حرية مزيفة وغربة جديدة
لقد مضى مايقارب الخمسة أشهر على تواجدي في الوطن بعد الرجوع من أمريكا. مضت الأيام في وقت الدراسة، والتي كانت عن بعد لهذا الفصل، بشكل سلس ومريح, ربما لانشغالي الدائم في الدراسة. ولكن ما إن أتت الإجازة وأنا في حالة غريبة من الضياع. ليس لأنني بعيدًا عن أصحابي، فهم متواجدون بجواري، وأخرج معهم بشكل مستمر. وليس لأنني بعيدًا عن أهلي، فأنا هنا في المنزل، معهم. ولكن ما أحسه هو أنني بعيدٌ عن… نفسي.
ساد التفكير مؤخرًا أن الحرية في البلد قد تحسنت وأصبح الناس، في نظر البعض، ليس فقط أحرار بل منفلتون. ولكنني لم أشعر بذلك. لم أشعر بذلك أبدًا. أغلب ما أستشعره من حولي هو انغماس في معتقدات لا يمكن أن تُغير، ومحاولة ليست لمناقشة من يختلف والاستفادة من الحوار، بل فقط لغرض إقناع الطرف الآخر بالصحة التي تكاد تكون مطلقة لهذه المعتقدات. والأشخاص المختلفة الذين لايستطيعون الوصول إليهم لمناقشتهم؟ هؤلاء الأشخاص يتم الكلام عليهم بكثرة، وإطلاق شتى الأحكام والأقوال عليهم. أحيانًا بكلام صريح ومباشر، وأحيانا بهتف إعتراضي مثل ”شفت وش يلبس فلان؟“
نعم، إنني أتحدث عن هذه المحادثات اليومية، وليس شيئًا مبهم أو من وحي الخيال. هذا النمط من التفكير الذي يستنكر أي اختلاف مهما كان نوعه يزعجني. وللدقة والصراحة، يقززني. أشعر أنني لست فقط مكتومٌ عن البوح بآرائي المختلفة، بل حتى الممارسات والهوايات البسيطة، مثل سماع أغنية خلال الاستحمام أو مشاهدة furrylittlepeach. قد لا يكون هنالك دائمًا شيء مباشر يقلقني من فعل هذه الأمور، ولكن هنالك جوٌ غريب يشعرني بأنها ممارسات قد تثير الاستنكار أو تجلب التعجب.
هذا التفكير المستنكر لكل رأي أو توجه مخالف أشعر وأنه يتخلل لأي أمر، مهما كانت بساطته وعفويته، طالما أنه مختلف أو جديد. لا أعلم إن كان هذا تضخيمٌ مني أو لا، ولكن هذا هو واقعي الحالي. أشعر بـ”غربة” عند ممارسة أشياء بسيطة ولكن مختلفة، أو حتى لإمتلاكي أفكار مغايرة (لا أبوح بها طبعًا لأنها من ضمن الأشياء المتكلم عنها بإعتراض واستنكار, وأحيانًا تثير الربكة والهلع).
أنا حزينٌ فعلاً لأن يكون هكذا الأمر، ولكن مفهوم الغربة في تغير وتبلور بالنسبة لي. فهو ليس فقط الابتعاد عن الوطن، بل قد يحدث وأنا في غرفتي، في منزلي، وبين أهلي. والحرية الحقيقة، بالنسبة لي مجددًا، لا تتحقق بمجرد إتاحة المساحة للناس لفعل ماتريد، بل عند الوصول إلى نقطة لا يتم فيها المساس بالتوجهات والأفعال المختلفة طالما أنها غير مضرة لأحد.
لم يتبقى على رجوعي لأمريكا سوى ما يقارب الأسبوع. حينها يمكنني معاودة التفكير، والتحدث، بأريحية خارج المسلمات الاجتماعية والعرفية والدينية وغيرها. حينها يمكنني التحرر من الأعراف التي قد تكون نوعًا ما مفرَطة وغير منطقية. حينها يمكنني أن أشاهد furrylittlepeach دون الإحساس بالتوتر أو الحرج. حينها يمكنني أن أستحم صباحًا على صوت الموسيقى الهادئ أيامًا وصوت الأغاني الصاخبة أخرى. حينها يمكنني الاعتقاد بأفكار غريبة ومختلفة ومناقشتها بتجرد وتحرر دون الشعور بـالغربة. حينها يمكنني أن أكون أقرب لنفسي.
هامش:
أعاني من نوعين آخرين من الضياع، أحدهما تكلمت عنه تخبطات والآخر أعتقد أنه بحاجة إلى مدونة خاصة لوحده.
إذا أردت المناقشة في محتوى المدونة أو طلب توضيح فأنا سعيد لتلبية ذلك.
I’m enjoying furrylittlepeach so much, if you haven’t guessed by now.