الفن مع سبق الإصرار
عن الفن وعائلتي
لطالما آمنت بأنّي ولدت أستطعمُ الفن، أشتمهُ وأميزه، وأنتمي إليه ولكنني كنتُ مستاءة لظنّي أنّي لا أملكُ فنًا واضحًا أُعرَفُ بِه ويُقدّمني بدلًا من أن أقدّمه، ورغبتي بالانتسابِ للفن تعودُ لكوني أدركتهُ مُبكرًا، فوالدي كان خطاطًا موهوبًا، موهوبًا بِلا جهدٍ جهيد وما كان عليهِ إلاّ أن يمسِكَ قلمًا أو ريشة حتى تتعانقَ الحروفُ من تحت يدهِ على إثرِ لحنٍ رصين. وخلال أيامي علمتُ بعفوية أنّه ينظمُ الشِعر ويسترسلُ في النثر بينما لا أنفك أعاودُ الاستماع لقصةِ عوده المكسور التي يردفها الجميع بحقيقةِ أنّه كان يتعلم الألحان اعتمادًا على أُذنيه بينما يعزفُ بمنهجٍ روحيٍ وعفوي بعيدًا عن النوتات المخطوطة.
كنا نفتح حقيبةَ والدي القديمة تلكَ التي تبدو كآلةٍ للسفر عبر الزمن مسروقةٍ من فيلمٍ خيالي، ونبدأ بتقليب رسوماتِ أمي المرحومة وتصاميمها الأنيقة الصالحة لكلِّ الأزمان، أمّي التي كانت ربّة منزلٍ مُثقفة، أمي صاحبة الأثار الساحرة التي تجعلني أتساءل "لأي حدٍ كانت ستأسرني بوجودها ما دامت بقاياها آسرة لهذا الحد؟" أمي التي أظنُّ أنها كانت رائعةً جدًا على هذه الحياة وفنانة على كل الأصعدة، تكتب، ترسم وتقرأ وأظن أنّه حتى الأغاني كانت ستخرج دافئةً من ذلكَ المبسَم.
أذكر أيضاً أنّ أختي كانت ترسم، بدأت الرسم منذ كنّا أطفالًا وكانتَ جيدةً بشكلٍ غريزي ولكنها تخلّت عن الأمر بعدَ ذلك فحتى الموهبة لا تنجو من قبضةِ الملل وعدم الاستمرارية ولكنّي أعلم لِزامًا أنّها تملكُ اللازم للعودة عوضًا عن كونها تليقُ بالفن كما يليقُ الفن بها فلطالما أنقذتني من براثنِ درسِ المهارات الفنية.
أكتبُ من أجلي، من أجل الخراب الذي لم يُرمم بداخلي بعد، من أجل شُعلة الغضب التي لا تغفى… وسأكتبُ حتى أُشفى، أو سأكتب ما حييت!
سبأ
أما أنا فأكتبُ كما ترون، وقد اعتدتُ حياتي أكتب. بدأت الكتابة منذ سن مبكرةٍ جدًا، زاولتها حتى زاولتني، لم أعُد أبحثُ عن الكلمات بينما أصبحت هيّ تنزلُ عليّ كالوحي، أصبحتُ أتنفس بقلَمي وحينها علمتُ أنّي أخيرًا أنتمي للفنّ كما شعرتُ دومًا، وأنّ كلماتي هي شهادتي ووسامي ومنذ ذلكَ الحين وأنا عاجزةٌ عن التوقف، أكتبُ في الضيق والسِعة، في الخيبةِ والأمل، في الغضب والرِضا، وسأكتبُ إلى أن أشيخ أو تشيخ الحروف، سأكتب ممتنةً لكلّ جملةٍ وكلمةٍ وحرف فأنا لطالما نجوتُ بِقلمي...