم وقاد ودرّب وغيرها من المسؤوليات.
كان يصطحبني إلى عمله عندما كنت طفلة. أخذني في جولات إلى ملعب كرة القدم وصالات الرياضة المختلفة، كصالات الحديد والتايكوندو والكاراتيه وكرة السلة وغيرها. لم أكن أُلقي اهتماما لكرة القدم وتدريباتهم ومبارياتهم، فعلاقتي مع هذه الرياضة كانت ومازالت مُضطربة. كانت عينايا تتلألأ ابتهاجًا حين أُشاهد تمارين الرياضات الأخرى. تركيز المتدربين على أجسادهم وقواها أشعرني أن انفصال الإنسان عن الحياة الرتيبة وخلوه بنفسه وممارساته الحركية تبعثُ فيهِ السعادة فيبُثها للبيئة حوله كما كانت تُبثُّ لي بمجرد رؤيتهم.
بعدما كبرت، صرت أمارس الرياضة بين الفينة والأخرى. كان التزامي ضعيف، كنت أرى أنها تعيقني عن مهامي الأساسية. لم أكن أحبذ التركيز على جدولين مختلفين يوميًا، جدول عمل وجدول رياضة. ونظرًا لكوني أقدِّر الاسترخاء اليومي لساعتين على الأقل، لم أجد للرياضة وقتًا مناسب وفضّلت الاسترخاء عليها، لم أكن أعلم أن الرياضة هي استرخاء بحد ذاتها.
وفي كل مرة أعزمُ الالتزام، أجد والدي أكبر مشجّع. كإخباري بما يعود علي من نفع جسدي وذهني، وكيف أن رياضة الجري تؤثر على نفسِهِ وجسدِهِ وما إلى ذلك.
❋ ❋ ❋
في الآونة الأخيرة أصبح الملل يتسلل إلى حياتي. لم أعد أتلذذ بوقتي الخاص. لم أعد أنجز أي شيء خارج إطار عملي. ولم أعد أُحِس بتجدد طاقتي مع بداية كل أسبوع كما كُنتُ في السابق. كان لديَّ عادة استثمار يوم السبت في القراءة والخروج لاحتساء القهوة وتعلّم تقنية معينة ونشاطات كثيرة. أصبحت هذه العادة مملة فأصبحْتُ أنام نهار السبت بدلا من استثماره المُثمر. أما عن قضاء هذا الكمِّ من الفراغ، وكوني مُولعة في تأدية عملي على أكمل وجه، صار فراغي لا يكفُّ عن تذكيري بأعمال لم أنهها بعد. فأصبح الفاصل بين عملي وحديقة الخريفٍ العاتية التي هي حياتي بمِقدارَ أُنملة لا يزيد.
تحدثت مع أخي عن الرياضة فقال: ”ألاحظ الملتزمين بالنادي من أصدقائي دائما يتسمون بصحة العقل والتفكير ويبدون أكثر سعادة من غيرهم“. كعادتي الفضولية، رحت اقرأ عن خلايا المخ قبل وبعد الرياضة، واحتياج الجسد للرياضة، ووجهة نظر العلوم النفسية لها ومواضيع مشابهة. وفجأة وبدون أي تفكيرٍ مُسبَق ذهبت فورًا للاشتراك في نادي رياضي.
❋ ❋ ❋
أما الآن، وبعد قرابة الشهر من الالتزام اليومي، لاحظت التالي:
الرياضة صحة نفسية وابتهاج وسعادة عارمة.
صفائي الذهني أصبح ينعكس أثره على ممارسة هواياتي. كوني دائما أكتب قبل النوم تدوينات شخصية لا أشاركها، لاحظت ارتفاع نشاطي الذهني فأصبحت أكتب بسلاسة وانسجام أكبر، وتسترسل الأفكار في ذهني ويفيض قلمي بانسياب لم ألحظه من قبل.
وجدت اتساع وقتي في النهار لمساعدة زملائي في العمل برحابة صدر، ومن دون أن يتعارض مع وقتي الخاص لإنهاء مهامي الشخصية. لم أُسجِّل إحصائيات واضحة عمّا تغيّر في سرعة إنجازي. لكن مايوُمض لي حدسي هو أني أصبحت أنهي خططي اليومية برضا كاف.
أذهب للنادي قُبيلَ المغرب وأعود قبل صلاة العشاء. أقضي ساعتين تقريبًا لأداء التمارين. ومن بعد النادي حتى منتصف الليل أتفنن في إعداد الوصفات الغنية بالبروتين لاستشفاء عضلاتي، ثم أستنفذ بقية الوقت في الإنترنت للقراءة ومتابعة المسلسلات أو اللعب. لم أكن أعلم أن مهاراتي في الطبخ قد تتحسن إلى هذا الحد. كانت أيضًا لدي قناعة راسخة لا تتغير وهي أن الأكل الصحي لا يتّسِم بالمذاق الجيِّد، فأصبحت الآن هذه القناعة تتغير شيئا فشيئا بعدما صرت أُعِّد وجباتي الصحية الشهيَّة بنفسي.
بما أني أصبحت أقضي المساء في النادي والطبخ بعدما كنت أقضيِهِ في احتساء القهوة والوجبات السريعة، لَفَت انتباهي تحسّنَ نومي. مازالت عينَيَّ تتوهج للجلوس على الإنترنت ولا أنام باكرًا، لكنِّي أحسستُ بعمق النوم. ساعات نومي لم تتغير لكن نومي بَاتَ أكثر جودة، واكتفائي من النوم صار أفضل.
لطالما انتابني الخوف من المشيخ المبكر بمجرد التأمل في أسلوب حياتي. طبيعة عملي في التقنية تستلزمني على المكوث بلا حركة لبضعة ساعات بنشاطات ذهنية فقط. ويغلب على نشاطاتي الأخرى أن تكون ذهنية لا جسدية. أما لياقتي ونوعية أكلي فحدِّث ولا حَرَج! لاحظت ضُعفي البدني مقارنةً مع فتيات غيري في أول أسبوع في النادي. لكن بقوة إرادتي وبإصراري اليومي في قصِّ جذور كسلي، أحْرزتُ تقدمًا كبيرًا في الأسبوع الثالث. فلا قلق على صحة بدني إن لم تمُت هذه الإرادة.
كان لديَّ اعتقاد أن الرياضة لمن يرغب التخسيس أو الزيادة في الوزن وأنا لا أرغبُ بأيٍ منها. وهذه الأسابيع البسيطة علمتني أني مخطئة. وأن الرياضة صحة في النفس والعقل قبل أن تكون تحقيقًا لرغباتنا في بناء أجساد ترضينا.
❋ ❋ ❋
هذه كانت تجربتي والتزامي الجديد.
آمل أن أبقى كما أنا الآن، وآمل لنا جميعًا صحة أبدان وعقول.
شاكرة لوقتكم.