كتاب


الإجماع الإنساني


انطباع

يتناول الكتاب العلاقة بين العلم التجريبي و بين الحس المشترك أو الفطرة و هي تلك الأفكار أو الخبرات البشرية التي تعتبر شيئاً ثابتاً في المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ. هذه العلاقة بين العلم و الحس المشترك عانت من الاضطراب منذ حدوث الثورة العلمية التي غيرت مسار التاريخ و أدّت إلى ابتكار صورة جديدة للعالم و شككت في تلك الخبرات البشرية.


في البداية يوضح المؤلف المقصود بالمشتركات البشرية أو ما يسميه "الإجماع الإنساني" أو الفطرة و يذكر بعض المحاولات السابقة في تحديدها ثم يقدم نقداً لتلك المحاولات ثم يضع معايير وحدوداً لتلك المشتركات لكي يستبعد ما قد يُظن خطأً أنه مشترك إنساني كفكرة الأرض المسطحة أو فكرة دوران الشمس حول الأرض التي ربما اشتركت المجتمعات البشرية في اعتقادها في زمن ما. يستخدم المؤلف مصطلح "اللعبة" كاستعارة للحياة ثم يوضح تلك المعايير الضرورية للفطرة و هي معياران: 1- أن تكون شرطاً أساسياً للعبة الجماعة البشرية ، و 2- أن تعبر عن حاجة نفسية و اجتماعية. إن الأفكار التي اجتمع عليها الناس على مر التاريخ و يتحقق فيها هذا المعياران هي أفكار غير قابلة للإنكار و بيّنة في نفسها و ينتهي عندها الدليل ، أي لا يُطلب لها دليل ، و تعتبر أسساً للمعرفة.


تلك المشتركات البشرية التي يتحقق فيها هذان المعياران هي على درجة واحدة من الثبوت و الصحة مثل: حقيقة وجود عالم خارجي ، و الأوليات العقلية ، و السببية ، و الاستقراء ، و الدين (بالوصف العام باعتباره اعتقاداً في مقدس) ، واطراد الحوادث ، و قابلية العالم للفهم و وضعه في قواعد لغوية...إلخ. و يرجع السبب في اضطراب العلاقة بين الحس المشترك و العلم إما إلى الاعتقاد الخاطئ بأن فكرةً ما تعتبر مشتركاً إنسانياً –كفكرة الأرض المسطحة- ثم يأتي العلم ليصحح تلك الفكرة فبالتالي تهتز الثقة بالحس المشترك في ضوء اكتشافات العلم ؛ أو إلى الخلط بين الموقف الطبيعي للإنسان العادي الذي يستخدم فيه لغةً ذات وظيفة تلبي الحاجات اليومية و بين الموقف العلمي الذي له لغته و سياقه الخاص. و يذكر المؤلف مثالاً طريفاً على هذا الخلط بين الموقف الطبيعي و الموقف العلمي و هو العلاقة بين الأرض و الشمس من حيث الدوران. فإن إنسان هذا العصر لا يخفى عليه أن الأرض هي التي تدور حول الشمس و تعتبر هذه حقيقة واضحة عند من لديه أبسط تحصيل علمي ، ولكن مع ذلك فإننا –حتى علماء الطبيعة- نستخدم تعبيرات تدل على عكس ذلك ، أي تنسب الحركة للشمس كقولنا طلعت الشمس أو غربت.


ما لفت انتباهي و تأملي هو تأكيد المؤلف على أن المسوغ لشروط اللعبة و المعنى هو المجتمع و أن قواعد اللعبة تقوم على مبررات نفسية واجتماعية لا مبررات منطقية. هو يتجاوز النقاش حول أصل المعرفة أو أصل تلك الشروط (كالأوليات العقلية) إلى مسألة تأمين المعرفة و أن ما يؤمّن تلك المعرفة هو المجتمع و أن اللغة لها دور محوري في ذلك. فالإنسان -منذ كونه طفلاً- يتعلم القواعد ممن حوله عن طريق اللغة و يستحيل أن يتعلم تلك القواعد من الاستبطان أو التأمل الذاتي أو اللغة الخاصة لأنه في هذه الحالة لا يوجد معيار للربط بين المعنى/الدلالة و بين اللفظ إلا الذاكرة و لكن لا يمكن التعويل على الذاكرة لتحقيق هذا الربط و توصيل الدلالات إلى الآخرين. إذن لا بد من اللغة لأن اللغة توفر بنية معيارية تتيح لنا أن نتصور العالم و نعقله و هذه اللغة هي بنت المجتمع ، و هكذا يتضح دور المجتمع في تأمين المعرفة.


ثم يستعرض المؤلف محاولات للتشكيك في الإجماع الإنساني و أبرز تلك المحاولات هي نقد هيوم للسببية و نفي باركلي للمادة ، و يرد على تلك المحاولات بالإحالة إلى الفطرة أو الجماعة.

Join