ثلاثية
(البشرية،الخير،الشر)
رولا عبدالرحمن
الكائن البشري المدعو الإنسان المتردد بین كفتي المیزان یجد مراتٍ كفة میزانه الأیمن أثقل من الأیسر ومرات أخرى على العكس تماًما فلولا وجود المنصف العادل لتردداته البشریة لختلت الكفتین بل وسقطت تردداته الملازمة للحطیط الدائم .
یظل الإنسان في مواضع عدة وكثیرة متردد بین القوة والضعف ، الفرح والإحباط ، البقاء أو حتى الزوال و وبذلك یظل التردد
مشابه لفعل ملازم له لا یفارقه ولا ینفك عنه ، بل و یحاوطه بتساؤلات وسلوكیات مختلفة یوًما بعد یوم . ومن هنا ومن فترات طویلة ظل یتبادر لذهني كثیرًا هل الكائن البشري أي نحن جمیعًا میالین للخیر والسلم و هل الكائن البشري سوي بالمطلق ؟؟ أم أنه شریر میال للعنف والبطش ؟؟
الإنسان : منذ بدایة الخلق منذ آدم وحواء كان السلوك البشري للتمرد واضحًا الذي تمثل بالعصیان وأكل الشجرة الممنوعة التي أدت إلى هبوط البشریة للأرض والاستمرار في العیش فیها إلى أن تقوم الساعة بعدما طلب أدم مغفرة الله له ،ومن هنا بدأت تتكون ملامح البشریة
بل و تشكل تضاریسها بشكل واضح وجلي ، ومن هنا تسیر بنا قافلة القصص وصولا لهابیل وقابیل قصة من التراث الإسلامي بل
وتشمل كثیر من الكتب السماویة ، القصة التي جسدت سلوك القتل الأول وممارسة الشر الأول من قبل قابیل لأخیه هابیل بدافع
الغیرة والحقد ؛ لیظفر بأخته الأعلى جمالا وذلك حفاظا على استمرار النسل البشري آن ذاك .
أي أن الإنسان خلق لیشعر وذلك الشعور هو الموجه أفعاله وردود أفعاله بالمقابل وخلق لیمتزج بأقرانه وهذا الامتزاج قد یكون خیرا
صالحا أو على الخلاف تماما
ومن هنا أود أن أعرف الشر بالمعنى العریض العام لأتناول بعده مسبباته والمحكم الأساسي للحفاظ على ضمانیة عدم طغیانه في كفة المیزان
الشر هو :
السلوك البشري الناتج عن فعل فاسد نتج عنه ردت فعل أدت إلى البطش والتعنیف وممارسة السلطة المطلقة ، وإن أستمر هذا السلوك مطولا أدى إلى تجرد البشریة من بوادر السلم ، والرحمة ، والشعور بالإنسانیة للأفراد المضطهدین
السلطة والقمع :
مصطلحین عریضین مرتبطین بعملین بشرین وجدوا على خشبة مسرح الحیاة الواقعي ، وذلك بأن تكون البشریة تحت سطوة القمع فمن المؤكد أن هنالك مستبد دیكتاتوري یمارس علیها فعل السلطة بمعناه المطلق الا إنساني . وأبرز استشهادیین تقرأ حالة السلطة والقمع بشكل دقیق شامل لسیكولوجیة البشریة نحو التغیر لتحقیق مستحقات العیش في ظل سیادة القمع وتفشیه
هي :
تجربة سجن ستانفورد The Stanford Prison Experiment
التي وقعت خلال عام ١٩٧١ من قبل الدكتور النفسي فیلیب زیمباردو ، لمدة لا تتجاوز الأسبوعین حیث تم إیقافها بعد أن أتخذت منحناها السریع بظهور النتائج ، التجربة ببدایاتها قسمت المتطوعین إلى قسمین سجناء و سجانین الذي تطوع كلا منهم
بدافع المادة ، تبدأ التجربة أو المحاكاة للسجن ؛ و السجن تحدیًدا لإرتباطه بتقیید الحریات وقمعها ، یمارس السجانین سیادتهم ، یخضع السجناء للأوامر ویوم بعد یوم تظهر فاشیة الإنسان وشره تحدیًدا ؛ وذلك عندما یرى السلطة المطلقة بیده و الخنوع المطلق الخائف من قبل السجناء بالمقابل ، أدت هذه التجربة إلى تطور سریع ملحوظ مما أدى إلى منحنى قوي یوضح كیف للقمع والسلطة أن یكونان عامل لتكون الشر
روایة " ١٩٨٤" لجورج أورویل وأیضا " مزرعة الحیوان "
لذات الكاتب التي تبین أنه لطالما أسهب جورج في روایتیه وذلك بتوظیف العنان المطلق ؛ للماذا لو كانت السلطة العجلة الكبرى لتكون الإستبداد والشر ؟ حیث تسلمت حیوانات المزرعة السیادة الكبرى والأعمق من ذلك وأعتقد أنه كان عمل تكاملي له وهو روایة ١٩٨٤ حیث تقع السیادة الكبرى لجماعة الأخ الأكبر الذي یراقبك یتحكم بحیاتك تفكیرك توجهاتك من توالي ومن تعادي ومن تكون تحدیًدا ، وأي مخالفة تصدر من الأفراد لنظام الأخ الأكبر فهم تحت رهن التعذیب ورهن ضیاع كیانهم الفردي البشري وذلك من خلال فعل التصحیح من قبل السلطة أي بالمعنى الحرفي ممارسة الشر لتقویم السلوك .
