فرط الاستعداد
"لستُ مستعداً كفاية،" "لستُ جاهزاً للبدء،" "الوقتُ غير مناسب،" إلخ... كم من مرة رددنا هذه العبارات حينما نُقبل على بدء مشروع جديد، أو تعلم مهارة فريدة، أو حتى فتح كتاب لطالما جلس على رفِّ غرفتنا، ينتظرُ اللحظة اللتي تُرى صفحاته وتُخاض رحلته.
ياترى هل فعلاً الوقت غير مناسب؟ أو أننا غير مستعدين كفاية؟ أم أنه قلق البدء وخوف الجديد؟ في ظني، إنه الأخير. فنحنُ غالباً ما تسيطر علينا رهبة الخطوة الأولى، فنتجمد واقفين.
لا، هذه ليست دعوة للانغمار في تجارب جديدة ومواكبة بعضاً من افتراضات العصر: عليك أن تكون من المثقفين، الناشطين، الفنانين، رواد الأعمال، أو أيً ماكان من الأوصاف للأشخاص الذين يقضون وقتهم في الصُنع، التطور، والإبداع. لا. إن كنتَ مرتاحً بالجلوس ولا تريد الحركة، فاجلس. وإن كنتَ سعيداً في مكانك ولا ترغب في المزيد، فتوقف. ابقى في قوقعتكَ المقيتة، وتباً لما يقوله الآخرون—فالأغلب، على أية حال، لا يكترثون لما تفعل.
ولكن بالمقابل، هذه مقاضاة لكلِ المحتالين الحالمين. المحتالين الذين يصبّون جُلَّ خوفهم من البدء في تحقيق أهدافهم على التوقيت، ويتعذرون بحججٍ واهية، مثل "لستُ مستعداً كفاية" أو "لستُ جاهزاً للبدء." هل ستدع السنين تمضي، وتتلاشى فرص تحقيق هدفك التافه—مثل قراءة كتابٍ عاشَ بجوارك عقود، أو إكمال فكرةٍ سكنَت مخيلتك منذُ الأزل—لأنكَ، ببساطة، جبان؟
يمتنع الكثير عن البدء، باحثون عن تمام الجاهزية، وماهم بذلك إلا ضحايا فرط الاستعداد. أولائك الذين باتوا في مكانهم بسبب خوفهم، وألبسوه رداء "عدم الاستعداد" ليحسّنوا شعورهم تجاهِ أنفسهم. مثلي تماماً.
نعم، مثلي أنا. فقد وددت دوماً أن أمارس الكتابة، ولكنني تخوفت من دخول هذا العالم. غدَوت اتسائل في نفسي، "ماذا سأكتب؟" "ولماذ سأكتب؟" "وهل فعلاً هنالك أحدٌ في كاملِ قواه العقلية سيستفذ وقتهُ وجهدهُ لقراءة ما أكتب؟"
لا أدري. ولكن اليوم، اليوم أنا لا أعبأ. سأضربُ كل مخاوفي عرض الحائط، وسأكتب. سأكتب كيفما أشاء وعن ما أشاء، وسأغلط، وأتعلم. وهذه رسالة أيضاً لكلِ المتوهمين بالاستعداد: "ابدأو!" مارسوا العبث فيما تحبون، وتعلموا من أخطائكم؛ فالحياة قصيرة جداً لأن نسقط لقلق الخوف، ونتخلَّف عن تحقيقِ أبسطِ رغَباتِنا.