كثيراٌ بإخوانه
كنا في الأسبوع الماضي من يوم الخميس الموافق 14 يناير من عام 2021 في رحلة ماتعة جداً برفقة أخواني قادة الإحسان إلى مدينة ينبع الجميلة و كانت الرحلة بعنوان “ كثيرٌ بإخوانه “ و عند وصولنا إلى مقر الإقامة جلسنا في جلسة سمر و حكى لنا المربي و القدوة الحسنة : محمد أحمد كامل “أبو خالد” عن سر تسمية الرحلة بهذا الاسم ، و هو عن الأثر الذي ذكر فيه
“ المرء قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه “ . و كانت الرحلة و مدتها ثلاث أيام مخصصة لتعليم القادة
“ مهارات العمل الجماعي “ و في هذا التدوينة البسيطة سأنقل لكم بعض أهم الممارسات و النظريات التي تعلمناها في هذه الرحلة الجميلة .
قد جاء في الأثر : المرء قليل بنفسه كثيراُ بأخوانه
الاتكالية في العمل الجماعي
تعلمت أن الاتكالية هي المشكلة الاكبر في العمل الجماعي و يكمن علاجها في كلمة واحدة فقط “ بادر “ اخلق بيئة في فريق العمل و شجع على المبادرة بإستمرار . و تُكسب المبادرةُ صاحبها فوائد خاصة دنيوية وأخروية, كما تُكسب الجماعةَ فوائد شتى قد تفوق فوائد الفرد المبادر؛ فهي عمل حميد واستجابة لتوجيه رباني, والشرع الحنيف يحض الفرد على فعل الخيرات والتسابق إليه، ويجعل الجزاء الأخروي للسابق, ويحرم منه المتخلف عن المبادرة كما ذكر الرسول صل الله عليه و سلم حديث: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» حرم الراغبين الطالبين - بعد فوات التوقيت المناسب - من أجر الهجرة الذي ظفر به السابقون من المهاجرين.
قصة ذي الجوشن الضبابي
حينما دعاه الرسول "صلى الله عليه وسلم" بعد معركة بدر للدخول في الإسلام قائلاً له: «هل لك إلى أن تكون من أوائل هذا الأمر؟ قال: لا، قال: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك، فأنظر؛ فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك» فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه رسول الله؛ إذ ترك المبادرة إلى الإسلام وإلا لكان من أوائل الداخلين إليه، فكان على ذلك نادماً, فمن ترك المبادرة فاته الخير المترتب على المبادرة الذاتية وهو فوات لا تعويض له.
أهم نقطة في العمل الجماعي
لو لم تخرج من هذا المقال إلا بهذه الفائدة لكفتني :
الفريق يمضي بأقل أفراده سرعة
في تجارب كثيرة خضتها في ميادين العمل التطوعي و الانشطة الطلابية في جميع مراحلي التعليمية و كنت أعتقد أنني جدير بقيادة و إدارة الأشخاص و الفرق و لكنني كنت أواجه مشكلة كبيرة و هي تخلف بعض أعضاء الفرق التي أديرها عن الركب و كنت أعتقد أن الخلل و التقصير منهم و لكن ! كان الخلل يكمن في طريقة إدارتي ، حيث كنت أمضي بالفريق بسرعة أسرع أعضائه و من لم يلحق بالركب يعتبر مقصر بل في بعض الأحيان يمكن أن يتم الاستغناء عن خدماته نتيجة هذا الخطأ الفادح في طريقة القيادة .
ما هو الحل ؟
يكمن الحل في أن تتأكد في أن جميع أعضاء الفريق يملكون نفس الرؤية و التوجه و الشغف و الامكانيات اللازمة ليكونوا جزء من الفريق و بعد ذلك ينبغي أن يمضي الفريق بأقل الاعضاء سرعة و تقسم المهام و تحدد تواريخ التسليم بناء على إمكانيات أقل الأشخاص في الفريق ، و في ذلك فوائد عديدة منها ، أن يمضي الفريق بإتساق كبير و تمكين هؤلاء الاشخاص و إعطائهم الثقة ليقدمون و يبدعون و كذلك العديد من الفوائد .
