الفراغ الجميل
قرأتُ اقتباسًا لأحدهم منذ فترة قِيل فيه "أنتِ جميلة، لكنك فارغة، لا يمكن لأحد أن يموت في سبيلك" والفراغ هنا كان مقابلًا للغباء أو البلاهة بنظري، ولنرى الغباء على أنه فراغُ مكتظ بالكثير من الأقوال والأفعال الخاطئة، تلكَ التي لا توضعُ في أماكنها. استوقفني هذا الاقتباس طويلًا وأصابني بذلك الذعر الذي يرافق الأفكار المثيرة لرغبتي في البحث خلفها، فكرتُ حينها هل يوجدُ فتاة كهذه؟ بمظهرٍ جميل وعقلٍ فارغ؟ لربما يلومني البعض على هذه الإجابة قبل أن أبدأ بسردِ أسبابها ولكن "نعم". ولأنني أؤمن بالجمال الذي أشعر بهِ لا بالذي أراه فلا بد لي من طرح سؤالي هذا كبداية، كم مرةً رأيتم فتاةً جميلة لا تكاد تفتح فمها حتى تتفوه بكل أنواع الترهات؟ عوضًا عن كونها تميل للسلوك المتسم بالتعالي الجاهل أحيانًا أو الصبيانية ولربما الوقاحة واللامبالاة. يظن البعض أنه لا علاقة للجمال بكون المرء غبيًا ولكن ماذا عن عنصر المجتمع؟
المجتمع، هذا العنصر القادر على قلب موازين المرء وتحوير صورته في عين نفسه. نعم! المجتمع هو من يجعل الجميلات غبيات في كثيرٍ من الأحيان، لستُ أتحدث عنه كغريبة أو كعالمة سوسيولوجيا غربية، إني أتحدث من وسط المجتمع. هُنا حين تولد فتاة تملك معايير الجمال التي وافق عليها الجميع بمن فيهم نحن أحيانًا، كأن تكون بيضاء أو ذات شعر طويل ناعم، ممشوقة الجسد أو ما بين الرشاقة و الامتلاء أي تلك التي تملك المعايير اللازمة لجعلها "مطلوبة" أو باختصار تلك التي تجعل الإطراء الأول الذي يقدم لها دائمًا ما يخص مظهرها، تلك التي أخبروها مرارًا أنها لا يجب أن تجتهد كالباقيات لأنها جميلة، تلك التي أقنعوها أنها رائعة وذات آراء يُشاد بها وتٌحترم بينما كانت مجددًا تتفوه بالترهات فقط لأنها جميلة. وهذا تبريري لتلكَ "النعَم".
في مجتمعي الصغير كانوا يحثون متوسطة الجمال أو "العادية" على التركيز في دراستها والاستثمار في عقلها بينما كل ما كان على الجميلة أن تفعله هو أن تحافظ على جمالها لأنه سببًا في كونه لا يوجد ما يُعيقها عن الحصول على زوجٍ جيد يواجه الحياة بدلًا عنها، كل ما كان على الجميلة أن تفعله حينها هو أن لا تكون أكثر من كونها جميلة وحتى محاولاتها في أن تفكر وتملك أراءً يُعتد بها كانت عادةً ما تفشل فمعظم المجتمع ليس جاهزًا لأن يسمع منها، إنهم هنا لينظروا إليها فقط، بالإضافة لكون المجتمع هو من يقنعها ولو على استحياء أن جمالها هو هويتها ويحدث أن تصِل الفتاة للعديد من المناصب والأماكن وهي ما زالت بعقلٍ فارغ -فارغ رمزية على كونه ما زال تافهًا- لأنها عاجزة عن التخلص من فكرة أن جزءًا كبيرًا من استحقاقها يكمن في مظهرها.
نظرية الغباء والجمال ليست مُزحة، ففي محيطي الصغير "العاديات" أكثر ذكاءً من غيرهم من "متفوقات الجمال" لأن قيمتهم دائمًا تؤتى بالسعي والعقل فمجتمع الأمس لا يتعاطف مع "العادية" أو "القبيحة" كما يتعاطف مع "الجميلة". فمثلًا، على وسائل التواصل الاجتماعي ما بين عارضةِ أزياء فائقة الجمال يقيمها الجميع بمظهرها وكاتبة مثقفة ومتخصصة لا تملك مظهرًا جذابًا من يملك عددًا أكبر من المتابعين بنظركم؟ لا أظن أنه يوجد داع من كتابة الإجابة بينما كُتبت أساسًا في أذهانكم.
لا أستطيع عد المرات التي خضت فيها بعض الحوارات مع جميلات حمقاوات وشعرت بالأسف عليهن في كل مرة؛ لأنهن ضحايا أيدولوجيا حمقاء ولكنها شديدة الصلابة بأعمدة امتدت من سالف العصر والأوان. إنهن ضحايا المظهر أو ضحايا تقييم المرء بمظهرهِ دون النظر لعقله، ضحايا الالتفاتات التي لا تُبصر سِوى السطح، ضحايا "أنتِ جميلة" عِوضًا عن "أنتِ ذكية" ولكن في النهاية هم الضحايا والجُناة أيضاً؛ فالسقوط في شِباك تقييمات الآخر ووضع نفسك محلها هو خطأ الفرد غالبًا. أن تقتنع بما يراهُ الناس كونه وسيلتك الأمثل في رؤية نفسك هو سقوطٌ من قمةِ القيمة وعلى المرء أن ينجو بقيمته وينجو بقدرته على رؤية نفسه كما هوّ أو كما يُريد لا كما فُرض عليه، فالجمال هو ما نشعُر به لا ما نراه، ما يكبر بداخلنا لا ما يشيخ بالخارج، وحتى إن بدى الأمر مستهلكًا بالنسبة للبعض إلّا أنّ الجمال لا ينفك عن كونه يقبع في الروح، وفي الروح فقط، والوعي لاستشعار الجمال -لا رؤيته- يستدعي الكثير من الصدق والكثير الكثير من الأصالة.