أضرار التركيز وفوائد التشتت!
أَخرج باحثًا عن أشياء محددة، فأعود باكتشاف أشياء أخرى غير التي قصدت.
أحد علماء الأحياء الذين يضربون في الأرض يبتغون علمًا
سلِّط عقلك ونظرك على زهرة ، ستلاحظ تفاصيلًا جميلة ضلّ عنها قومٌ آخرون ، ولكنهم تمتعوا بجمال غابة خلابة أضلّك عنها تركيزك!
“اتبع شغفك” ، “ابدأ والغاية في ذهنك” ،” نحن في زمن التخصص “!
لو كانت الآذان قِرَبٌ، لفاضت من أمثال هذه الشعارات التي تدور حول التركيز واقترانه بالنجاح.
إن كان ذلك صحيحًا، فهل للتركيز من أضرار ؟
هذه خمسة أضرار، شابَ ملاحظتها شيءٌ من التشويش، قد يكون صفاؤك حكمًا عليها بعد قراءتها:
إيهامٌ بفهم الذات
بسبب تركيزه الشديد على مجال محدد ، يتوهم أنه سبر أغوار نفسه، وأنه وجد مجاله الذي لاحيدة عنه، ولكن التفاتة عن محط تركيزه ، تجعله يتراجع عن ذلك، وتجعل ذهنه مهيئًا بأن تتخلّق فيه أفكارًا ومشاعرًا جديدة ، حُبسَ عنها حينًا من الدهر.التقليل من قيمة الأشياء الأخرى
كيف يقدر قيمتها وعينه لم تَر غير شيء واحد ؟! وإن رأت فإلماحة بسيطة، حثته عليها غريزة الفضول، فأسكتها بنظرة متعجلة، عادت إليه بتصور قاصر، صدر عنه حكم قاصر، يعبر عنه أحيانًا بقوله: هذا علم لا ينفع.فوات قدرٍ من الجمال
لو كان لديه قدر من التشتت والتفلت، لأدرك أن الذي بين عينيه أجمل مايكون عندما يتناسق مع ما حوله، وكم من المعارف لا يُعرف قدرها إلا إذا جاوَرَتها معارف أخرى. فالزهرة تزداد حسنًا لو لاحظتَ فراشةً ترفرف حولها، وشجرةً مُدهامّة بجوارها، من فوقهما سحابة تحجب شمسًا وتكشف عن قمر.تسلل طبائع الشيء إلى الشخصية
خير جليس في الزمان كتاب، وكثرة المجالسة تقود إلى المجانسة، والمنهمك في علمٍ ما، إلا ويتسلل إلى طبعه شيء من قوانين هذا العلم، فطَبع علم الرياضيات -مثلًا- لا يقبل منطقة رمادية، إما صوابًا أو خطأ. ولَك أن تتخيل مالذي سيحدث لو تسلل هذا الطبع إلى حياتك الاجتماعية ؟! وما الذي سيحدث لو استدعينا الطبع الرياضي في العلوم الإنسانية؟!تضخّم القيمة ظاهريًا
التركيز حول شيء محدد يكثف شعورك تجاهه، وقد يوهمك بقيمته العالية، فتظل دهرًا تحرزه وتحرسه، حتى إذا أخرجته يومًا وجدت سوقًا كاسدة لا يباع فيها إلا بثمنٍ بخس دراهم معدودة.
تلك خمسة ناقصة، لا أحب أن يُفهم منها ذم التركيز مطلقًا، وأحب أن يُفهم منها أن التركيز قدرة، يتطلب استعمالها وعيًا بأضرارها.