Designed by Freepik

عِلاقتـي مع الزمـن


ألا تجدك عالقا في نقطة من الزمن، حيث يناجيك عقلك “كفاك تشبثا فيما مضى” والنفس تأبى المُضي؟

ألا تحتفظ بخطة للغد؟ وخطة إحتياطية؟ وخطة ثالثة لأسوأ ظروف الغد؟

أم أنك ترى أن في الحياة ما هو أجمل من ذكرى مضت ومستقبلٍ مبهم؟

قرأت في مراهقتي، عندما كنت متعلقة بالعلوم النفسية، عن أن الأشخاص ثلاثة: أشخاص يعيشون بالماضي، أو الحاضر، أو المستقبل. أثارتني تلك النظرية ولم تغب عن بالي منذ ذلك الحين. صرت أتأمل في نفسي وفيمن أطلت الحديث معهم فيتبين لي أحيانا كيف أن المرء قد يصب جلَّ تركيزه على فترة زمنية معينة. تحت دوافع وبيئة كوّنت هذا التركيز. أعدت البحث والقراءة فيها مؤخرًا، فوجدت أبرز من بحث فيها هو البروفسور Philip Zimbardo وقدم كتابًا مشوق بعنوان:

The Time Paradox: The New Psychology of Time That Will Change Your Life

لن أتطرق للعمق النفسي الذي قدّمه هذا البروفسور، سأتطرق إليَّ. ولكثرة وقفاتي التأملية نحو سلوكياتي الروتينية، ألحّت علي نفسي التدوين.

❋ ❋ ❋

ما يحيل بيننا وبين الماضي هو وميض الذكريات في جوفنا. وثمة ما يدفعني إلى إبقاء تلك الوميض. لا أبقيه بكل تفاصيله، أكتفي باعتبار حدوثه بتاريخ معلوم.

وما يحيل بيننا وبين الحاضر هو أنفسٌ تسبح في الزمن كيفما أرادت. قد تبقى بزمنها أو تهيم.

وما بيننا وبين المستقبل إلا آفاق وعوالم رسمتها وصورتها أنفسنا. قد يكمل المرء رسم مستقبله بقدر مايكنّ في جوفه من أحلام، وقد يرسم خططًا عشوائية لم تكتمل.

رسمتُ ألواح كثيرة عن المستقبل. ألواح لونتها بألوان الزيت البديعة لتضفي بريقًا لامعًا. و ألواح من فحم لم تزد ذلك المجهول الا عَتمة. وألواح خططتها بالرصاص لم أحبذ تلوينها، اكتفيت بالتصور الأوَّليّ وللمستقبل حرية التلوين بكيفما يغدو عليه.

لا أعتقد أن تلك الألواح ألواح أمل، ولا رهبة ووساوِس. كأنها ألواح تأهُّب.

❋ ❋ ❋

 يزعجني الاكتراث بالماضي وأحب المضي والتخلي والتناسي. حتى لو انزعجت من نقطة مضت، أعلم أني برغبتي في المُضي سأتقن الهروب. أعيش لحظتي الحالية بجمالها وقساوتها، وجوارحي تغرق بها. لكن قد أكثر السفر بأفكاري إلى الغد.

كثيرا مايستنفذ طاقتي اليومية تخطيطي للغد والاسبوع القادم وما بعد شهر وأكثر. ثمة مايشغلني بالغد. ودائما تعتريني الرغبة الملحة في القفز بالزمن.

لست بالشخص الحالم طلْق المُحيّا، ذلك الذي يتخيل مستقبلا باهر بابتسامة ترتسم على وجهه. ولست بالقنوط ذا لوحة مستقبلية بائسة. لكني لا أسير بلا خطة وتصور. 

❋ ❋ ❋

كما أني لا أغادر الماضي بدون حفظ تواريخه.

كتبت مذكراتي في صغري، ولا أذكر أني كتبت صفحة بلا تاريخ. من هنا تكونت لدي عادة تقدير التواريخ. فصار أول مايخطر ببالي خلال الأحداث المهمة لي معنويًا هو “ما تاريخ اليوم؟”.

إحتفظت بتواريخ الحزن والفرح. كتاريخ وفاة خالتي رحمها الله، وتاريخ آخِر رسالة مُفرِحة منها قبل أن ينهها السرطان، وتاريخ فوز فريقي بأفضل فكرة مشروع تخرج في كلية الحاسب، وتاريخ آخر اختبار جامعي، وتواريخ أخرى.

اطلعت على قوائم التواريخ قبل كتابتي لهذه التدوينة، ورأيت أغربها هو تدويني لتاريخ قراءتي الأولى لكود أثار إعجابي، كان لنظام الشركة التي أعمل بها حاليا. لا أعلم لمَ اكترثت له بهذا القدر الذي جعلني أدون تاريخ قراءته. قد يكون بسبب رغبتي الملحّة في العمل ببيئة تُحسِن البرمجة كفن، ليس فقط بتوظيفها كأداة صنع المنتجات وجلب المبيعات. ولا عجب أن يثير إعجابي، فلدينا ثقافة في تطوير البرمجيات وهي ألّا يمر سطر برمجي بلا مراجعةَ صارمة. ثقافتنا هي مزيجٌ من التساهل والتسامح كفريق ودِقة لا تساهل فيها ببناء وتحسين النظام.
ولكوني أحب محاكاة الكمال، رأيت فيه مايحاكي الكمال الذي لا نبلغه لكن نحاكيه، فأعجبني ودوّنت تاريخ إعجابي.


اكتشفت أن تدوين تواريخ الاحزان عادة سيئة قد تربطك بهذا الحدث وتزيد أواصر جذوره في الذاكرة طويلة الأجل، مما يبطل أعظم مزايا العقل البشري وهي النسيان. فصرت أكتفي بحفظ التواريخ المفرحة.

قد أبدو لك متعلقة بالماضي، فلا أدري. لا أحب استرجاع أحداثه، أحب فقط حفظ البعض منه بالتدوين. أعيش الحاضر بمتعة، فعلاقاتي متعددة ولدي كهف هوايات أغدو إليه دائما. لكن أكثر التفكير والتخطيط لكل شيء آت، صغيرًا كان أو كبيرًا.

أيضا، لا أزعم بأني مستقبلية. أنا نفس بشرية وكم فشلنا في محاولة إدراك خوالج البشر!
وقَسَمِهِ سبحانه في النفس، في الآية التالية، لا يشبع فضولي بل يزيده.

 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 

سورة الشمس

❋ ❋ ❋

هذه كانت أفكار تثير اهتمامي وأحببت الإبحار بها. لا أسعى لإثبات صوابها أو البحث في اخطائها.

يسعدني تلقي رأيك في التعليقات.


أشكرك على وقتك.

Join