حتى إذا بلغ أشده


رسالة والدي

-٦-

ترددت كثيراً قبل نشر رسالة والدي بمناسبة بلوغي ٤٠ عاماً، وذلك لوجود الكثير من الأمور الشخصية التي قد لا يفهم مغزاها من هم ليسو حولي، لكن بعد تفكير لعدة أسابيع، ادركت الأثر الكبير للرسالة فيّ وفي عائلتي الصغيرة والدفعة الايجابية التي حظينا بها، خصوصاً أن الرسالة تحتوي على عدة فصول ومواقف، وأسلوب سلس بالكتابة كما أنها مناسبة اعادت ابداعات والدي في كتابة الرسائل بعد انقطاع. 


استلمت الرسالة بخط والدي بعد لقائنا الأسبوعي، كانت بخط يده معها هدية جميلة وتعني لي الكثير. 






ابني ربيع …


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اليوم الخامس من ربيع الأول ١٤٤٤ للهجرة، انهيت عقدك الرابع، بلغت أشدك، بلغت أربعين سنة.


(قال رب اوزعني أن اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه واصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين).


ربيع: دعني ارسم لك صورة سريعة للسنوات التي مرت، وكما يقال ما أسرع مامضى.



العقد الأول:


كنت طفلاً كل شئ فيك جميل،

مظهرك، سلوكك وتفوقك،

كنت مصدر ابتسامة وتفاؤل لكل من شاهدك.

الجميع يرى فيك شيئاً مختلفاً.

تحسن الكلام، تحسن التصرف،

يبدو عليك أمارات الرشد.


العقد الثاني:


اصبحت مثالاً يحتذى من جميع ابناء عمومتك وأقاربك في التفوق الدراسي والنشاط الرياضي والطموح المهني.

وشيئاً فشيئاً اصبحت الكابتن والليدر وصديق الصغار والكبار.

انطلقت بكل ثقة وخلفك أخاك وابناء عمومتك الذين اصبحو كلهم أطباء متخصصون.


أملٌ رسم بعناية، وفقك الله أن تكون في مقدمته، كنت الجواد الأسود، والحمد لله الجميع لم يخطئ طريقه، كنت نعم الشخص الذي يُحتذى.



العقد الثالث:


لا شئ يأتي بلا تعب.


عبرت سنوات الدراسة والتدريب الطويلة بما كنت تتصف به من حفظ وروتين وتكرار متجاهلاً عصبية ونرجسية من كانوا بالطريق، تنظر إلى الجانب المشرق، صابراً ترجو رحمة ربك، ورحمة الله قريبة من المحسنين.


اتذكر يا ربيع:


يوم تخرجك كم من الفرح غمر من أحبك بصدق.

اتذكر: حفلة زفافك، أجمل ليلة تقول أمك،

يوم ميلاد لمار.. لمار البهجة،

حفلة الوداع من عملك، حب العاملين معك لك.

جميعها لحظات سعادة وفرح ولسان الحال يقول: الحمد لله ، ولسوف يعطيك ربى فترضى..



العقد الرابع:


أظهرت حباً وانضباطاً وجدية في العمل. أحبك زملاء العمل كما أحبك ابناء عمومتك وأقاربك. كنت لهم دوماً مصدر ثقة وإلهام.


في البعثة انتقلت إلى بيئة أخرى في بلد آخر، وثقافة مغايرة. كنت خير سفير لمجتمعك، اختلف الناس إلا في محبتك.


وعني اذكرك بما كتبته الاستشارية المشرفة على دراستك.

كتبت تقول:

كل المتعة أن تعمل مع ربيع، ربيع يحيل المجموعة إلى فريق، إنه قادر على تعزيز المناقشات الايجابية ويستخرج أفضل مالدى الآخرين. ربيع أصل قيّم لأي فريق عمل.


والحمد لله انهيت مشوارك الدراسي بكل تفوق، تاركاً خلفك ذكرى طيبة عطرة، ورجعت لتكرس حياتك لأسرتك وعملك.


ربيع:


لا أدري كم تبقي لك من عقود.


مهمتي منذ ولادتك وحتى هذا اليوم مربياً، مرشداً، ناصحاً، فالأب هو النجم الهادئ إلى الطريق. والله الهادي إلى سواء السبيل.

ربيع..


الآن ماذا عليّ أن أقول وأنت قد بلغت أشدك وأنا في النصف الأخير من العقد السابع فاقداً جُل أشدي، ولا أدري كم تبقى لي من أعوام.


أقول أنا ووالدتك..

أنك نعم الابن، باراً بلا عقوق، راضياً بلا نكد، محباً للخير، كارهاً للشر، كريماً مع الجميع وعطوفاً بالضعفاء.


حقاً جُبلت على الطيبة وحب المساعدة. ادعو الله أن تكون ممن وعدهم الله ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون).




القادم يريدك قوياً
0hours
0minutes
0seconds

ربيع..


هذه هي الحياة،

أربعون عاماً مضت،

بيسرها وعسرها،

ولا شيء يبقى الا الباقي عز وجل.


القادم يريدك قوياً، لائقًا.

اعتن بصحتك وجسدك.

لمار وسيرين وبنات محمد ودارين وإيمان يريدونك ليلة زفافهم حسن المظهر، نشيطاً حسن المنطق، حكيماً موفقاً لإدارة الأمور.


دائماً هناك أمل..

وفقك الله وحفظك.



أبو ربيع 

٥-٣-١٤٤٤ 

Join