لا عمل جماعي مستمر بدون شفافية
تحدث الكثير من المشاكل التي قد تضر بالفريق بل يتجاوز هذا الضرر للمجتمع بسبب عدم وجود الشفافية بين أعضاء الفريق ، و اسباب عدم وجود الشفافية كثير منها :
مفارقة ابلين Abilene Paradox :
البشر كائنات إجتماعية يهمها تكون ضمن مجموعة معينة تكسب ولائها و لا تقوم بإغضابها ، و بناء على هذه القاعدة البسيطة نحن نتصرف بشكل مختلف عندما نكون مع أصدقائنا و زملاء العمل : فتجد أنك توافقهم على اختيار مطعم معين و هو لا يعجبك بسبب ضغط هذه المفارقة و أنت في الغالب توافق لأنك تخشى الانعزال و أنهم يحسون بأنك غريب و ثانياً تخشى الأفكار السلبية التي يظنونها عنك و هذه المشكلة تتجاوز الاشياء البسطية مثل المطعم و الاجتماع و قد تتعلق بقرارات مصيرية تهم العائلة أو الدولة مثال :
“ فضيحة ووترغيت “
هو اسم لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا. كان عام 1968 عاماً سيئاً على الرئيس ريتشارد نيكسون، حيث فاز بصعوبة شديدة على منافسه الديموقراطي همفري، بنسبة 43.5% إلى 42%، مما جعل موقف الرئيس ريتشارد نيكسون أثناء معركة التجديد للرئاسة عام 1972 صعباً جداً. قرر الرئيس نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت. وفي 17 يونيو 1972 ألقي القبض على خمسة أشخاص في واشنطن بمقر الحزب الديمقراطي وهم ينصبون أجهزة تسجيل مموهة. كان البيت الأبيض قد سجل 64 مكالمة، فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الإتهام إلى الرئيس نيكسون. استقال على أثر ذلك الرئيس في أغسطس عام 1974. تمت محاكمته بسبب الفضيحة، وفي 8 سبتمبر 1974 أصدر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً بحق ريتشارد نيكسون بشأن الفضيحة. عندما بدأ التحقيق الجميع قال أنا غير مقتنع بهذه الفكرة و لكنني لم أتكلم بسبب عدم وجود شفافية في الفريق و نتائج هذه المشكلة الا وهي غياب الشفافية ، استقالة الرئيس الأمريكي
الشفافية :
يجب عليك كقائد أن تعزز مبدأ الشفافية في الفريق و تجعل الجميع يعلم ماذا يحدث و يخبرك بما يحدث و لهذا فوائد عظيمة جداً .
صرح برأيك و لكن عند اتفاق الفريق كن داعماً لهم
من أهم الامور في العمل الجماعي هو أن تكون ضمن الفريق و داعم لهم في أي قرار يتخذ و لكن يخالف رأيك و في ذلك فائدة كبيرة للفريق و حتى لو كان القرار خاطئ فأن الفائدة المُحصلة من تماسك الفريق و اتساقه ليس لها ثمن .
مثال :
في غزوة أحد اجتمع الرسول بأصحابه وشاورهم، فاختار البعض البقاء في المدينة والتحصن ومالَ الرسول إلى هذا الرأي وكان يرى أن الافضل و الاكمل أن لا يخرج إليهم، واختار الرجال و الشباب المتحمسون الخروج ولقاء العدو وألحوا على الرسول بذلك، وأمامَ هذا الإلحاح دخل الرسول صل الله عليه و سلم إلى بيته ولبس لباس الحرب و عندما قام بعض من الصحابة بالإنكار على شباب الصحابة المتحمسين على الإلحاح على الرسول رجعوا إلى الرسول و اعتذروا تأدباً و تراجعوا و قبلوا رأي النبي صل الله عليه وسلم الاول ، قال صل الله عليه وسلم “ ما كان لنبي إذا لبس لأمته للحرب أن يخلعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " .
في الختام
تأكد دائماً أن المرء دائماً كثيرٌ بإخوانه ، و أن للعمل الجماعي فوائد كبيرة جداً على مستوى الفرد و الجماعة و أن العمل الجماعي هو بوابة الفرد لتعلم المهارات الحقيقية ، قد يقول البعض أن للعمل الجماعي صعوبات و تحديات اتفق معك و لكن و بلا شك أن منافعه تغلب على أضراره قال صل الله عليه و سلم “ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “ .
أشكرك يا صديقي على وقتك ❤