سنُزهر من جديد بِلا وبـاء


في الأيام الأولى من ظهور وباء كورونا لم أكن أُلقي بالًا لما حدث. ولم أعلم بالضبط مالذي حدث بالصين. حتى الآن لست متأكدة من معلوماتي عنه، فلم أبحث ولم أسأل قط. فقط أختبئ في منزلي مثلكم. مع الجماعة، ولوطني سمعًا وطاعة. 

لا أتجاهل أخبار تلك الدول لأسباب معينة، لكن هذه أنا، لا تهمني أخبار العالم ولا أشغل بالي بها، إلا إذا بدأ تأثيرها عليَّ وعلى دولتي أو على الوطن العربي بشكل عام. ودائما لدي اعتقاد أني لا أملك الوقت الكافي لمتابعة أخبار العالم. بالتأكيد لدي الوقت، لكن عملي مُعقّد ويتطلب جهد فِكري، فوقتي بعد العمل ضيق وقصير وأحبذ استغلاله بهواياتي. 

فكنت فقط أسمع الأخبار عن الوباء. وبما أن الأمر مجهول ومخيف، أحاول التهرب وعدم مواجهة الحقائق. 


كان لا يلفت نظري في الموضوع إلّا النُكت والفكاهة عنه في منصات التواصل. وأشجع بهذه الفكاهة مهما وقف البعض ضدها. تهمني النفس وطمئنتها، والضحك يريح النفس. فبطبعي لا أحب الترويع والاكتفاء بنشر المحتوى المُحزِن. فإن كُنت، يامن استمريت بنشر المحتوى المُفجع والمحزن بلا تبشير ولا طمئنة، تخاف عليَّ وعليك وعلى العالم من الموت بوباء، فلا تقتل أرواحنا قبل أن يُفنينا الوباء بتهويلك وإفجاعك وحزنك. 

❋ ❋ ❋

في نفس الأيام، حينما كان الوباء حادثة انتشرت في الصين فقط، كنت مع صديقتي في مقهى. 

وكعادتي معها، نقطع العهود ألّا نتحدث عن البرمجة حين نلتقي لنستغل اللقاء بأحاديث اجتماعية طبيعية. ولكن ما أن نلتقي، حتى تبدأ ثرثرة مهووسي البرمجة الذين صادف أن يكونوا نساء، فلك أن تتخيل تضاعف الثرثرة هنا. فكنا نتحدث بتلك الأحاديث غالب الوقت، حتى صمتنا قليلا لنبحث عن مطعم للعشاء. 

إتجهنا للمطعم. فأخذت توبخني طيلة الطريق. ولطالما وبختني على تبذيري أو أكلي الغير صحي وجميع عاداتي السيئة بلا استثناء وكأنني ابنتها. حتى أنها لا تكتفي بالإمساك بيدي حين نقطع الطريق بين السيارات، بل تعصِرُها عصرًا خوفًا عليَّ من أن أنطلق بين السيارات وأُصدم. أتصور أن أوعيتي الدموية برِسغي تتعرف عليها ما إن تُمسِك بيدي. 

دعنا من الرسغ، كانت توبخني لأن العالم ضايقها بتدهوره، أحاديث الحرب العالمية الثالثة، كورونا والصين وأشياء أخرى لا تحضرني حدثت مع بداية هذه السنة، ونحن مازلنا داخل قوقعتنا منغمسين في عالمنا ولا نأبه بالعالم الخارجي. لا نبحث ولا نقرأ فقط نلهو بأمتِعتنا. لم يتعدى الوباء الصين وقتها ولم يكن العالم بهذا الهلع الحالي، لكنها اكترثت وربما أرادت إحيائي بجوانب أخرى. 


❋ ❋ ❋

خرجت مع صديقة أخرى في نفس الوقت الذي أعلن فيه أول حالة في السعودية. أحضرت الصديقة صغيرها ذو الأشهر معنا، فخشِيتُ عليه. طفلها هي بالذات هو طفلي الذي لم ألده، فقد أبكاني فرحًا خبر حملها وبكيت أيضا لحظة قدومه. 

إقشعرّ بدني لمنظر صغيري الحبيب خارج المنزل معنا، مع أخبار الوباء واجتياحه أوطاننا العربية وقُربنا من منطقة الخطر أكثر من أي وقتٍ مضى.