منقولات من كتاب "حیونة الإنسان " مقتبسا من كتاب " الخوف من الحریة " لإیریك فروم هناك تعریف لسیون ویل یقول :
(السلطة هي القدرة على تحویل الكائن الحي إلى جثمان ومن ثم إلى شيء)
والسلطة والقمع لا تحصر على الإطار السیاسي فقط بل الإجتماعي و المؤسسي الذي یقع تحت حاجة المادة أو حاجة بناء الفرد و یتبادر لذهني كثیرا حول السلطة الإجتماعیة بشكل أخص الأسریة بمعناه السلبي ، حيث صوت فیروز تغني كلمات جبران في أغنیة المحبة
ثم قالت له امرأة : حدثنا عن الأولاد فـقـال: أولادكم لیسوا لكم.. أولادكم أبناء الحیاة.
والتي تناهض فكرة الإنسان وانفتاحه للحیاة جزء أساسي من تكونه الفردي وعكس ذلك تماًما یجلب المعنى المعاكس للتكوین الفردي القویم والصحیح .
المطالب ، والاحتیاجات، والشر
لم توجد البشریة على منحنى خطي ثابت ودخل ثابت واحتیاجات ثابتة ، أي لتناول مشكلة الاحتیاجات تحدیًدا على مستوى ما بعد الحداثة أي الإنسان المعاصر الذي شهد تقسم مناطق عیش البشریة إلى دویلات ودول عدیدة تفجرت فیها عائدات ضخمة وطاقات
بشریة مختلفة وطبقات جعلت كلا ینال إستحقاقاته وبعضها یحرم منها سواء بالطریقة المشروعة أو على الخلاف تماًما ، فمن هنا
الطبقة المحرومة تسعى و تناهض وعندما تتلاشى فكرة الوصول تلجأ بطبیعة الحال للفعل الغیر شرعي كالسرقة ، الفتك ، المعادات والهروب أخيرا ؛ومن هنا هل لابد أن نبرر الجریمة الواقعة على عاتق الطبقة المحرومة بأنها حاجة والحاجة تولد تحقیق الحاجة ذاتها أو ما یشابهها ؟
اعتقد من الإستحالة ومن الغیر العادل ذلك ؛ لكن ذلك یوضع أن الحاجة تولد الشر ولو كان بالمرة الأولى مرا ثقیلا لكن بالمرة المئة على التوالي
یصبح الشعور لدى الطبقة المحرومة سهلا یسیرًا وكأنه روتین یومي یمارس على الدوام وكأنه لم یكن حملا ثقیلا على عاتقهم في المرات الأولى
أصل العنف مقتبس من كتاب "حیونة الإنسان"
العنف السیاسي المسمى بالإرهاب كان یقع في الماضي نتیجة بنى وثقافات متشددة وعقیمة ، ولكنه یقع الیوم لغیاب البنیة والثقافة ، إن العنف أو الإرهاب المؤلم المؤذي یتفجر في جمیع أنحاء العالم نتیجة الفوضى الاجتماعیة ، وإن العنف أو الإرهاب یمكن أن یصنف في ثمانیة أنواع
1- العنف أو الإرهاب ضد الطبیعة أو ما یسمى الجرائم الإیكولوجیة .
2- العنف أو الإرهاب ضد الذات : كالإدمان أو الانتحار .
3- العنف ضد الأسرة كالإساءة إلى الأطفال والنساء .
4- العنف ضد الأفراد كالنساء والنهب والاعتداء والإغتصاب والقتل .
5- العنف ضد المؤسسات ( الفساد )
6- الإرهاب الأهلي العنف الطبقي والحروب الأهلیة
7- العنف الخارجي (الحروب بين الدول )
8- العنف ضد الكواكب
أخیرًا
هل من محكم یعدل كفتي المیزان ؟ ؛ حتى لا تهوي بنا كفة الشر إلى جانب عن آخر وتقودنا إلى منحنیات مختلفة
الحقیقة لست عالمة بالفلسفة والسیكولوجیة البشریة بشكل كامل ، بل وبشكل أدق أجد أنه من الصعب التنبؤ بحال الإنسان مالم یخضع لظرف یقوده لفعل الخیر أو حتى الشر لكن أعلم تماًما أن الحیاة السویة التي لا تؤمن بالمطلق الدائم أي الخیر المطلق ، الشر المطلق ، القمع والحریة والسلطة المطلقة التي تسهم في بناء شر وعداء مطلق بالمقابل ! ؛ أي أن المحكم لوزن المیزان یكون بعدم وجود المطلق بشكل كامل تماًما وبمعناه السلبي تحدیًدا المجرد لجانب القانون والعدالة ، و الخلق الرشید ، و القالب التربوي الإجتماعي الذي وجدنا بداخله ونشأنا فیه بمعناه الخیر ، وبالطبع وعلى الصعید الأول أجد فطرة الإنسان وإعتناقه لدین یوجهه و یحیل بینه وبین ممارسة فعل الشر والعداء له أثر هام أيضًا ، وذلك لأننا نخشى العقاب والمجازات للأفعال الحاملة لطابع الشر مما قادنا إلى شعور الرهبة بمجرد الإقتراب من عتبة الشر ولو بمجرد التفكیر أو حلم یقظة یراودنا في یوم ما للرغبة بممارسته على أرض الحیاة الواقعة ، لكن أیضا مشهد العداء الذي اختلق من قبل البشر بدافع الترفيه وهذا ما تشهده حلبات المصارعة التي ما من يطغى عليها شعور الترفيه يبدأ كل مصارع بإيذاء الطرف الآخر متجاوز قانون اللعبة ليثبت قوته والجمهور البشري بالمقابل يصرخ ويشجع بأعلى صوته مما يزيد نشوة العنف أكثر فأكثر
أخشى أن الكائن البشري غیر قابل للتنبؤ لكن قابل لمجاهدة ذاته لمحاولة منع وقوع الشر الجمعي أو حتى الفردي ، ولو على صعید المجاهدة فحسب .