كم عمرك الأخلاقي؟!

زوجته قاب قوسين أو أدنى من الموت, وشفاؤها الوحيد في دواء باهظ الثمن. ذهب للصيدلاني متوسلًا أن يمنحه الدواء بالمجان أو بسعر مخفّض على الأقل. لكنه لم يسمع سوى : ادفع أو اخرج!

اختار الخروج الآن  والعودة فيما بعد بصورة أخرى!

عاد ليلًا متسللًا وسرق الدواء.

س/ ماحكمك على تصرف الرجل ؟!

قام الباحث كولبرج 1958 بتوجيه هذا السؤال إلى عشرات من مختلف الأعمار ، ثم صنّف أجوبتهم، وتوصل إلى أن (الحكم الأخلاقي) له مراحل نمو.

وجد أن الاطفال ينطلقون عند حكمهم على أسس معينة، وكذلك البالغين لديهم سمات تجمعهم. ثم أشار إلى أن بعض الأطفال قد أجابوا بطريقة وكأن جهازهم الأخلاقي أكثر نضجًا من أقرانهم. وفي المقابل وجد بالغين قد أجابوا بطريقة تشبه إجابات الأطفال وكأن جهازهم الأخلاقي يعاني من ضمور في النمو.

حسب نظرية لورانس كولبرج هناك ثلاث مستويات للنمو الأخلاقي، وكل مستوى فيه مرحلتين .
لتوضيح ذلك أريدك أن تتخيل هذا  المشهد :

“معلم يضرب طالبًا ضربًا مبرحًا في أحد أروقة المدرسة"

لنشاهد مالذي يدور في عقول كل من رأى الموقف وفقًا لمراحل النمو الأخلاقي:

المستوى الأول ، والمرحلتين الذي يضمهما  

المرحلة الأولى:

طالب مرّ بجانب هذا المشهد: هذا معلم ويجب طاعته، وإن قمت بالتدخل سوف أنال عقابًا. ستلاحظ أن السلوك الصحيح عند هذا الشخص هو السلوك الذي يجنبه العقاب.

لننتقل إلى المرحلة الثانية، ونرى كيف يتصرف أفرادها:
طالب  آخر شاهد نفس المشهد : إذا استطعت مساعدة هذا الطالب ربما سينقذني في موقف مشابه يومًا ما. السلوك الصحيح بالنسبة لهذه المرحلة هو الذي يؤدي إلى نيل منفعة شخصية : مالذي سأحصل عليه؟!

التفكير بطريقة الطاعة والعقاب، أو بالعوائد النفعية، كان هو الأسلوب الشائع عند شريحة الاطفال التي أجرى عليها كولبرج البحث. وسمّى هاتين المرحلتين بمستوى ماقبل الأعراف والقوانين.


ماذا عن المستوى الثاني، وماهي مرحلتاه ؟

أبناء المرحلة الثالثة يفكرون بطريقة كيف سيراني الآخرون عندما أدافع عن هذا الطالب وأصرخ في وجه المعلم؟ ماهو الدور الاجتماعي المُنتظر منّي فعله ؟. في هذه المرحلة يتمحور التفكير الأخلاقي على النظرة الاجتماعية للسلوك.

في المرحلة الرابعة التي تليها، يفكرون بطريقة الالتزام بالنظام. ربما سيتدخل لأن الضرب في المدرسة مخالف للنظام الذي يجب أن يحترمه الجميع. نرى في هذه المرحلة أن الاعتبار الاخلاقي يرتكز على القوانين والأنظمة.

التفكير بطريقة ( كيف سيراني الآخرون؟) أو بطريقة ( الأخلاق هي القوانين ) شائعة عند المراهقين والراشدين وفقًا لبحوث كولبرج.  وهاتان المرحلتان سمّاهما الباحث بمستوى الأعراف والقوانين.


المستوى الثالث ومراحله (ماوراء الأعراف والقوانين)

سيفكر من في المرحلة الخامسة بطريقة تتجاوز نص النظام. ربما سيقول : نعم هذا التصرف خاطئ من المعلم ولكن ربما هذا الطالب يستحق الضرب لأنه بالأمس ضرب طفلًا أصغر منه. هذه المرحلة تجاوزت فكرة أن القوانين هي الأخلاق، وأصبحت منفكة عن الالتزام الحرفي بالنظام. وانحط تركيزها على معنى النظام وقيمته.

تليها المرحلة الأخيرة، وأبناؤها غاية في النضج الأخلاقي وهم قلّة قليلة. لا يدفعهم الخوف من العواقب نحو فعل شيء أو تركه، وقراراتهم غير مبنية على المنافع الشخصية كما في المستوى الأول. ولايعتمد سلوكهم على العادات ونظرة المجتمع كما في المستوى الثاني .وضرب لهم الباحث مثلًا بمارتن لوثر كنج .

فَلَو كان أحد أبناء هذه المرحلة شاهدًا على موقف ضرب الطالب، سينتصر له إن كان مظلومًا، وسيثير الشكوك حول جدوى النظام الذي أدّى إلى مثل هذا!  وسيتحرك بالضغط على صناع القرار لتغيير النظام. وسيجمع تأييدًا شعبيًا لمشكلة العدالة في المدارس. وربما يكتب مقالات وكتب حول هذا الموقف وقد ينشئ حركة اجتماعية تنادي بتحقيق العدالة في التعليم.

هُم الذين تحركهم المبادئ والقيم التي ءامنوا بها، و يسعون حدّ الظمأ إلى تجسيدها في واقعهم. يناضلون من أجل تجاوز الأزمات الأخلاقية. يسندهم في ذلك قدرتهم الفائقة على التفكير التجريدي، وصياغة المفاهيم وتحليل الأفكار والمضامين.


هل سارق الدواء كان مُخطئًا؟
كيف ستتصرف لو رأيت ذلك المعلم ينهال بالضرب على الطالب ؟
كم عمرك الأخلاقي ؟