لم أجرؤ لمس الصغير قبل أن اغتسل بالمُعقم. اغتسلت بضع مرات، يداي ووجهي. ورششت ملابسي للإحتياط لكن حاولت ألّا تراني صديقتي بهذا الغُلُو في الإحتراز.

المهم أني سألتها: مع أخبار الوباء وأول حالة في بلدنا، ألم تخشين الخروج معي لأنك مضطرة لإحضار طفلك معنا؟ 

قالت: لا. وكانت ترد بثقة وإيمان تام. 

اكتفيت بالثناء على أنها لم تجزع وتهلع بعكس بقية النساء حولي، بل كانت صامتة متزنة. وبعيدا عن صحة موقفها، الأوبئة هي مجالها ودراستها، فرُبما كانت تقيّم الأمور من منظور أعمق وأبعد لتعمُقها في المجال الصحي، واطلاعها عن الوباء وتصدي المملكة العربية السعودية له بحكمة.


❋ ❋ ❋

أما الآن، ومع الانتشار الوباء في العالم، والأرقام المُقلقة التي جعلتني أبحث وأُتابع المستجدات يوميًا، ولم أعهدني خارجة من قوقعتي الصغيرة كهذه الفترة، وددتُ أن أُدون رأيي.

إنتابني الخوف حينما استمر معي صداع وإرهاق لأسبوع تقريبا. عزلت نفسي بغرفتي من دون عِلمِ أهلي لئلا أقلقهم. كان فقط للإحتياط مع أني كنت متيقنة أن السبب هو ضغط العمل، فللوقاية من الوباء يجب استغلال الخدمات الإلكترونية بما فيها التسوق الإلكتروني، وهُنا تأتي خدمات يُقدمها عَمَلي. فما أن أنهيت مهامي الحرِجة وزال التعب، ارتحت أن السبب لم يكن كورونا. 

لكن بشكل عام، تقلقني الأزمة من جوانب نفسية. أعلم أن الوباء قد يكون قاتل وقانا الله وإياكم من كُل شر، ويجب أن يُدركه الكبير والصغير. لكن يضايقني نشر المعلومات المُفجعة عن الأموات والمصائب في دول العالم. ليس لأني أخاف، فأجدني مُتعالجة من قلقي ووساوسي شُكرا لكتب كثيرة قرأتها في هذا الجانب. فمادمت في منزلي مختبئة، فليس لديَّ حولٌ ولا قوة، إن أصابني فسأتعالج وماسيحدث لي بعد ذلك، كتبه الله عزّ وجل لِي قبل أن يخْلِق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة! لكن أخشى على أمي وعمتي وجدتي وخالتي وجميع من بلغوا أربعين سنة فأكثر مِن الوساوس والقلق حول وباء قد يزول قبل أن يصيبهم بإذن الله.

يحزنني ألّا ينام شخص من القلق، فالقلق أيضًا مُهلِك. 

لذا في ظل هذه الظروف أحاول نشر الإيجابية في منزلي. كلما أخبرتني أمي عمّا قرَأَت في الإنترنت من معلومات محزنة، أحاول تبشيرها وتذكيرها أننا نفعل الأسباب ولنصطبر فقط. وأحاول إبقاء ردة فعل هادئة وإيجابية.


❋ ❋ ❋

أما عن شوقي، فأشتاق للحياة الطبيعية التي لطالما مللت من روتينها. أشتاق لحضور إجتماعات أقاربي التي لطالما فررت منها بأعذارَ سخيفة أو حتى بدون عذر. أشتاقُ لشراء كوب قهوة من الخارج بدلا من تحضيره بنفسي في المنزل، أُتقِن التحضير لكن أشتاق لأكون المُستهلِك السخيف الذي يقف في صف من أجل كوب قهوة. أشتاق لرؤية العالم والأماكن العامة بلا خوف ولا تباعد.

أتمنى أن تعود الأيام لمجاريها، حينها سأدون هنا استمتاعي بأول كوب قهوة أشتريه من الخارج.



دمتم بصحة.







تاريخ النشر الأول: 2020-04-12 01:21:32 AM

Join